افراسيانت - المنار المقدسية - فيما يتعلق مسؤولون فلسطينيون وعرب بـالشكليات ويركزون على ظاهر الخطوات والتصريحات، تصرف تل أبيب جل اهتمامها إلى المضمون لتستخرج منه عكس ما كان متصورا، ولتقول للعالم العربي إن سفنكم لن تجري وفق مشيئتكم ما دامت الرياح التي تسوقها ليست رياحكم.
بعض العرب والفسلطينيين -إن لم يكن معظم- مأخوذون اليوم بما يسمى “تعليم” منتجات المستوطنات في دول أوروبا، إي وضع علامة على تلك المنتجات تجعل المستهلك يفرق بينها وبين منتجات أخرى منتجة في “إسرائيل” التي قضمت بعض الأراضي الفلسطينية عام 1948، وليس في المستوطنات التي اقتطعتها تل أبيب عام 1967 أو ما بعد، ما يمكّن هذا المستهلك من أن يشاور ضميره ويخيره في شراء تلك المنتجات الآتية من المستوطنات.
يبدو الأمر جديا إذن هذه المرة، لكن تفاصيله تظهره أشبه بنكتة سمجة يراد منها الضحك على ذقون أنصار القضية الفسلطينية في كل أنحاء العالم، وذر الرماد في عيونهم ليس أكثر، وإليكم بعض الوقائع التي جمعتها “وطن”، والتي ستفجر المفاجأة حول حقيقة هذا القرار:
1- بلدان الاتحاد الأوروبي تستورد من منتجات المستوطنات أكثر بـ15 ضعفا من استيرادها للمنتجات الفلسطينية (المصنعة على أرض ما تبقى من أرض فلسطين خارج قبضة الاحتلال)، فإذا كانت أوروبا جدية في محاصرة منتجات المستوطنات فلماذا لاتوقف استيرادها كليا، أو تخفض نسبة استيرادها لتكون 2 أو 3 أضعاف المنتجات الفلسطينية، بدل 15 ضعفا، سؤال لا يريد الاتحاد الأوروبي بسياسته المنافقة أن يجيب عليه، ولايريد لأحد أن يفكر به!
2- يستورد الاتحاد الأوروبي من المستوطنات بحوالي 300 مليون دولار سنويا، علما أن سكان المستوطنات بالكاد يناهزون نصف مليون شخص، فيما يستورد الأوروبيون من منتجات فلسطين بأقل من 20 مليون سنويا، علما أن فلسطين التي في قاموسهم يعيش فيها نحو 4 ملايين نسمة.. وهنا قضية أخرى تكشف الخبث الأوروبي في التعاطي مع المسألة بمنتهى السطحية، ومداواتها بتصريحات فارغة وقرارات جوفاء.
3- كل دول العالم ومنها الاتحاد الأوروبي تعلن على الملأ رفضها للاستيطان، وتصف كل المستوطنات بأنها “غير شرعية”، فما هو سر إصرار الأوروبيين على التعامل مع كيانات غير شرعية، بل وإسباغ الشرعية عليها عبر “تعليم” منتجاتها، وكأن وسم هذه المنتجات يدينها أو يضيرها، فيما الواجب أن يتم مقاطعتها كليا عملا بالقانون الدولي، الذي يرفض التعاطي مع كيانات غير شرعية وغير قانونية.
4- سبق للعديد من المنظمات المهتمة بالقضية الفلسطينية أن رصدت انتهاكات لاتعد، عبر قيام دول ومؤسسات بوسم منتجات مصنعة في المستوطنات على أنها مصنعة في “إسرائيل”، فما الذي يضمن عدم اختراق القانون الجديد الذي ينوي الاتحاد الأوروبي تعميمه على بلدانه، كما تم اختراقه من قبل في بلدان كانت تطبق قرار وسم منتجات المستوطنات منفردة؟!
5- يقول أحد كبار المهتمين الأجانب بالقضية الفسلطينية، وهو فيليس ستاركي، عضو مجلس العموم البريطاني السابق وعضو مجلس أمناء “المساعدات الطبية للفلسطينيين” إن الاتحاد الأوروبي “ينفق سنويا مئات ملايين اليوروات لدعم بناء الدولة الفلسطينية لكنه يقوض كل ذلك بالتجارة مع المستوطنات غير القانونية، وبالتالي يسهم في حيويتها وتوسعها”.
6- في عام 2009 بادرت بريطانيا إلى إصدار توصيات غير ملزمة، تخير التجار في وسم منتجات الضفة الغربية إما بأنها “منتجات مستوطنات إسرائيلية” أو “منتجات فلسطينية”، فما الذي حدث.. إليكم مفاجأة من العيار الثقيل جدا.. لقد أدى وسم المنتجات إلى زيادة حجم التجارة بين إسرائيل وبريطانيا، منذ صدور تلك التوصيات، التي استغتلها تل أبيب وأنصارها أحسن استغلال، فيما كان البعض نائما في العسل ويحلم أن ما قامت به بريطانيا سيقوض تجارتها مع الكيان العبري.
7- مع كل ما سبق، يبقى القرار المقترح تعميمه على دول الاتحاد الأوروبي لوسم منتجات المستوطنات أقرب إلى حبر على ورق، حيث لا أسنان ولا مخالب له، ولن تكون أي دولة تخرقه أو ترفض تطبيقه خاضعة لأي نوع من العقوبات.. فما هو مسوغ قرار كسيح كهذا، سوى ذر الرماد في العيون.
8- وإن كانت هذه حقيقة صادمة، فلا بأس من عرضها حتى يصحو بعض النائمين.. مؤيديو “إسرائيل” في أوروبا أكثر من معارضيها بمرات ومرات، وأغلبية المؤيدين لتل أبيب يبنون مواقفهم على خلفيات ومشتركات دينية، أما المعارضون فيحاربون تل أبيب بسيف الخلاف السياسي، وهو خلاف يمكن لقادة الكيان العبري تلافيه والالتفاف عليه ومناقشته، دون أي قلق أو توجس، مادام التحالف الديني قائما على أشده.. وهكذا فإن وسم منتجات المستوطنات يزيد بشكل أو بآخر من إقبال المتعصبين دينيا لصالح الدولة العبرية، ويزداد تعصبهم وإقبالهم كلما أمعنت هذه الدولة في التأكيد على هويتها العبرية الصافية.. ومن هنا أيضا لاينبغي للفلسطينين والعرب أن ينخدعوا بالحملات الوهمية التي تشنها تل أبيب ضد قرار الوسم، لأنها جزء من إكمال مسلسل تخدير كل معارض للكيان العبري، بشعارات وقرارات لاتسمن ولا تغني من جوع.
9- يقول مبعوث الاتحاد الاوروبي الخاص لإسرائيل، “لارس فابورغ أندرسن” في تصريح صريح واضح إن قرار وسم منتجات المستوطنات ليس له علاقة بما يسمى “مقاطعة إسرائيل”، إنه بالعكس قرار مفيد ينتظر منه أن يحسّن مكانة المنتجات التي تستوردها أوروبا من الكيان العبري.
10- الاتحاد الأوروبي من أكبر داعمي الكيان العبري وشركائه التجاريين، ودول هذا الاتحاد تستقطب 20% من مجمل صادرات “إسرائيل” أي خمس ما يصدره الكيان لجميع أنحاء العالم، ولكن الطامة ليست هنا، الطامة إن عرفنا أن نسبة منتجات المستوطنات من تلك الصادرات لا تجاوز 2%، أي إن الاتحاد الأوروبي يثير غبارا كثيفا حول موضوع يبدو صغيرا جدا وتافها ليغطي على الموضوع الأكبر وهو تجارته المرعبة مع الكيان العبري، والتي أعطاها الشرعية منذ اليوم الأول لولادة هذا الكيان المغتصب.