افراسيانت - جميل السلحوت - منذ وقوع القدس الشّرقيّة تحت الاحتلال الاسرائيلي في حرب حزيران 1967 لم يتوقّف تهويد المدينة دقيقة واحدة، فقبل أن يتوقّف هدير مدافع تلك الحرب العدوانيّة قامت قوّات الاحتلال بهدم حارتي الشّرف والمغاربة المحاذيتين للمسجد الأقصى من الجهة الغربيّة، للوصول إلى حائط البراق ليكون مصلى لليهود، ولبناء حيّ يهوديّ استيطانيّ في المكان بعد هدم 1012 مبنى تاريخيّ بما فيه من مساجد ومدارس وغيرها، وتشريد ساكنيه الفلسطينيّين، وباشرت بعد ذلك بحفريّات استلّت أحشاء المدينة المقدّسة بحثا عن آثار يهوديّة، وشملت هذه الحفريّات أساسات المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى، وثالث الحرمين الشّريفين بعد الكعبة والمسجد النّبويّ، ومعراج خاتم النّبيّين، ومع أنّهم لم يعثروا على شيء يهوديّ يدعم روايتهم حول الهيكل المزعوم إلا أنّهم لم يتوقّفوا عن حفريّاتهم، لكنّ اعتداءاتهم على المسجد الأقصى لم تتوقف حتى تمّ اشعال النّيران فيه بتاريخ 21-8-1969، والتي ألحقت بالمسجد خسائر فادحة ليس أقلّها حرق منبر صلاح الدّين التّاريخيّ. وتواصلت الاعتداءات على المسجد العظيم حتى وصلت إلى تقسيمه زمانيّا في العام 2015 تمهيدا لتقسيمه مكانيّا. ووصل الأمر بنتنياهو أن يخاطب العالم من منبر الجمعية العامة للأمم المتّحدة في 1-10-2015 قائلا: " قبل الاسلام والنّبيّ محمد قام النبي داود جرى بناء الهيكل على هذا الجبل وأعلن القدس عاصمة لدولة اليهود." واعتبر المتطرّفين اليهود الذين يقتحمون المسجد بشكل شبه يومي "حجّاجا إلى جبل الهيكل" و"أضاف بأنّ اسرائيل ملتزمة بالحفاظ على الوضع القائم"وهو بهذا يؤكّد نفيه لوجود المسجد بل يعتبره "جبل الهيكل" الذي يحجّ اليهود إليه. والحفاظ على الوضع القائم يعني أنّه مسموح لليهود اقتحام المسجد الأقصى تحت حراسة الأمن الاسرائيلي متى يشاؤون، في حين يتمّ منع المصلين المسلمين دون الخمسين من دخوله، واعتبار المرابطين المسلمين في المسجد "منظّمة ارهابيّة". وسبق لبلدية الاحتلال أن اعتبرت باحات وساحات المسجد الأقصى حدائق عامّة، وهذا يعني نزع القداسة الاسلاميّة عن المسجد! وتشير كلّ الدّلائل أنّ التقسيم المكانيّ للمسجد الأقصى أو هدمه بالكامل لاقامة الهيكل اليهوديّ هي مسألة وقت فقط، وستنفّذ في موعد أقصاه حتّى العام 2020 بناء على استغلال الوقت المناسب دوليّا.
فما هو الموقف العربيّ والاسلاميّ الرّسميّ ممّا يجري في القدس والمسجد الأقصى؟ وهل لهم موقف؟ وماذا تمثّل القدس لهم؟ وماذا تعرف الشّعوب العربيّة والاسلاميّة عن القدس والمسجد الأقصى؟ وهل يتبنّى الاعلام العربيّ والمناهج الدّراسيّة العربيّة والاسلاميّة قضيّة القدس؟ وإلى متى ستبقى اسرائيل فوق القانون الدّوليّ، وفوق لوائح حقوق الانسان العالميّة؟ وهل يعلم العربان أيّ مدينة أضاعوا بضياع القدس؟
فهل يعلمون أنّ القدس مهد الدّيانات السّماويّة؟ وأنّها نبع الحضارة الانسانيّة عبر التّاريخ؟ ففيها عدا المسجد الأقصى كنيسة القيامة التي تحوي قبر السّيد المسيح –حسب المعتقد المسيحيّ- وفيها عشرات المساجد والتّكايا والزّوايا والكنائس والأديرة والمقابر التاريخيّة لأتباع الدّيانات السّماوية- جرى تجريف مقبرة مأمن الله الاسلاميّة التّاريخيّة- ؟ وهل يعلمون أنّ الحضارة العربيّة الاسلاميّة انطلقت من القدس؟ وهل يعلمون أنّ اليبوسيّين العرب هم من بنوا المدينة قبل ستّة آلاف عام وأسموها"يبوس" واتخذوها عاصمة لمملكتهم؟ وهل يعلمون أنّ قبري الصّحابيّين عبادة بن الصّامت وأوس بن حجر عند باب الرّحمة في رواق المسجد الأقصى؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ اسرائيل تراقب الأوضاع في بلاد العربان، وتختار اللحظة المناسبة لفرض حقائق على الأرض ستجتثّ فيها كلّ ما تبقّى للعرب والمسلمين في المدينة. فما هي ردود الفعل العربيّة والاسلاميّة؟ وهل تتعدّى حدود الاستنكار الخجول والمعيب؟
وما هو موقف المراجع الدّينيّة العربيّة والاسلاميّة من القدس ومن المسجد الأقصى، أم هم مشغولون بفتاوي جهاد النّكاح، وزواج المؤانسة والمسيار والنّصف السّفليّ من المرأة وفقه الضراط، وفوائد شرب بول البعير، واباحة قتل الشّعوب وتدمير الأوطان، واعادة الرّق والسّبايا وغيرها؟
وما هو موقف النّظام العربيّ والاسلاميّ الرسميّ وجامعة الدّول العربيّة ودول المؤتمر الاسلامي ممّا يجري في المسجد الأقصى خاصّة والقدس عامّة؟ ألا يستحق المسجد الأقصى والقدس مؤتمر قمّة؟ أفلا يستحق حملة دبلوماسيّة؟ ألا يستحق طلب اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدّولي لطلب الحماية الدّولية للشعبّ الفلسطينيّ وأراضيه ومقدّسات الأمّة؟ وهل يعلمون أنّ الدّور بعد المسجد الأقصى سيكون على الكعبة والمسجد النبويّ؟
وهل تعلم اسرائيل الرّسميّة ومن يقف وراءها، ومعها الأنظمة العربيّة والاسلاميّة والعالم جميعه أنّ المسّ بالمسجد الأقصى سيفلت الشّعوب العربيّة والاسلاميّة من عقالها، وستبدأ حرب دينيّة ستهدّد السّلم العالميّ، ولن ينجو من نيرانها أحد بمن فيهم مشعلوها؟