افراسيانت - أثار القرار الحكومي بتمكين الليبيين من شراء عقارات في تونس ردود أفعال غاضبة من جانب التونسيين، وخشيتهم من تداعيات هذا القرار على أسعار العقارات في ظل ارتفاع أثمانها منذ سنوات.
يمكِّن القرار الحكومي التونسي الليبيين من شراء عقارات في تونس من دون طلب ترخيص الولاية، شريطة ألا يشمل الإعفاء العقارات المخصصة للزراعة. ويشمل القرار أيضا المغاربة والجزائريين والموريتانيين.
بيد أن أكثر ما يخشاه التونسيون هو أن يقلص هذا القرار من فرص توفير مساكن وعقارات تتواءم مع قدراتهم الشرائية في ظل وضع اقتصادي هش تمر به البلاد منذ سنوات. فيما يرى آخرون هذا القرار الحكومي محاولة لدفع عجلة الاقتصاد المتعثرة، ولا يرون فيه خطرا على السيادة الوطنية.
ووفقا لإحصاءات رسمية، يبلغ عدد الشقق الجاهزة في تونس، التي لا تجد مشترين لها، نحو 400 ألف وحدة؛ ما أربك سوق العقارات ودفع إلى إعلان حالة الطوارئ بعد أن عجز عدة مطورين عقاريين عن سداد قروضهم.
ويقدر خبراء عقاريون ارتفاع أسعار العقارات بتونس خلال السنوات الخمس الماضية بنسب تتراوح بين 20 و30%، ما جعل الحصول على مسكن بالنسبة إلى الطبقات الوسطى أمرا شبه مستحيل.
عقارات الليبيين بوابة جديدة للإرهاب!
وزاد حدة الانتقادات بشأن تملك الليبيين العقارات الخوف من أن تتحول البلاد إلى قاعدة لعمليات إرهابية، خصوصا أن القرار قد تستغله بعض المجموعات الإرهابية القادمة من ليبيا وتستخدم هذه العقارات أوكارا للاختباء والتخطيط لعملياتها.
وأمام موجة التشكيك، استبعد مبروك كورشيد، كاتب الدولة لدى وزيرة المالية المكلف بأملاك الدّولة والشؤون العقارية، في تصريح إعلامي، الأخبار والتعليقات التي تم تداولها مؤخرا، والتي تذهب إلى أن "من شأن تملك الليبيين للعقارات ذات الصبغة السكنية في تونس، تمكين المجموعات الإرهابية والإجرامية من اتخاذ تونس قاعدة لعملياتها، خاصة أمام الانفلات الذي تعيشه ليبيا"؛ لافتا إلى أن "الإرهاب يأتي إلى تونس متسللا، وليس عن طريق العقارات السكنية، التي يتم شراؤها وفق إجراءات قانونية".
وقال كورشيد إن الوزارة انطلقت مؤخرا في تنفيذ خطة وطنية لمقاومة هذه الآفة، التي أصبحت تهدد أمن تونس. ومن مكونات هذه الخطة حصر وتدقيق العقارات المهجورة المتاخمة للجبال، التي يمكن أن تستغل أوكارا للجماعات الإرهابية، وأن تكون ملاذا آمنا لأفرادها، إلى جانب تأمين رقابة مكثفة ودائمة عليها".
القضاء لوقف تنفيذ القرار الحكومي
على الرغم من تطمينات الحكومة لتبديد مخاوف التونسيين من تداعيات هذا القرار على مقدراتهم الشرائية لاقتناء مساكن، فإن ذلك لم يردع الحقوقيين من قرع نواقيس الخطر من تأثير هذا القرار على المواطن التونسي البسيط.
وفي محاولة لمنع تنفيذ القرار بتمليك الليبيين عقارات بتونس، قدمت "فورزا تونس" (جمعية مدنية) شكوى عاجلة إلى المحكمة الإدارية ضد إدارة الملكية العقارية، طالبت فيها بوقف القرار.
وقالت الجمعية في بيان لها إن "هذا القرار سيساهم في رفع أسعار العقارات التي باتت خارج المقدرة الشرائية للشعب التونسي، الذي يعاني من أزمة اقتصادية حادة". وسألت عن "الأسباب الحقيقية التي جعلت الإدارة تتخذ مثل هذا القرار، الذي من شأنه المس بالمصلحة العليا للدولة".
وفي تصريح لـ RT، أكد سهيل بيوض، رئيس جمعية فورزا، أن القرار الحكومي بتمليك الليبيين عقارات في تونس خطر على السيادة الوطنية، لأن مفهوم الدولة في ليبيا اندثر وأصبح ملتقى لشعب مستضعف تحكمه عصابات متناحرة، ولهذا لا يمكن الوثوق في الوثائق الليبية، على حد تعبيره.
وأضاف أن هذا القرار سيهيئ للجماعات الإرهابية، التي تبحث عن دولة بديلة، لتكون تونس قاعدتها الخلفية وملاذا آمنا لترميم صفوفها وتبييض أموالها. وسأل عن أهمية قرار تبلغ دخوله 70 مليار دينار تونسي إزاء السيادة الوطنية، والذي قد يساهم أيضا في إرباك النجاحات الأمنية.
وأكد محدثنا أن القرار أحادي ولم يشارك المجتمع المدني أو الشعب في اتخاذه؛ لافتا إلى أنه يخدم رؤساء أموال متغولين (لوبيات) وليس قرار وطنيا أخذ بعين الاعتبار الوضع الجيواستراتيجي والتركيبة الاجتماعية للبلاد.
وقال إن الجمعية ستدعو إلى استفتاء شعبي بشأن تمليك الليبيين عقارات ومساكن بتونس.
سوق العقارات تنخره الفوضى
وفي حديث إلىRT حول هذه المسألة المثيرة للجدل، أكد الخبير الاقتصادي مراد حطاب أنه لا يمكن الحديث عن سوق عقارات مهيكل في تونس. إذ يوجد 2600 مطور عقاري بينهم 600 ناشط، ونحن إزاء سوق تنخره فوضى عارمة منذ سنوات زادت سنوات الثورة في تشرذمه.
وفي تقديره، إن مخزون المدخرات العقارية التي لم يُبع لا يتجاوز 50 ألفا، وهو من الصنف الراقي ولا يمكن تسويقه بين التونسيين، ما زاد في تخوف المصارف من هذا القطاع، الذي تبلغ نسبة ديونه 11 في المئة، وهي نسبة مقلقة في نظره.
ويرى الخبير أن القرار الحكومي هو "حل ترقيعي" في ظل تعالي أصوات سياسية منادية بتحرير قطاعات أخرى في البلاد؛ مشككا في إقبال الليبيين على شراء العقارات في تونس على خلفية علاقة "الريبة والشك" التي تجمع بين المواطن التونسي والليبي.
ذلك إضافة إلى أن الليبيين يعدون تونس منطقة غير آمنة ويفضلون بعث مشروعاتهم في مناطق أخرى كالمغرب أو مالطا، بحسب تعبيره.
اتفاقيات دولية
هذا، وبحسب اتفاقيات سابقة، يحق لليبيين امتلاك عقارات داخل التراب التونسي، وفق اتفاقية مبرمة في عام 1961 وصُدِّق عليها بالقانون عدد 1 في 1962، المتعلقة بحرية التنقل والتملك لكل من مواطني البلدين.
الليبيون في تونس: بين الإقامة المؤقتة والاستقرار
منذ اندلاع الأزمة الليبية، تزايد عدد الوافدين الليبيين إلى تونس. وتقول وزارة الداخلية التونسية إن أعداد الليبيين في تونس بلغت نحو 2.7 مليون، لكن هذا الرقم يتضارب مع أرقام أخرى أقل بكثير. وبحسب أرقام المعهد الوطني للإحصاء، فإن العدد الإجمالي للمقيمين الليبيين بصفة دائمة لا يتجاوز 9 آلاف شخص، بينما يزور معظم الليبيين تونس لفترات قصيرة لا تتجاوز ثلاثين يوما للعلاج أو للعطلة والسفر نحو وجهات أخرى انطلاقا من المطارات التونسية.
وبحسب خريطة توزع الليبيين في تونس، فإن معظم اللاجئين هم من سكان العاصمة والمدن الكبرى والمراكز الحضرية، أما الأقل ثراء فعادة ما يوجدون في جنوب البلاد.
وفي قمة دول السبع التي احتضنتها برلين في أبريل/نيسان 2015، كشف الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أن الأعباء المالية المترتبة عن توافد الليبيين إلى تونس بلغت 5.7 مليارات دينار تونسي. وعلاوة على الأعباء المالية، بدأ شيء من التململ داخل المجتمع التونسي بسبب الارتفاع الملحوظ للأسعار، وخاصة في قطاع السكن وفي أسعار الإيجار.
وأمام استمرار الصراع وضبابية المشهد السياسي في ليبيا، عرفت العلاقات الرسمية بين البلدين فترات مد وجزر وأزمات عدة. بيد أن ذلك لم يمنع من توافد الليبيين على تونس في انتظار توصل الفرقاء الليبيين إلى حل سياسي ينهي أزمة أوهنت شعبها وأقلقت الجوار.