افراسيانت - حبيب فوعاني - تغرق القرم في الظلام منذ الـ22 من الشهر الجاري، وذلك بعد تفجير دعامات أبراج خطوط الكهرباء الإسمنتية، التي تُمِدها بالطاقة الكهربائية من أوكرانيا.
في خضم أزمات العالم الملتهبة، تتوارى إلى المشهد الخلفي مشكلة شبه جزيرة القرم التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة، ومساحتها 27 ألف كيلومتر مربع، والتي تغرق في الظلام منذ الـ22 من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وذلك بعد تفجير دعامات أبراج خطوط الكهرباء الإسمنتية، التي تمد شبه الجزيرة الروسية بالطاقة الكهربائية من أوكرانيا.
ومع أن أيا من التنظيمات الأوكرانية لم يعلن مسؤوليته عن التفجير، فإن جميع المسالك إلى دعائم الخط الكهربائي يحاصرها ممثلو تنظيم "القطاع الأيمن" الأوكراني ومناصرو مصطفى جميلوف رئيس مجلس تتار القرم السابق والنائب في البرلمان الأوكراني "الرادا العليا"، الذين دعوا غير مرة إلى قطع الكهرباء عن القرم.
وقد تفاءل سكان شبه الجزيرة الروسية خيرا عندما أكد جميلوف نهار الثلاثاء في (24 11 2015) في كييف أن تزويدهم بالطاقة الكهربائية سيستأنف خلال ثلاثة أو أربعة أيام، وأن إحدى دعائم خطوط الكهرباء الأربع المتضررة سيتم إصلاحها وستعاد إلى العمل، وأن التعليمات الضرورية بهذا الشأن قد أعطاها لمنسق "حصار الطاقة" على القرم لينور إسلاموف.
غير أن جميلوف صرح بعد يومين من ذلك في (26 11 2015) بأن قاطعي الكهرباء عن القرم "لا يرون من الضروري استئناف توريد الطاقة الكهربائية إلى القرم" (موقع "كريم ريالي" الإلكتروني الأوكراني).
وأضاف أن "عليهم (المسؤولين الروس) القيام بخطوات مقابلة، وفي الدرجة الأولى الإفراج عن أختيوم تشيغوز، (الذي ألقي القبض عليه في مطلع العام لضلوعه في تنظيم أعمال شغب في مدينة سيمفيروبل، وتسببه بموت محتجين اثنين في اعتصام نظمه أمام برلمان القرم في مطلع عام 2014)، ولكنهم لا يفعلون شيئا. فلماذا يجب علينا أن نعيد الضوء إلى منازلهم؟" (صحيفة "إ ر بي كا ديلي" الأوكرانية).
وبالفعل ليس في وارد السلطات الروسية الإفراج عن مثيري الشغب. وأعلنت حالة الطوارئ في شبه الجزيرة الروسية للتعامل مع الوضع الجديد، في حين وعد الرئيس فلاديمير بوتين بمد خط كهربائي أول إلى القرم بحلول الـ20 من شهر كانون الأول/ديسمبر، وخط ثان بحلول الصيف المقبل في عام 2016. وذلك لكي لا يستغل جميلوف وأمثاله ارتباط البنية التحتية لشبه الجزيرة الروسية بأوكرانيا، بعد أن "أهداها" الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف إلى سلطات كييف عام 1954، حيث تتلقى أوكرانيا مثلا الفحم من روسيا مقابل الطاقة الكهربائية، التي توردها إلى القرم، حتى بعد انضمامها إلى روسيا في شهر آذار/ مارس من عام 2014 إثر إجراء الاستفتاء، الذي وافقت بموجبه الغالبية الكبرى من السكان، وجلهم ينتمون إلى القومية الروسية، إضافة إلى 262 ألف نسمة من القومية التترية، على العودة إلى الوطن الروسي الأم.
لكن جميلوف تجاهل الاستفتاء، وصرح بأنه في حال "ضم" القرم، فإن روسيا ستشهد اندلاع أعمال عنف إثنية.
ووعد موسكو بتكرار النزاعات الشيشانية الدموية، محذرا من أن القوات الروسية في القرم تجازف باستفزاز الجهاد. (وفق وكالة "ليغا بيزنس إنفورم" الأوكرانية)
ودعا حلف شمال الأطلسي إلى التدخل في القرم "قبل وقوع حرب أهلية تؤدي إلى مجازر وسقوط ألوف القتلى" (وفق وكالة "فرانس برس").
بيد أن أحلام جميلوف لم تتحقق، إذ لم تهرع سفن الناتو لنجدته، ولم تحدث صدامات عرقية في شبه الجزيرة الروسية ولم تعم التظاهرات شوارعها، وهي تعيش حياتها الطبيعية، وتواصل تأقلمها مع وضعها الجديد كأحد الكيانات الروسية.
يجب القول إن علاقات تتار القرم كانت معقدة مع الإمبراطورية الروسية، التي ضمت إليها شبه الجزيرة عام 1783، وكذلك مع الاتحاد السوفياتي بقيادة ستالين، الذي أصدر أمرا بترحيلهم من شبه الجزيرة عام 1944 متهما إياهم بالتعاون مع النازيين في الحرب العالمية الثانية.
لكن السلطات السوفياتية سمحت مع إعلان "البيريسترويكا" لتتار القرم بالعودة إلى شبه الجزيرة في عام 1989، ومنحتهم السلطات الروسية امتيازات كبرى إثر الاستفتاء في عام 2014. وعلى الرغم من ذلك، فإن مصطفى جميلوف "سلطان الظلام" لا يريد التصالح مع الماضي وقبول الواقع الجديد، ويستتر بالعتمة كما اللص محاولا السرقة، ولا يريد العجوز التخلي عن الميزات، التي يمنحها له منصبه كمستشار للرئيس الأوكراني لشؤون تتار القرم، ويضحي لذلك بمصالح أبناء جلدته.
لكن النور لا شك منتصر في المقبل من الأيام، "وكل من لم يقبله بقي تحت سطوة سلطان الظلمة!".