افراسيانت - عمر عبد الستار - في وقت يدور فيه الحديث تارة عن أن العراق بات جزءاً من المنظومة الأمريكية في المنطقة، وأنه بات مرتبطاً بإيران تارة أخرى، فاجأت موسكو الجميع بوفد روسي كبير زار بغداد.
حول الوفد الأنظار والتوقعات إلى اتجاه مختلف تماماً...فنائب رئيس الوزراء الروسي، دميتري روغوزين، بصحبة أكبر وفد روسي منذ سنوات، قدم إلى بغداد.
زيارة الوفد، الذي يتألف من نحو 100 مسؤول حكومي ورجل أعمال، جاءت في إطار مساعي موسكو لتعزيز العلاقات التجارية والأمنية مع العراق، وهو ما يرى فيه البعض احتمالا لتقويض النفوذ الأمريكي في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية.
وقد صرح وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، إثر الزيارة، بأن المناقشات دارت حول سبل تقديم المساعدة العسكرية لهزيمة تنظيم داعش الذي سيطر على ثلث الأراضي العراقية في 2014. وقال الجعفري إن العراق بحاجة إلى دعم دولي من عدة مصادر، سواء كان ذلك في إطار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة أو خارجه.
روغوزين، بدوره شدد على أن روسيا مستعدة لبيع طائرات ركاب من طراز "سوخوي سوبرجيت" للعراق، وللاستمرار في إمداده بالمساعدات العسكرية لمحاربة داعش، مشيراً إلى أمله بأن تساهم تلك المساعدات في تمكين بغداد من استعادة مدينة الموصل في الشمال ومناطق أخرى يسيطر عليها هذا التنظيم الإرهابي.. واقترح روغوزين عقد الاجتماع القادم في الموصل؛ في إشارة منه إلى ثقته بقدرة الحكومة العراقية على تنفيذ تعهدها باستعادة المدينة هذا العام.
الاتفاقيات الموقعة، تجاوزت حدود الأطر الأمنية لتشمل مذكرة تفاهم حول تعزيز إنتاج العراق من الكهرباء، علما بأن روسيا استثمرت في السابق ملايين الدولارات في قطاع الطاقة العراقي.
وقد تباينت رؤى المراقبين بشأن زيارة الوفد الروسي إلى بغداد، خاصة وأنها تزامنت مع مباحثات ميونخ بشأن سبل دفع التسوية السورية قدماً، من جهة، ومع حراك دبلوماسي خليجي كبير باتجاه روسيا من جهة أخرى.. حراك كان آخره زيارة ملك البحرين لموسكو، ستتبعها الشهر المقبل زيارة يقوم بها العاهل السعودي إلى موسكو. ما يرى فيه كثيرون تقاربا بين الدول الخليجية من جانب وروسيا من جانب آخر، وهو ما قد يسهم في حلحلة عدد من الأزمات التي تعصف بالشرق الأوسط حالياً.
ويبقى توقيت وحجم الزيارة الروسية إلى بغداد أمرا ملفتا للاهتمام، خاصةً وأن أغلب الخبراء يرون أن الزيارة جاءت بعد مؤشرات متواترة عن تراجع الدور الإيراني داخل العراق بعد الاتفاق النووي، وفي وقت تقلل واشنطن فيه من قدرة القوات العراقية على استعادة مناطق يسيطر عليه داعش وتتلكأ في دعمه بالأسلحة.. ما يعني أن بغداد قد تكون بحاجة إلى دور روسي فاعل يمكّنها من التحرك بحرية أكبر لتحقيق الأهداف التي تسعى إليها. وهذا أمر وارد، لاسيما وأنه يتزامن مع ضخامة الدور الروسي في سوريا، ما يعني أنه لا يسع المراقب المحايد إلا أن يقول إن موسكو تتحرك لتحقيق توازن جيوسياسي في المنطقة.
ختاما، تبقى روابط موسكو الاقتصادية مع بغداد هدفا من أهداف الزيارة الروسية، وذلك في مرحلة باتت تشهد رسم عراق جديد يتقدم فيه الاقتصاد ويعتدل فيه ميزان القوى الإقليمية والدولية، خاصة وأن البلاد تتهيأ لعودة عصر الدولة التي غابت منذ 2003.