افراسيانت - زكريا شاهين - عندما اطلق فولوديمير زيلينسكي مبادرته لعقد مؤتمر "منصة القرم" كان يهدف وضع قضية الجزيرة على الأجندة الدولية بصورة دائمة.
لكن مراقبون يرون أن من أهم الأسباب التي دفع أوكرانيا نحو تنظيم مؤتمر "منصة القرم"، تراجع مواقف عدد من الدول إزاء قضية القرم، بعد أن كانت أساس عقوبات سياسية واقتصادية واسعة فرضت على روسيا.
وبحسب وصف عدد من المسؤولين الاوكرانيين فأن عقد مؤتمر "منصة القرم" الدولي هو الحدث الأعظم في تاريخها حيث يتزامن المؤتمر مع الذكرى الـ30 لاستقلال أوكرانيا في 24 أغسطس/آب، ويهدف بحسب وزارة الخارجية حثّ الدول على عدم الاعتراف بضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا.
ويعتبر وزير الخارجية دميترو كوليبا أن المنصة ستصحح هذا الخطأ، وأن دائرة الدول المشاركة في المنصة ستتسع في المستقبل ولكن ما حدث هو العكس تماما. اذ تراجعت مواقف عدد من الدول إزاء قضية القرم بعد أن كانت أساس عقوبات سياسية واقتصادية واسعة فرضت على روسيا.
ومن أكبر الأمثلة على هذا التراجع، يشير هؤلاء إلى مواقف كل من ألمانيا وفرنسا اللتين تعتبران دولتين رئيسيتين في الاتحاد الأوروبي وفيما يعرف بـ"رباعية نورماندي" للتسوية في شرق أوكرانيا.
وفي تصريح لافت ، يقول المستشار في مكتب الرئاسة الأوكرانية إن "ألمانيا تخلت عن أوكرانيا لصالح روسيا بعد أن صمدت في وجهها 7 سنين".
وأوضح أن "الدول الغربية عموما قلقة من تنامي نفوذ الصين، ولذلك باتت مستعدة للتفاوض مع روسيا"، وبحسب محللين فإن ثمة عوامل عدة لهذا التراجع في المواقف اهمها سعي معسكر الغرب نحو منع أي تحالف عسكري محتمل للصين مع روسيا.
هذه العوامل وغيرها قد تفسر الجدل حول حجم ومستوى المشاركة في "منصة القرم" التي حددتها الخارجية الأوكرانية في حينه بنحو 44 جهة، من بينها رؤساء 9 دول، هي: لاتفيا وليتوانيا وإستونيا وبولندا وسلوفاكيا والمجر ومولدوفا وسلوفينيا وفنلندا.
وبحسب الوزارة، فإن من بين المشاركين: رئيس المجلس الأوروبي، ورؤساء وزراء رومانيا وجورجيا وكرواتيا والسويد، ووزراء خارجية تركيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا والنمسا وهولندا ولوكسمبورغ وأيرلندا والدانمارك وبلغاريا والجبل الأسود والنرويج ومقدونيا الشمالية، ووزراء دفاع المملكة المتحدة والبرتغال، وكذلك مبعوث شخصي للرئيس الأميركي.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي دميترو فورونكوف أن "المؤشر الكمي مشجع، لكن الأهم من ذلك بكثير ليس قائمة البلدان ولكن المستوى الذي سيتم تمثيلها فيه".
وأوضح أنه "حتى الأمس القريب لم تحدد دول رئيسية مستوى ممثليها، مثل تركيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وهذا يدل على أن للقضية حسابات دقيقة، ويفسر إحجام كثير من دول العالم عن المشاركة، لتقتصر في النهاية على جهات داعمة أصلا، معظمها في إطار تكتل الاتحاد الأوروبي، ولا جديد فيها"، على حد رأيه.
ويبدو ان الدول التي سارعت إلى تلبية نداء أوكرانيا هي تلك التي تزعم بان هنالك خطرا عليها من قبل روسيا .
روسيا تعتبر الحديث عن القرم خطا أحمر لا يمكن الاقتراب منه، اذ تقول الخارجية الروسية إن "روسيا ترى إستراتيجية إنهاء احتلال القرم التي أعلنت عنها كييف تهديدا غير مقبول، ومشاركة أي دولة بفعاليات منصة القرم تعتبر تعديا على وحدة الأراضي الروسية".
يصف الوزير سيرغي لافروف المنصة بـ"تجمع الساحرات"، مستخدما مصطلح "شباش" الروسي الساخر الذي يطلق على لقاءات الاحتفالات الليلية للساحرات أو العرافات معتبرا أن "موقف الغرب من القرم معيب ومخجل ويسيء للجزيرة، بعد أن عبر سكان شبه الجزيرة عن إرادتهم".
يؤمن كثيرون أن نداءات المنصة وصرخاتها بلا صدى، على اعتبار أن قضية القرم هي روسية بالدرجة الأولى بعد ان حسم سكان جزيرة القرم، وغالبيتهم من الناطقين بالروسية أمرهم فصوت 95% منهم لصلاح الانضمام إلى الاتحاد الروسي ضمن استفتاء جرى في 16 مارس/آذار.
وفبما اعتبرت سلطات كييف وكذلك الدول الغربية هذا الاستفتاء غير شرعي، بينما أكدت روسيا أن استفتاء القرم عبر بوضوح عن إرادة سكان شبه الجزيرة وأنه لم يخالف القانون الدولي.
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حديث له في نوفمبر/تشرين الثاني أن القوات الروسية قامت بعد تغيير السلطة في كييف بمحاصرة القوات الأوكرانية المنتشرة في القرم بهدف الحيلولة دون إراقة الدماء وللسماح لسكان الإقليم بالتعبير عن موقفهم حول تحديد مستقبلهم.
لاحقا احتل محتجون في شرق أوكرانيا مقرات إدارية ومؤسسات حكومية وأعلنوا عن تأسيس جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين وانتخبوا "محافظين شعبيين".
وأعلنت دونيتسك ولوغانسك الشعبيتان استقلالهما في 12 مايو/أيار وفق نتائج استفتاء عام أجري في شرق أوكرانيا في 11 مايو/أيار.
يقول رئيس المجلس الاجتماعي في القرم، ألكسندر فورمانشوك، إن الحرب النووية ستندلع "على الفور" في حالة بُذلت أي محاولات لإعادة شبه جزيرة القرم للسيطرة الأوكرانية.
وفي مقابلة مع وكالة "نوفوستي"، حذر فورمانشوك من أن "أي محاولة للاستيلاء على شبه جزيرة القرم وإعادتها إلى أوكرانيا ستتصاعد على الفور إلى صراع نووي عالمي، ولن تغفر روسيا ذلك".
وجاءت تصريحات فورمانشوك ردا على ما قاله مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق، ديفيد بتريوس، حول احتمال استعادة شبه جزيرة القرم التي عادت الى روسيل . وقال فورمانشوك إن السيناريوهات التي أوضحها مدير وكالة المخابرات المركزية السابق "تنطوي على الانتحار".
وأضاف أنه يتعين على واشنطن وكييف تذكر رد فعل روسيا على هجوم أكتوبر 2022 على جسر مضيق كيرتش الذي يربط شبه جزيرة القرم بروسيا.
وأضاف: "بعد ذلك الهجوم، بدأت ضربات عالية الدقة على مرافق البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا، شبه جزيرة القرم هي أرض روسيا التي لا يمكن المساس بها، إذا حاولوا إعادتها إلى أوكرانيا، فستكون الولايات المتحدة مسؤولة عن إطلاق العنان لصراع عسكري نووي حراري".
وفي وقت سابق اعتبرت وزارة الخارجية الروسية، أن التصريحات الأوكرانية المتكررة بشأن استعادة السيطرة على شبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو إلى أراضيها عام 2014 "ترويج للوهم".
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في مؤتمر صحفي بالعاصمة موسكو: "كييف تروج أفكارا واهمة عن عزمها على استعادة القرم".
في المحصلة فان اوهام كييف تصطدم بالتغيرات التي نتجت بعد العملية العسكرية الروسية الخاصة حيث تراكم الخسائر الاوكرانية الى حدود الانهيار رغم الضخ المتعاظم من قيل الولايات المتحدة الامريكية ومعها حلف الناتو , حيث يمكن لاي متابع للاحداث ان يرى بوضوح ان الغرب ورغم انه يدفع الحرب حتى اخر اوكراني فانه يعرف ان الوضع في المواجهة مع روسيا امر ميؤوس منه وانه اجلا ام عاجلا سوف يدفع بنفسه اوكرانيا للبحث عن خروج من المازق الذي وضعها فيه ولو كان ذلك على حساب الخلاص من زيلينسكي ولعل التاريخ الامريكي حافل بالامثلة الكثيرة عن التخلي الامريكي عن حلفائه في لحظة الحاجة اليها .
إن إعلان الاستقلال لجمهورية القرم في مارس 2014 وانضمامها إلى روسيا الاتحادية يمثل عن حق سكان القرم المشروع في تقرير مصيرهم في ظروف الانقلاب العنفي الذي وقع في أوكرانيا وخلفه تسلط القوى القومية الراديكالية التي لم تتنصل من الأعمال الإرهابية وترويع كل من الخصوم السياسيين والمواطنين على حد سواء في مناطق البلاد بأكملها.
في هذه الظروف وبناء على نتائج الاستفتاء العام المؤرخ في 16 مارس 2014 اتخذ المجلس الأعلى لجمهورية القرم قرار إعلان القرم دولة سيادية ومستقلة وهي جمهورية القرم. وأبرمت جمهورية القرم معاهدة دولية مع روسيا الاتحادية في 18 مارس من نفس العام بشأن انضمامها.
وقد أثبت الواقع صحة قرار سكان القرم بشان الانضمام إلى روسيا. إن قانونية وصلاحية الحق في تقرير مصيرهم واضحة وبالأخص في ضوء النزاع العسكري الدموي في منطقة دونباس (شرق أوكرانيا). ليس من الصعب التصور إلى ما كان يمكن أن يؤدي تجسيد الوقائع السياسية الأوكرانية في القرم لو كانت شبه الجزيرة تحت السيطرة الأوكرانية. وانظروا الى النتائج البائسة لعشرين سنة عندما كانت القرم جزءا من أوكرانيا!
ولا يزال ضمان التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة في القرم في مقدمة الأولويات غير المشروطة. وابتداء من عام 2015 وحتى عام 2022 تم تنفيذ البرنامج الفيدرالي الخاص تحت عنوان "التنمية الاجتماعية والاقتصادية في جمهورية القرم ومدينة سيفاستوبول" الذي بلغت تكلفته اكثر من 13,2 مليار دولار.
وقد هدف هذا البرنامج الى معالجة الاختلالات في التنمية الاقتصادية الاقليمية ووصول مستوى معيشة السكان والتنمية الاقتصادية في القرم الى المعايير الروسية العامة وتهيئة البيئة المواتية لتوفير النمو الاقتصادي المستدام لشبه الجزيرة ولاستخدام الفعال لقدرته السياحية.
وتم تطوير 49 مشروعا وطنيا في هذه الجمهورية وتبلغ قيمة تمويلها الى 1،1 مليار دولار. وتعمل في القرم المنطقة الاقتصادية الحرة التي يصل حجم الاستثمارات فيها الى حوالي 1،8 مليار دولار والتي ستوفر بدورها 53 الف فرص عمل جديدة.
ولا يزال رفع مستوى معيشة سكان القرم مهما رئيسيا للتنمية الاقتصادية الاجتماعية. حيث تم تخصيص حوالي 60% من دخل ميزانية الجمهورية لتمويل المشاريع الاجتماعية في مجالات الصحة والتعليم والثقافة. وانه منذ انضمام شبه الجزيرة الى روسيا زادت رواتب السكان في القطاع العام وكما ارتفعت المعاشات التقاعدية ومبالغ المعاونة المالية الى ضعفين او ضعفين ونصف واقتربت الى المستوى الوطني المتوسط. وقد اصبحت السوق الاستهلاكية في القرم مشبعة بالمنتجات الغذائية التي ثلثها المصنع محليا.
كما زاد الانتاج الصناعي منذ عام 2015 في القرم مرتين وفي مدينة سيفاستوبول مرتين ونصف.ويستمر الاتجاه نحو زيادة معدل نمو الانتاج الصناعي وكما تم تحديث بعض المنشآت الحيوية. وزادت في الوقت ذاته نسبة الصناعة في الناتج الاجمالي الاقليمي من 10% الى 18% وازداد هذا الناتج اكثر من مرتين. وازداد حجم الطلبات الصناعية تقريبا الى مرتين بالمقارنة مع عام 2014.
وتستمر عملية بناء البنية التحتية الجديدة واعادة بناء وتطوير الهياكل الاساسية القديمة وبما في ذلك تم بناء الجسر عبر مضيق كيرش ويتم تمهيد الطريق السريع "تافريدا" الذي سيربط جسر كيرتش بمدينة سيفاستوبول وسيربط شبه جزيرة القرم مع غربها.
وتشهد شبه جزيرة القرم تغيرات ايجابية في المجال الاقتصادي الاجتماعي على خلفية العقوبات الحالية المفروضة عليها من قبل الدول الغربية بالاضافة الى الاعمال الاستفزازة الأوكرانية المستمرة وقطع كييف الخطوط الجوية والبحرية والبريدية والسكك الحديدية مع شبه الجزيرة.
وبالرغم من كافة الصعوبات الموضوعية أنجزت السلطات الفيدرالية والمحلية الكثير من اجل ضمان الحياة الكريمة لسكان القرم والتطوير الكامل لشبه الجزيرة كجزء من روسيا. ولا يزال هناك الكثير مما ينبغي عمله.
وتعمل روسيا في السنوات الأخيرة بصورة موضوعية وواسعة النطاق من أجل مراعاة وتنفيذ المصالح الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية وغيرها من مصالح الأقليات التي تعيش في القرم ومنها الشعوب الأرمينية والبلغارية واليونانية وتتار القرم والايطالية والألمانية. وان المراقبين غير المتحيزين يشاهدون بوضوح أن السلطات الروسية تبذل جهودا كبيرة فيما يخص بتعزيز السلام والوئام بين الاثنيات في جمهورية القرم. وكنتيجة لهذه السياسة أنه لايشعر اكثر من %90 من سكان القرم في حياتهم اليومية بأي نزاعات عرقية جدية وفقا لاستطلاعات الرأي.
وقد أظهرت السنوات الاخيرة بصورة واضحة أنه رغم كل الصعوبات لا يزال هناك الاهتمام الدائم لتطوير التعامل مع شبه جزيرة القرم من قبل ممثلو البرلمانات الاجنبية ورجال الاعمال والدوائر الاجتماعية والسياسية والثقافية والرياضية والاعلامية الاجنبية. ويزور القرم حوالي 100 وفد سنويا. كما يتم اجراء العديد من الاحداث الدولية بصفة منتظمة في القرم.