افراسيانت - أعلنت لجنة التعريفات الجمركية بمجلس الدولة الصيني أن بكين سترفع الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية من 84 في المئة إلى 125 في المئة اعتبارا من الثاني عشر من الشهر الجاري، فيما دعت وزارة التجارة الصينية الولايات المتحدة إلى إلغاء الرسوم الجمركية وتصحيح أخطائها بالكامل.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن رفع الرسوم الجمركية على بكين إلى مئة وخمسة وعشرين في المئة بأثر فوري بسب ما سماه عدم احترام الصين للأسواق العالمية.
فمن الرابح والخاسر في معركة كسر العظم بين واشنطن وبكين؟ وما تأثير ما يجري على استقرار الاقتصاد العالمي؟
ترامب: قد نقدم استثناءات لعدة دول من الرسوم الجمركية ولكن ليس أقل من 10%
بدوره أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة يمكنها تقديم استثناءات على الرسوم الجمركية الجديدة لعدد من البلدان، ولكن ليس أقل من 10% كحد أدنى.
وقال ترامب ردا على أسئلة الصحفيين على متن الطائرة الرئاسية بشأن تقديم استثناءات: "نعم، بالطبع قد تكون هناك بعض الاستثناءات، ولكنني أود أن أقول إن 10% هو الحد الأدنى".
وفي تعليقه على التصعيد التجاري مع جمهورية الصين الشعبية قال الرئيس الأمريكي: "قد يؤدي هذا إلى نتائج جيدة (لواشنطن)"، مضيفا أن "بلدنا بات يجني الكثير من الأموال لأول مرة منذ فترة طويلة".
وكانت قد حذرت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، من أن التصعيد التجاري المتزايد مع الصين "لن يكون جيدا (لبكين)".
وقالت ليفيت: "سيكون الرئيس (دونالد ترامب) كريما إذا أبدت الصين نيتها إبرام صفقة مع الولايات المتحدة. وإذا استمرت الصين في الرد، فهذا ليس في صالحها".
وأضافت: "الولايات المتحدة هي أقوى وأفضل اقتصاد في العالم. والدليل على ذلك أن أكثر من 75 دولة اتصلت بالإدارة فورا لإبرام صفقة. الرئيس يريد أن يفعل ما هو في صالح الشعب الأمريكي".
وأعلن ترامب، في 2 أبريل الجاري، فرض رسوم "جمركية متبادلة" على الواردات من دول أخرى. وسيكون الحد الأدنى الأساسي للمعدل 10%، ولكن كل دولة سوف تحدد تعريفتها الجمركية بحيث تكون نصف ما تفرضه على الشركات التي تستورد السلع الأمريكية. وقد بلغت نسبة الرسوم المفروضة على الصين حينذاك 34%.
ولاحقا أعلن ترامب رفع نسبة الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على الواردات الصينية إلى 125%، مبررا ذلك "بعدم احترام الصين للأسواق العالمية"، كما أعلن في الوقت ذاته تعليق فرض الرسوم الجمركية المفروضة على أكثر من 75 دولة لمدة 90 يوما، وخفضها إلى نسبة الحد الأدنى البالغة 10%.
وقال ترامب إن ذلك سيكون بمثابة "إعلان استقلال اقتصادي" للولايات المتحدة وسيساعد في استخدام "تريليونات وتريليونات الدولارات" لسداد الدين الوطني.
وقدرت منظمة التجارة العالمية أن حجم التجارة بين الولايات المتحدة والصين قد ينخفض بنسبة 80%، بفعل تبادل فرض الرسوم الجمركية بين البلدين
هل تدفع رسوم ترامب الجمركية بالولايات المتحدة نحو الهاوية؟
في السياق قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن سياسة الرسوم الجمركية التي فرضها على الواردات "تسير على نحو ممتاز".
حرب ترامب التجارية.. جنون أم خطة واضحة؟ وإذا كانت خطة فماذا بعد ذلك؟
يأتي ذلك بالتوازي مع تصريحات مماثلة للمتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت التي قالت: "هناك تفاؤل كبير في هذا الاقتصاد. ثقوا في الرئيس ترامب. هو يعرف ما يفعله، وهي صيغة اقتصادية مجرّبة".
لكن التوتر في الأسواق العالمية، والبلبلة التي أحدثتها الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس ترامب يوم 2 أبريل الجاري، لم تتوقف يوما منذ ذلك التاريخ الذي أسماه ترامب "يوم التحرير"، تحرير الصناعة الأمريكية، وإعادتها إلى الولايات المتحدة، التي، فيما يظن ويرى ويعتقد الرئيس، تتعرض لظلم وإجحاف، وميزان أعرج للصادرات والواردات، يريد هو بقراراته وأوامره التنفيذية، أن يغيره لصالح "العامل الأمريكي" و"الأمة الأمريكية" و"الاقتصاد الأمريكي". ولكن هل ينجح ترامب في قلب موازين لا الاقتصاد الأمريكي وحده، بل الاقتصاد العالمي بأسره، وهل يستطيع وقف التحرك الذي أصبح واضحا جليا نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب على أنقاض نظام أحادي القطب تهيمن عليه اقتصاديا وسياسيا وعسكريا الولايات المتحدة الأمريكية لا شريك لها.
يرى الاقتصادي الأمريكي المرموق وأستاذ جامعة كولومبيا ورئيس إدارة التنمية المستدامة بالجامعة جيفري ساكس أن التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس ترامب تشبه إلى حد كبير التعريفات الجمركية المعروفة باسم "تعريفات سموت هالي" لعام 1930، وهي عبارة عن إجراء تجاري حمائي وقعه الرئيس الأمريكي هربرت هوفر في الولايات المتحدة 17 يونيو 1930، وسمي باسم راعييه الرئيسيين في الكونغرس السيناتور ريد سموت والنائب ويليس سي هاولي، وقد رفع القانون التعريفات الجمركية على أكثر من 20 ألف سلعة مستوردة في محاولة لحماية الصناعات الأمريكية من المنافسة الأجنبية خلال بداية الكساد الكبير الذي بدأ في أكتوبر 1929. وهو ما كان مقدمة للكساد الكبير والأزمة الاقتصادية العالمية التي أفضت إلى الحرب العالمية الثانية.
وقد وقع هوفر على مشروع القانون متجاهلا نصيحة العديد من كبار الاقتصاديين، مستسلما لضغوط من حزبه وقادة الأعمال. كان الهدف من التعريفات الجمركية تعزيز العمالة المحلية والتصنيع، لكنها أدت إلى تعميق الكساد، لأن شركاء الولايات المتحدة التجاريين ردوا بتعريفات جمركية خاصة بهم، ما أدى في نهاية المطاف إلى انخفاض حاد في الصادرات الأمريكية والتجارة العالمية. ويعتبر الاقتصاديون والمؤرخون هذا القانون على نطاق واسع خطأ سياسي، ويظل مثالا تحذيريا للسياسة الحمائية في المناقشات الاقتصادية الحديثة. وقد أعقبه اتفاقيات تجارية أكثر ليبرالية مثل قانون اتفاقيات التجارة المتبادلة لعام 1934.
من جانبه، قارن الاقتصادي والسياسي اليوناني يانيس فاروفاكيس، الذي يشغل منصب الأمين العام لحركة الديمقراطية في أوروبا، بين الوضع الراهن وما حدث أثناء "صدمة نيكسون"، وأعاد إلى الذاكرة ما قاله وزير الخزانة جون كونالي لنيكسون حرفيا قبل يومين من إصداره قرار إلغاء الرباط بين الدولار والذهب: "سيدي الرئيس، إنهم (الأجانب) يسعون للفتك بنا Screw us، وعلينا أن نفتك بهم قبل أن يفتكوا بنا".
وقد ألغى ذلك القرار أحادي الجانب قابلية التحويل الدولي المباشر للدولار الأمريكي إلى الذهب، وهو قرار اتخذه الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في 15 أغسطس 1971 ردا على تزايد التضخم.
وبرغم أن إجراءات نيكسون لم تلغ رسميا نظام بريتون وودز للتبادل المالي الدولي، إلا أن تعليق أحد مكوناته الرئيسية أدى فعليا إلى تعطيل نظام بريتون وودز. وبينما أعلن نيكسون نيته استئناف قابلية التحويل المباشر للدولار بعد تطبيق إصلاحات نظام بريتون وودز، باءت جميع محاولات الإصلاح بالفشل. وبحلول عام 1973، حل نظام سعر الصرف العائم محل نظام بريتون وودز فعليا بالنسبة للعملات العالمية الأخرى.
وقال نيكسون في حديثه عبر التلفزيون يوم الأحد 15 أغسطس 1971، عندما كانت الأسواق المالية الأمريكية مغلقة: "إن العنصر الثالث الذي لا غنى عنه في بناء الازدهار الجديد يرتبط ارتباطا وثيقا بخلق وظائف جديدة ووقف التضخم. يجب أن نحافظ على مكانة الدولار الأمريكي كركيزة أساسية للاستقرار حول العالم. وفي السنوات السبع الماضية، شهدنا أزمات نقدية دولية، بمعدل واحدة كل عام في المتوسط.. وقد وجهت الوزير كونالي بتعليق قابلية تحويل الدولار إلى ذهب أو أصول احتياطية أخرى مؤقتا، إلا بالمبالغ والشروط التي تحدد بما يخدم الاستقرار النقدي ويخدم المصالح العليا للولايات المتحدة. الآن، ما هو هذا الإجراء، الفني للغاية، وماذا يعني بالنسبة لك؟ دعني أضع حدا لمشكلة ما يسمى بتخفيض قيمة العملة. إذا كنت ترغب في شراء سيارة أجنبية أو القيام برحلة إلى الخارج، فقد تؤدي ظروف السوق إلى انخفاض قيمة دولارك قليلا. ولكن إذا كنت من بين الغالبية العظمى من الأمريكيين الذين يشترون منتجات أمريكية الصنع، فستكون قيمة دولارك غدا مساوية لقيمته اليوم. بعبارة أخرى، فإن تأثير هذا الإجراء سيكون استقرار الدولار.
بدوره صرح الخبير الاقتصادي الروسي ألكسندر نازاروف بأن ترامب يدرك أن العولمة انتهت، والعالم بدأ فعليا في التفكك إلى مناطق معزولة عن بعضها البعض، ويدرك كذلك أن الصين لن تستسلم وستفوز بالحرب التجارية، وحتى لو وافقت الصين على الرسوم الجمركية الأمريكية، فإن ذلك لن يؤدي إلى إحياء الصناعة الأمريكية، بل سيفرض فقط ضريبة على دول أخرى ستملأ ميزانية الحكومة الأمريكية في وضع لن يكون مستداما بأية حال، ولن "ينقذ زعيمة العالم الديمقراطي" مئة مليار هنا أو هناك من الخدم والحلفاء السابقين، الذين على استعداد لتقديم فروض الولاء والطاعة من باب العادة أو الخوف.. "إضافة تافهة لا بأس بها من شأنها أن تخفف قليلا من حدة التحول" على حد تعبير الخبير الروسي.
ويرى نازاروف أن الحجة الرئيسية التي كانت تمنع اندلاع حرب ساخنة بين الولايات المتحدة والصين هي نمو اقتصادي البلدين "مثل توائم سيامية"، ما يجعل الحرب بين نصفي هذا الكائن الاقتصادي الواحد أمرا مستحيلا. الآن "يكسر ترامب هذا الارتباط". وبما أن العواقب الاقتصادية للحرب التجارية الحالية ستكون وخيمة، وقد تؤدي إلى زيادة الضغوط على ترامب على أقل تقدير، أو زعزعة استقرار الوضع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة في أسوأ السيناريوهات، فإن ذلك يعني ببساطة أن ترامب "يجب أن يسارع إلى الحرب مع الصين"، وفقا لنازاروف، الذي يعتقد أننا سنرى قريبا "حظرا أمريكيا كاملا على الواردات الصينية، ثم محاولة واشنطن إجبار العالم على مقاطعة البضائع الصينية. ثم، وبعد فشل هذه المحاولات، فرض حصار بحري على الصين، قد يبدأ بالعدوان على إيران، وقطع إمدادات النفط والغاز من الخليج إلى الصين".
في حديثه لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، أثناء زيارته لبكين، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ: "يتعين علينا معا أن نواجه ممارسات التنمر أحادية الجانب من قبل الإدارة الأمريكية". ورد على ذلك سانشيز بالقول إن التوترات في التجارة بين الصين والولايات المتحدة لا يجب أن تؤثر على التعاون مع أوروبا.
بالتزامن، يزور شي جين بينغ خلال أيام ماليزيا وفيتنام وكمبوديا، وهي دول تشارك جميعا الصين في الضرر الذي تلحقه رسوم ترامب الجمركية بها. كذلك يلتقي وزراء ترامب بنظرائهم من جنوب إفريقيا والمملكة العربية السعودية والهند، ليناقشوا تعزيز التعاون التجاري.
كذلك تفيد تقارير بأن الصين والاتحاد الأوروبي يجريان محادثات حول إمكانية إلغاء الرسوم الجمركية الأوروبية على السيارات الكهربائية الصينية، واستبدالها بسعر أدنى، للحد من جولة جديدة من الإغراق.
يعني ذلك، وهو ما يتفق معه الاقتصادي جيفري ساكس، أن الولايات المتحدة تتجه نحو عزلة بعد مواجهة معظم دول العالم بتعريفاتها الجمركية، وبدلا من فرض "قواعدها" على العالم، من واقع هيمنتها على النظام العالمي أحادي القطبية، فإن العالم بصدد التحول إلى عالم متعدد القطبية، ربما سيتمكن أخيرا من فرض "قواعده" على الولايات المتحدة الأمريكية، وعزلها حال لم تتمكن من التعايش مع القوانين الجديدة.
وهذا ما يفسره التصعيد الصيني للرسوم الجمركية على الولايات المتحدة، في الوقت الذي تمثل صادرات الصين إلى الولايات المتحدة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي للصين أقل من 3%.
يعني ذلك أن لدى الصين بدائل للحركة والمناورة، وهي تتحرك على عدد من الجبهات بنشاط وفعالية للالتفاف حول الرسوم الجمركية الأمريكية، في الوقت نفسه، وعلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية، تصرح المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، ردا على سؤال حول ارتفاع توقعات التضخم بشكل حاد (أشار المشاركون في استطلاع للرأي أنهم يستعدون لارتفاع بنسبة 6.7% خلال العام المقبل، وهي أعلى قراءة لتوقعات التضخم في الاستطلاع للعام المقبل منذ عام 1981) بأن "هناك تفاؤل كبير في هذا الاقتصاد. ثقوا في الرئيس ترامب. هو يعرف ما يفعله، وهي صيغة اقتصادية مجرّبة".
من جانبه صرح لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك روك" الاستثمارية العملاقة لشبكة CNBC: "أعتقد أننا قريبون جدا، إن لم نكن فعليا في حالة ركود اقتصادي". مضيفا أن تعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يوما على معظم أنحاء العالم "يعني إطالة أمد حالة عدم اليقين وزيادة حدتها".
وصرح جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك JPMorgan Chase، أكبر بنك في الولايات المتحدة، بأن أكبر اقتصاد في العالم يواجه "اضطرابا كبيرا" مع انخفاض مؤشر رئيسي لثقة المستهلك إلى أدنى مستوى له من جائحة "كوفيد-19"، وهو ثاني أدنى مستوى مسجل على الإطلاق.
وقد انخفضت ثقة المستهلك الأمريكي بنسبة 11% قبل فترة تعليق الرسوم الجمركية التي أعلنها ترامب، وفقا لاستطلاع رأي دوري تجريه جامعة ميشيغان.