افراسيانت - د. هاني العقاد - كل المؤشرات كانت توحي بقرب انفجار الشعب الفلسطيني في شكل انتفاضة ثالثة لكن لم يتوقع السياسي والامني ان يفجر الانتفاضة شباب صغار ولدوا بعد اوسلو ,انتفض معهم الشعب الفلسطيني لأنه لم يعد يتحمل مسلسل الظلم الاحتلالي والتمادي في انتهاك الحرمات وسرقة الارض والاستيطان اكثر من ذلك , جاءت عمليات الشبان الفلسطينيين في القدس وتل ابيب والعفولة بقرار وتخطيط فردي , قراراً منهم بالانتفاض لتغير الواقع المرير ودحر الاحتلال و اجبار العالم الانتباه لضرورة حل عادل للصراع الطويل , لم تعتقد الاوساط الامنية الاسرائيلية ان وصول النار للعمق الاسرائيلي يوما من الايام سيكون بهذا الشكل ,ولم يعتقد اي من المستوي السياسي والأمني ان تترك السلطة الفلسطينية الفلسطينيين ينتفضوا ويواجهوا المحتل على كافة محاور التماس, لم تواجه اسرائيل بحنكة سياسية كل هذه الاحداث بل لجأت كعادتها الى مجلس الحرب الكابينيت المصغر الذي اتخذ العديد من الاجراءات القمعية والقرارات التي ادت بالفعل الى ارتفاع وتيرة العمليات الانتقامية وتصاعد المواجهة .
الانتفاضة الحالية اسقطت اخطر نظريات الاحتلال والتي كانت حكومة نتنياهو المتطرفة تعتمدهما كأساس لبناء استراتيجيات التعامل مع الفلسطينيين وبالتالي توظف كل ما تملك من طاقة امنية وعسكرية للتمكن من تطبيق هذه النظريات بشكل دقيق لتتمكن من تنفيذ مخططاتها المتطرفة ,واول هذه النظريات هي نظرية تفكيك الرابط القومي بين الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني الذين منحتهم اسرائيل الجنسية الاسرائيلية وفلسطينيي الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وبالتالي تحييد هذا العامل الذي يربط فلسطيني الداخل المحتل والحاصلين على الجنسية الاسرائيلية قوميا ودينيا مع فلسطيني الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة , الانتفاضة الحالية اسقطت هذه النظرية بمجرد اندلاعها فلم يتأخر هؤلاء الفلسطينيين في الانخراط في صفوف الانتفاضة وتنفيذ عمليات مقاومة تتناسب مع حجم القمع الإسرائيلي وسياسة الاحتلال في الضفة وغزة ومحاولات التهويد وتقسيم المسجد الأقصى , الملاحظ ان اكثر العمليات الموجعة لإسرائيل هي تلك التي نفذها فلسطينيين من المثلث والنقب وهذه العمليات لم يتوقعها المحتل الاسرائيلي , في الجانب الاخر لم يتوقع المحتل الاسرائيلي ان ينظم فلسطيني العام 1948تظاهرت الدعم والمساندة لانتفاضة القدس في المرحلة الحالية , فقد برهنت مظاهرات سخنين التي خرج فيها اكثر من عشرون الف متظاهر يهتفوا للمسجد الأقصى ويتوعدوا الاحتلال الاسرائيلي هذا .
يبدو ان اسرائيل لم تحسب حساب هذا المتغير واعتقدت انها تستطيع تغير الجغرافيا وتغير الانتماء الديني والقومي , لهذا تمادت في سياسة تكريس الاحتلال الى مستوي يهدف علانية الى تدمير كل الحلول العادلة التي تحقق للفلسطينيين حلمهم الابدي في دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية , ما كانت تروجه اسرائيل ان فلسطيني العام 1948 يقبلوا بالعيش كمواطنين إسرائيليين , ومن هنا تحاول عبر هذه الرواية ان تقنع العالم بأن فلسطيني الضفة والقدس وغزة يجب ان يتعايشون مع الاحتلال , لهذا اخذت تنفذ نظريتها وتشرع بتجزئة كل شيء في الصراع وصولا الى تفتيت جبهة الفلسطينيين وتقسيمهم وجعل هذا التقسيم استحقاق سياسي و وضع حواجز نفسية وتاريخية ومادية وجغرافية بينهم ليس في مناطق الضفة الغربية والداخل المحتل بل بين الفلسطينيين في الضفة والقطاع , جاءت الانتفاضة واسقطت كل هذا بل ان الشارع الفلسطيني اصبح كله موحداً في مواجهة المحتل وممارساته. هكذا هي اسرائيل تعتقد خطأ ان مخططاتها هي التي تحقق لها الامن والاستقرار وتعتقد ان الاحتلال العسكري للفلسطينيين واستيطان ارضهم وتهويد مقدساتهم وحرمانهم من حق تقرير المصير دون توفير الامن والاستقرار والمساواة بين الشعبين هو الذي يوفر لإسرائيل كل عناصر البقاء والامن والاستقرار .
وهناك نظريه خطيرة اسقطتها الانتفاضة وهي نظرية التعايش بين الشعبين بعد ان بات واضحا ان الشعب الاسرائيلي تم العبث في فكرة الانساني وتحويلة الى شعب متطرف اقرب الى شعوب القرون الوسطي من قبل حكومات نتنياهو المتعددة على اعتقاد ان هذا الشعب يمكن ان يعيش في دولة تمارس الاحتلال مع شعب يقبل بالعيش مع الاحتلال ويتعايش مع ذلك , لا يمكن ان تنجح نظرية التعايش التي اسست لها إسرائيل وتدعي انها نظرية الحل العادل , الانتفاضة كشفت زيف هذه النظرية واسقطتها , وكشفت ما في نفوس الإسرائيليين من كراهية وعنصرية وحب للدم والقتل والاعدام خارج القانون وبالتالي سقوط هذه النظرية الى الابد , وعليه فان أي مشاريع سلام او مبادرات سلام قادمة لابد وان تأخذ بالحسبان الفصل التام بين الشعبين في دولتين مستقلتين .
لا يمكن ان يعيش الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي دون فواصل او حدود جغرافية تفصل الشعبين وهذا ينطبق على فلسطيني العام 1948المتأصلين في ارضهم التاريخية , ولا يمكن ان يبقي الفلسطينيين والإسرائيليين متجاورين كما هو الحال اليوم في القدس والخليل ولا يمكن باي شكل من الاشكال ان تبقي الكتل الاستيطانية بالضفة الغربية ولا حتي اي سيطرة امنية اسرائيلية على الحدود الشرقية مع الاردن , فإسرائيل اختارت ان تعيش في دولة تلفها الجدران وعليها القبول بذلك , واسرائيل اعتقدت انه بإمكانها فرض نظرية التعايش بالقوة ويمكن لجيشها وادواتها العسكرية وتفوقها الاستراتيجي بالمنطقة ان تجبر الفلسطينيين على القبول بالعيش مع الاحتلال والتعايش مع المستوطنين وعصاباتهم والقبول بمقاسمة المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا والقبول بحلول منقوصة لا تحقق الطموح الوطني في استقلال سياسي ودولة كاملة السيادة والقدس عاصمة ومع سقوط هذه النظريات الاحتلالية بات مؤكدا ان لا نهاية للصراع الا بكامل الحقوق الفلسطينية واولها حق تقرير المصير وحق العودة وحق العيش في امن وسلام واستقرار دون احتلال او وصاية من احد .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.