افراسيانت - تزايدت معاناة المواطنين الليبيين مؤخرا بسبب صعوبة الحصول على السيولة النقدية، نظرا إلى عجز المصارف عن توفير الأموال التي يطلبونها، ما يدفع اقتصاد البلاد إلى حافة الانهيار جراء الشلل التام الذي يضرب كافة القطاعات.
طرابلس – افراسيانت - تلقي أزمة شحّ السيولة النقدية التي تعيشها ليبيا منذ أشهر طويلة، بظلالها على كامل مناحي الحياة في البلاد، إلى درجة أن أصحاب الودائع لا يملكون أموالا في جيوبهم لعجزهم عن سحب الأموال.
ويتدافع المئات من الزبائن أمام البنوك في العاصمة الليبية طرابلس، الذين ينتظرون منذ أسابيع وربما شهور لسحب الأموال في دلالة واضحة على النقص الحاد في السيولة.
ويعاني سكان العاصمة الليبية ومعظم أنحاء البلاد من الشلل الاقتصادي واختفاء معظم السلع الأساسية من الأسواق لانحسار عمليات الاستيراد بسبب نقص السيولة وارتفاع الأسعار نتيجة تراجع الدينار مقابل العملات الأجنبية في السوق السوداء.
وفي أحسن الأحوال، أصبح الانتظار يوميا لساعات طويلة أمام المصارف، أمرا روتينيا بالنسبة إلى عدد كبير من المواطنين المحتاجين لسحب جزء من أموالهم.
وهذا المشهد، الذي صار مألوفا، يشكل علامة صارخة على انزلاق ليبيا إلى انهيار اقتصادي رغم ثروتها النفطية وعدم قدرة الحكومة على إحراز تقدم صوب إنهاء أعوام من الاضطرابات السياسية والصراعات المسلحة.
ويقضي محمد الفيتوري (25 عاما) يوميا مدة ساعتين إلى 3 ساعات أمام المصرف، على أمل الحصول على جزء من راتبه الشهري، أو راتب خالته التي أعطته توكيلا منذ أشهر لاستلامه.
ويقول محمد إن “الناس هنا تعبوا من الانتظار، حسابي فيه رصيد مالي، لكن موظف المصرف يقول لي، عندك في الحساب ألف، أو ألفان أو عشرة آلاف.. لكن للأسف ليس هناك نقود”. وأضاف “أعرف شخصا في حسابه 180 ألف دينار (140.7 ألف دولار) ولا يملك دينارا واحدا في جيبه، ولكن مجرد أرقام لا يمكنه أن يستفيد منها، إنه لا يجد كيف يوفر قوت أولاده اليومي”.
ولا يعطي المصرف أكثر من 200 دينار للفرد الواحد، أيا كان المبلغ الذي يملكه في حسابه، يعني كل هذا الانتظار هو من أجل هذا المبلغ الذي لم يعد يوفر شيئا.
ويعتبر طارق، وهو موظف حكومي في إحدى الوزارات، نفسه محظوظا، حيث يصله راتبه إلى بيته دون الوقوف في الطابور ودون عناء الانتظار.
وقال “شقيقي يعمل في إحدى المصارف وهو من يتكفل بسحب راتبي، لقد انتشرت الواسطة والمحسوبية في القطاع البنكي للحصول على الراتب”.
وتنظر حكومة الوفاق الليبية، إلى أن سببا آخر مرتبط بتفاقم أزمة السيولة في البلاد، هو أن المواطن لم يعد يثق في القطاع المصرفي بغرض إيداع الأموال، ويبقيها لديه تحسبا لأزمة أكبر من هذه الحالية. وتسبب تفاقم أزمة السيولة المالية والصعود السريع لمعدل التضخم في تبديد الآمال في قدرة حكومة الوفاق على إحلال الاستقرار.
وقال الباحث في العلوم السياسية وليد الأطرش إن “أزمة السيولة التي تمر بها ليبيا هي أزمة هيكلية مرتبطة ببنية الاقتصاد الليبي المعتمد أساسا على النفط”.
وأضاف أن “الأزمة لها سببان؛ الأول هو تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وذلك من شأنه أن يقلل من عائدات الخزينة الليبية، التي تعتمد على النفط فقط”.
وأضاف “الأمر الثاني، هو تراجع إنتاج ليبيا للنفط جراء عدم الاستقرار السياسي جرّاء الصراعات، وهو ما سبب تراجعا كبيرا في مداخيل الخزينة من الدولار”.
ولم يجد التجار الليبيون ما يكفي من الدولارات والعملة الصعبة للتجارة واستيراد السلع إلى السوق المحلية الليبية، التي تعتبر سوقا استهلاكية تعتمد على التوريد أساسا.
ورغم كل محاولات الحكومة في استيعاب هذه الأزمة بطرق مختلفة، من قبيل إمكانية الدفع من خلال البطاقات وهو ما يجنب الدفع نقدا، لكن هذا غير مجد فالمشكلة عميقة ومرتبطة أساسا بمداخيل الدولة وبالثقة في المصارف، بحسب الأطرش. وسبق أن قال مصرف الوحدة، أحد أكبر المصارف في ليبيا، إن خزائنه خاوية حتى إشعار آخر.
ويقول البنك الدولي إن إيرادات ليبيا من النفط هبطت إلى مستويات قياسية في وقت سابق من العام، وتعاني البلاد من عجز ضخم، تغطيه من الاحتياطيات الأجنبية التي انخفضت إلى 43 مليار دولار في نهاية 2016، من أكثر من 100 مليار دولار منذ 3 سنوات.
وتسببت القيود الصارمة المتعلقة بالحصول على العملة الصعبة في ولادة سوق غير رسمية مزدهرة للصرف، حيث هبط الدينار مؤخرا إلى مستوى منخفض جديد بلغ نحو 5.25 دنانير مقابل الدولار. وأدّت الضغوط المالية إلى نقص في المنتجات الغذائية المدعمة، وهو ما دفع أسعار الغذاء إلى الصعود بنسبة 31 بالمئة في النصف الأول من هذا العام.
ويقول خبراء إن أزمة السيولة في ليبيا لن تحل من دون تحسن الوضع الأمني والثقة في النظام المصرفي، مؤكدين أن وصول أوراق النقد الجديدة المرسلة من بريطانيا إلى طرابلس ومن روسيا إلى الشرق سيساعد قليلا على تحسن الوضع.
وتملك ليبيا أكبر احتياطات النفط في أفريقيا والمقدرة بنحو 48 مليار برميل، وكانت تنتج 1.5 مليون برميل يوميا في 2011، لكن إنتاجها تراجع كثيرا بسبب الفوضى.