افراسيانت - د. عادل محمد عايش الأسطل - خلال اليومين الفائتين، نشرت وكالات الأنباء خبراً، يُفيد بقيام أجهزة الأمن الفلسطينية، باعتقال أحد مساعدي كبير المفاوضين الفلسطينيين د. "صائب عريقات" الذي بدوره يُعتبر من أكثر المساعدين المقربين لرئيس السلطة الفلسطينية "أبومازن"، للاشتباه بقيامه بنشاطات عمالة وتجسّس لصالح إسرائيل، كانت زرعته داخل البيت التفاوضي الفلسطيني بعناية فائقة، وكان – بحسب مصادر فلسطينية - قد اعترف بالتّهم الموجهة إليه بعد اعتقاله، والتي منها، قيامه بنقل معلومات سرّيّة إلى إسرائيل.
وإذا كان الخبر قد شكل صدمة قاسية، إلاّ أن الصدمة الأكبر، نجمت عن أن الحادثة، تميّزت بامتدادها على مدار أكثر من عقدين من الزمن، أي منذ بداية المسيرة التفاوضية، التي نص عليها اتفاق أوسلو 1993، ولم تُكتشف من قِبل أجهزة الأمن الفلسطينية طوال تلك المدة، بما يعني وجود مشكلتين حادّتين في آنٍ معاً: قصور تلك الأجهزة عن كشف العمالة في أوقات مُبكّرة، والإخفاق بشأن إحراز أي نتيجة في المفاوضات السياسية، سيما وأن المفاوضين الإسرائيليين، كانوا يعلمون كيف يُفكر الفلسطينيون.
هذا الخبر أصبح حقيقة – كونه خبراً على الأقل-، بعد أن تم نفيهُ بداية الأمر من "عريقات" نفسه، خاصةً بعد تأكيده بأن ما تمّ تناقله، هو عارِ عن الصحة، وبأن امرأة هي من تشغل منصب مدير مكتبه وليس رجلاً.
ربما نجد له العذر في نفيه لهذه الحادثة، بسبب أن هذا السلوك هو من الأمور الواردة في علم السياسة، وسواء كان لحساسية الأمر وحرجه، أو لهول الصدمة أيضاً، بسبب أن أعضاء مكتبه على الأغلب، يكونون من اختياره، كما يمكن إعطائه عذراً آخر أيضاً، عندما اعترف بها طواعيةً، وسواء حينما أصبحت أمام عينيه، بأن خطر إخفائها بات واضحاً، بحيث لا يسهل إصلاحه، أو لأن مسألة الاعتراف بها تُمثّل ضرراً أقل، من احتمالات بدت له أكثر من قاسية.
هناك سياسيّين ومُهتمّين، لا تبدو هذه المسألة لديهم صحيحة، بحيث لا تنطبق عليها عبارة (قضية تجسسيّة)، بسبب مسارعة الجهر بها إلى وسائل الإعلام، إذ لم يتم التعامل معها بسرّية، كما هي العادة في مثل هذه القضايا، وعلى أنها ليست كأيّة حادثة تجسسيّة أخرى، كما ولا تبدو صفة جاسوس أو عميل، حقيقية بالمعنى السائد، وهي تلك التي تم إلقائها على الشخص الذي تم اعتقاله، بسبب أن حيازته تلك الصفة، كانت رغماً عنه.
هناك توقعات مهمّة في شأنها، منها ما تصل إلى درجات يقينيّة، من أنها تكمن في نزوفات قويّة داخل حركة فتح نفسها، ومنها ما تُؤكّد بأنها حيكت بفعل كوادر فاعلة- داخل الحركة- ضد شخص "عريقات" تحديداً، رغبةً منها في إحراجه وإظهاره أمام الكل وكأنه مُتعاوناً مع إسرائيل، - برغم وقوفه أكثر من مرّة على أبواب الرئاسة طالباً الاستقالة من منصبه كـ (كبيرٍ المفاوضين الفلسطينيين)- وذلك في ضوء أن هناك قيادات تطمح نحو سدّة الحكم، ترى بأنه يُشكل خطراً أمامهم على منصب الرئاسة مستقبلاً، كونه ينعم بسجلٍ حافلٍ بالمكانة والإرث السياسي، ويحظى بثِقةٍ وترحاب محليٍ ودوليٍ أيضاً.
كما أن منها، ما تقول بأنها – الحادثة- كافية لإعطاء مبررٍ جيّدٍ، لمواجهة الشعور بالإخفاقات الفلسطينية المتتالية، في المفاوضات أمام الجانب الإسرائيلي - كما ورد عن مصادر إسرائيلية-، ويمكن إضافة توقعاً آخر- وهذا مُهم- وهو الذي يأتي للتغطية على "أبومازن" باعتباره السبب الرئيس، في تدهور أوضاع القضية الفلسطينية، ووصولها إلى مآلات مُحزِنة.
سيما وأن الفلسطينيين لم ينالوا بفضل سياسته، على أيّة تقدمات في العملية السياسية، ولم يجنوا أيّة خطوات دولية مهمّة (الأوروبية بخاصة)، وسواء بشأن تقديم مبادرات سلام جيّدة، أو بالنسبة لدفع مسيرة المفاوضات، من خلال ممارسة ضغوط كافية على إسرائيل، باعتبار مساعيها التي أقبلت على تطبيقها، منذ الماضي وإلى الآن، هي مساعٍ هامشية ويمكن ببساطة الالتفاف عليها.
على أي حال، فإن الحادثة ليست هي المهمّة، لكن ما سيترتب عليها لاحقاً هو الأهم، وسواء إذا ما تم إثباتها على أنها قضية تجسّسية بحتة، أم أنها صراعية داخلية محضة، فهناك خشية هائلة، من أن تُسببان خلخلة كبيرة داخل السلطة الفلسطينية وحركة فتح بذاتها، حيث ستكون هناك تمزّقات تفاوضية مُحدقة، ومن العسير ترقيعها في حال استؤنفت المفاوضات، إذا ما كانت تجسّسية، وفي أنها ستفتتح أبواباً مُغلقة أمام تصدعات أخرى أمام قيادات متنافسة داخل الحركة الفتحاوية، بحيث لا يمكن تسويتها بسهولة، إذا ما تبيّنت بأنها صراعيّة.
خانيونس/ فلسطين