نتنياهو يشكل خطرا على الإسرائيليين.. كيف ومتى يشعر نتنياهو بالخطر ؟

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - في مقال نقدي لاذع ترسم الكاتبة الإسرائيلية ميراف باتيتو في مقالها بصحيفة يديعوت أحرونوت صورة نرجسية لشخصية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء جلسة المحاكمة التي أجريت له في القدس، متحدثة عن مجموعة من السمات والسلوكيات التي ترسم ملامح قائد يشكل خطرا على الإسرائيليين ونظام الحكم.


واستدعت باتيتو كل مخزونات النقد والإدانة لوصف الكيفية التي تصرف بها نتنياهو في قاعة المحكمة، والتي يفترض أن تشكل مرحلة جديدة من الاستجواب المباشر الشخصي (الاستجواب المضاد) الذي يستخدم لدفع المتهم إلى الانهيار والاعتراف بالتهم الموجهة إليه في المحكمة.


وتقول الكاتبة الإسرائيلية "لم يكن نتنياهو رجل دولة يواجه تهما جنائية تتعلق بالفساد والرشوة وخيانة الأمانة، بل بدا كما لو أنه استدعى من مخزون مهاراته السياسية أسوأ أدوات التلاعب بالوعي: من التهكم والسخرية إلى الإنكار والمظلومية، وصولا إلى الترويج لواقع بديل يتنكر للحقائق".


ويثير المقال تساؤلات حقيقية بشأن مدى انفصال نتنياهو عن الواقع الوطني الإسرائيلي الذي يشهد منذ 606 أيام حربا دامية في غزة واحتجاجات داخلية متصاعدة وتراجعات إستراتيجية. 
10 سمات خطيرة


وبحسب باتيتو، فإن جلسة الاستجواب بدت كعرض افتتاحي لسيرك سياسي يقوده نتنياهو نفسه، حيث لجأ إلى ما يشبه "ألعاب الخفة" الكلامية بدلا من مواجهة دخان الحرب الكثيف في غزة، وفي وقت تنشغل فيه إسرائيل بجنازات قتلاها وبصفقات تبادل رهائن متعثرة لم يتردد نتنياهو في استخدام الفكاهة الرخيصة، بل ذهب إلى حد السخرية من دمية سارة زوجته، وسط ضحك في القاعة بدا منبتًّا عن الحداد الشعبي في الخارج.


واستعرضت الكاتبة 10 علامات قالت إنها تكشف عن جوهر القائد الذي يتحول إلى تهديد لإسرائيل والإسرائيليين مستندة إلى أداء نتنياهو خلال جلسة المحكمة:


•    تصفية الحسابات من منصة الاستجواب:
استخدم نتنياهو المنبر القضائي للرد على منتقديه، فهاجم المحققين والصحفيين وحتى معلقين سياسيين مثل أمنون أبراموفيتش، لأنه قال في تعليق له على نتنياهو إنه لن يكون حتى على الهامش في تاريخ إسرائيل.


•    التلاعب بالألفاظ والتهرب من الإجابات الواضحة:
حين سئل إن كان يقول الحقيقة أجاب "قلت الحقيقة، هذا لا يعني أنني لم أكن مخطئا أحيانا"، ثم تهرّب من اتهامات الكذب بالقول "قلت ما أتذكره"، مما يوحي برغبة متعمدة في خلط الأوراق، وحتى عندما نظر المدعي العام في إمكانية وجود مشاكل في الذاكرة طمس نتنياهو ذلك "كل شخص لديه مشاكل من وقت إلى آخر".


•    ادعاء المظلومية:
لم يتردد في اتهام المحكمة بالاضطهاد قائلا "هذا اضطهاد، لم أعطِ أحدا شيئا"، وعاد لاحقا إلى مهاجمة الإعلام واعتبار التهم "سخيفة" و"مصنوعة من لا شيء".


•    الإنكار التام:
أصر على براءته قائلا "لم أكن خائفا من شيء، لم أرتكب أي جريمة"، منكرا صلته بالقرارات التي تخضع للمساءلة القضائية.


•    التقليل من القضايا الخطيرة:
سخر من قضية التورط المحتمل له في صفقة الغواصات مع ألمانيا التي شابها فساد ورشاوى، قائلا "ما هي غواصة بيبي؟"، ووصف استدعاءه للتحقيق بأنه "مزحة"، وأشار إلى أنه اضطر لتأجيل مكالمة مع وزير الخارجية الأميركي لأجل الاستعداد للمحكمة، وعندما سئل عن معاملة الشرطة له خلال التحقيقات قارن نتنياهو نفسه مازحا بالرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، وقال "ليست لدي قدرات الأسد الأب، 7 ساعات بدون أي شيء، 7 ساعات دون الذهاب إلى الحمّام"، وذلك في تلميح إلى استخدام الأسد "دبلوماسية المثانة" مع محاوريه السياسيين عندما كان في الحكم.


•    فرض واقع مطلق:
تمسك نتنياهو برؤيته الفردية للحقيقة قائلا للمدعي العام "ما تقوله غير صحيح، وما أقوله هو حقيقة خالصة"، نافيا وجود أي احتمال للخطأ أو الالتباس.


•    تمجيد الذات:
دافع عن سياساته الاقتصادية قائلا "رغم أنني طورت الاقتصاد وجعلت الناس أثرياء لم أساعد الأغنياء ولا كنت على اتصال بهم، هذا سخيف".


•    اللجوء للسخرية لصرف الأنظار:
حين سئل عن علاقته مع أرنون ميلتشان (رجل الأعمال الذي اتهم نتنياهو بأنه تلقى رشاوى منه) أجاب "لأنني أحببته، لم يكن سياسيا، أحيانا تلتقي بأناس لأنك تحبهم، وليس لأسباب سياسية".


•    تناقض المزاج الشخصي مع الواقع الوطني:
لم يظهر أي توافق مع الحزن العام في إسرائيل، بل بدا مستمتعا بالعرض، وسط ضحكات حول موضوعات شخصية، في وقت كانت فيه 3 جنازات لجنود إسرائيليين قتلوا في معارك غزة تشيّع.


•    غياب الإحساس بالمسؤولية الجماعية:
تمكن نتنياهو عبر التهرب الطويل من المساءلة عن حرب غزة وهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول من ترسيخ شعور زائف بانتصار على "الدولة العميقة" كما يصفها، دون أن يتحمل المسؤولية السياسية أو الأخلاقية.


أزمة أخلاقية


وتستنتج الكاتبة الإسرائيلية من هذه الصفات أن نتنياهو لم يعد يخاطب الشعب باعتباره مسؤولا سياسيا، بل كمُدّعٍ يعيد تشكيل الرواية، فبعد أكثر من عام ونصف على الحرب وتراجع شعبيته في استطلاعات الرأي لا يزال يروّج لنفسه كـ"منقذ" و"ضحية"، متجاهلا تماما الأصوات التي تطالب بإقالته وتشكيل لجنة تحقيق رسمية. 


وتضيف باتيتو أن التأجيل المستمر للمساءلة والمظلة السياسية التي تفرضها أحزاب اليمين الحليف قد وفرا لنتنياهو شعورا بالحصانة، كما أن الانقسامات الداخلية والخطاب التحريضي غذيا خياله القائل إن "الشعب معه".


ووفق ما ترى الكاتبة، ففي جوهر هذه العلامات تكمن أزمة سياسية وأخلاقية تتجاوز شخص نتنياهو، فهي لا تشير فقط إلى خطورة فرد على النظام، بل إلى قابلية المجتمع الإسرائيلي لتقبّل زعيم يرفض الاعتراف بالحقائق، ويصوغ واقعا بديلا ويستثمر في الانقسام.


نتنياهو وايران


هذه حرب مضى على ملامحها ثلاثون عامًا، فمنذ تسعينيات القرن الماضي، لم يكف بنيامين نتنياهو عن التحذير من خطر امتلاك إيران قنبلة نووية، معتبرًا أنها التهديد الوجودي الحقيقي لإسرائيل، وأن الوسيلة الوحيدة لمنعه هي القوة العسكرية، وعلى مدار سنوات حكمه، كانت فكرة توجيه ضربة شاملة إلى المنشآت النووية الإيرانية حاضرة دومًا، تُدرَس وتُناقَش وتُخطَّط. وفي الساعات الأولى من صباح الجمعة، نفّذت إسرائيل أخيرًا تلك الضربة.


قد يشعر نتنياهو بالرضا عن النتائج الأولية، لا سيما مع اغتيال قادة عسكريين بارزين وعلماء في المجال النووي الإيراني، غير أن العواقب بعيدة المدى قد تكون عكس ما يأمل، إذ لربما عجّل بهذا الهجوم من تحقق الخطر الذي طالما سعى لتجنّبه.


من السهل فهم دوافعه، فخطابه الأخير أعاد استحضار أكثر اللحظات ظلمة في تاريخ اليهود، ليؤكد أن إسرائيل لن تسمح لنفسها أبدًا بأن تكون فريسة لـ«هولوكوست نووي» ,


ومن العوامل التي ربما أثارت قلقه بشدة الاجتماع المرتقب في سلطنة عمان بين مبعوث ترامب الخاص ونظيره الإيراني، وهو اللقاء السادس بينهما، هل خشي نتنياهو أن يسفر هذا الحوار عن صفقة مشابهة لاتفاق أوباما النووي، تُتيح لإيران تخصيب اليورانيوم في ظل رضا أمريكي ورفض إسرائيلي؟ سبق أن أقنع نتنياهو ترامب عام 2018 بتمزيق ذلك الاتفاق، لكن تكرار السيناريو ذاته بتوقيع ترامب هذه المرة كان أمرًا لا يمكن السماح به.


وفقًا لهذا التحليل، فإن إسرائيل تمردت على رغبة حليفها الأكبر. فقد سارع وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، إلى التوضيح بأن الهجوم كان «أحاديًا» وأن واشنطن «ليست طرفًا فيه». بل إن ترامب نفسه، قبل بدء الضربة بساعات، قال: «أفضّل تجنب الصراع»، مؤكدًا أن المفاوضات مع إيران كانت قريبة من النجاح، لكنه أضاف لاحقًا، في تصريحات توحي بالتناقض: «ربما يفيدهم هذا الهجوم ويدفعهم للتفاوض بجدية أكبر».


وعندما بدأت الغارات، أثنى ترامب عليها وصرح: «لقد أتيحت لهم الفرصة، لكنهم لم يغتنموها، والآن تلقّوا ضربة موجعة... وهناك المزيد في الطريق». وربما كانت تلك طريقته في حفظ ماء الوجه، إذ يبدو أنه يفضّل نسب الفضل لنفسه بدلاً من الاعتراف بأن إسرائيل خالفت توجهاته.


لكن السؤال الجوهري يبقى: هل ما فعله نتنياهو كان حكيمًا؟ البعض يعتقد أن إسرائيل أخطأت التقدير، وأن بعض الدول العربية التي تعاونت معها سرًا ضد إيران لن تكرّر ذلك هذه المرة. 


من جهة أخرى، هناك من يرى أن الضربة -رغم دقتها وشراستها- لن تنجح في وقف مشروع إيران النووي. فموقع نطنز، رغم استهدافه، يحوي منشآت مدفونة عميقًا يصعب تدميرها، وكذلك موقع فوردو المحصّن داخل جبل، ولا يمكن الوصول إليه إلا بقنابل خارقة للأعماق، والتي قد لا تكون فعالة حتى لو استخدمت.


لكن الأخطر من ذلك هو الأثر النفسي والسياسي، فالهجوم قد يعزز قناعة المتشددين في طهران بالحاجة الماسة إلى امتلاك سلاح نووي، على غرار ما فعلته كوريا الشمالية. فقد تخلت ليبيا عن برنامجها النووي، ثم انتهى الأمر بقائدها مقتولًا، وتنازلت أوكرانيا عن ترسانتها، فتعرضت لاحقًا للغزو، أما بيونج يانج، فاحتفظت بقنابلها، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منها.


ويبدو أن هذه القناعة بدأت تتبلور، إذ قالت الحكومة الإيرانية الجمعة: «العالم صار يدرك الآن مشروعية تمسكنا بالتخصيب والتقنية النووية والقدرات الصاروخية». هذا التصريح يوحي بإصرار مضاعف.


وحتى إن لم تنجح إيران في حيازة القنبلة، فإن الرسالة وصلت إلى دول الجوار، فالسعودية وتركيا، وإن لم تسعيا فورًا لبرامج نووية خشية الاستهداف، إلا أنهما لن تقبلا أن تكونا نسخة من ليبيا أو أوكرانيا، وقد تفكران في اتباع نهج كوريا الشمالية. هكذا يصبح السلاح النووي أكثر إغراءً، وتصبح منطقة الشرق الأوسط، التي تعاني أصلًا من التوتر، أكثر اشتعالًا.


صحيح أن نتنياهو قد يخوض الانتخابات المقبلة باعتباره الزعيم الذي ألحق هزيمة رمزية بألدّ أعداء إسرائيل. وسيجد في ذلك ورقة انتخابية رابحة. لكن الثمن قد يكون اقتراب الكابوس النووي من حدود إسرائيل. وهذا ما يشعر نتنياهو بالخطر 


سبق وان نشر رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تغريدة على منصة إكس (تويتر سابقا) حمَّل فيها قادة أجهزة الاستخبارات مسؤولية الفشل الذي حصل في 7 أكتوبر/تشرين الأول بعد عملية "طوفان الأقصى". أدت التغريدة إلى هجوم حاد على نتنياهو من داخل حكومته وخارجها، حيث بدا الأمر فقط وكأنه يحاول أن يتملص من أي مسؤولية عن الأمر في وقت حرج، لكن نتنياهو اضطر في النهاية إلى حذف التغريدة والاعتذار.


 عدم الاتزان هذا الذي لاحظناه في مختلف تصريحات نتنياهو عقب عملية طوفان الأقصى يحيلنا بدوره إلى سؤال مهم يكشف جانبا من شخصيته: ما الذي نعرفه عن شخصية بنيامين نتنياهو؟ في دراسة أجراها أستاذ علم النفس بجامعة تل أبيب شاؤول قمخي تحاول أن تتقصى السمات الشخصية لبنيامين نتنياهو. تعتمد هذه الدراسة على تحليل السلوك الذي أُبلغ عنه علنا؛ مثل الكتب المكتوبة من قِبَل بنيامين نتنياهو نفسه، والأخبار والتصريحات التي تتعلق به التي نُشرت في الصحف الإسرائيلية، بما في ذلك المقابلات التي أجراها مع الصحف والتلفزيون. تستخدم هذه الطريقة مقاييس الأفكار والمشاعر والأفعال التي لديها الاستمرارية مع مرور الوقت، وقد خرجت الدراسة ببعض الملامح عن شخصية نتنياهو نعرضها تباعا.


 الالتفاف حول الذات

 
بحسب الورقة البحثية، فإن نتنياهو قد أحرز درجة مرتفعة في نقطة الالتفاف حول الذات، حيث يُعَدُّ النجاح الشخصي أكثر أهمية بالنسبة إليه من الأيديولوجيا التي يقول إنه يسعى إلى تحقيقها، بل ولا يتردد في استغلال الآخرين، بما في ذلك زملاؤه، من أجل تحقيق النجاح الشخصي، وفي هذا السياق فإنه يعتبر نفسه أكثر فهما للأمور من الآخرين، وبالتالي فإنه يرى مَن لا يتفقون معه على أنهم لا يفهمون السياقات التاريخية أو السياسية فهما صحيحا، وتنقل الدراسة تدليلا على ذلك عدة مشاهد، منها شهادة صحفي أجرى مقابلة معه، ادعى نتنياهو خلالها إنه يميز العمليات التاريخية التي لا يميزها الآخرون.


وفي هذا السياق، فإن موقفه تجاه الأشخاص الذين يعملون معه عن كثب يُظهر بوضوح تمركزه حول ذاته، بل إن بعض السلوكيات تكشف عن انشغال بالذات لدرجة أن الآخرين لا يتلقون أي اعتبار، وتتجلى هذه السمة في تعامل نتنياهو مع زملائه من السياسيين، حيث يواجه الرجل مشكلة في فهم وتقدير أي وجهة نظر أخرى تخالف وجهة نظره. ودليلا على ذلك، تلاحظ الدراسة أن نتنياهو لم يقدم في كتبه أي أمثلة على محاولات لفهم أو تقديم وجهات نظر أخرى غير تلك التي تعبّر عن وجهة نظره، ويظهر ذلك أيضا بوضوح في خطبه.


في هذا النوع من الشخصيات، التي تكون مُنكبَّة على عالمها الخاص، يكون من الصعب التمييز بين الأبعاد الشخصية أو السياسية في حياته، لأن كل شيء يدور حولها في نهاية المطاف، وتعرض الدراسة مثالا أنه في اجتماع مع أعضاء كبار في حزب الليكود بعد قضية بار-أون (وهي فضيحة إدارية داخلية في إسرائيل) علق بجُمل تعبر فقط عن ذاته مثل "أنا أتلقى الكثير من الدعم من جميع أنحاء الوطن"، و"يقولون لي كون قويا وثابتا" و"نحن معك"، و"لأن هذا ما يعتمد عليه نجاح الشعب اليهودي".


 الرغبة في السيطرة

 
تشير الدراسة إلى أن نتنياهو يحقق درجات عالية في مقياس الطموح والإصرار، وتقول إنهما أبرز سمتين في شخصيته، وهذه المقاييس لا تشير إلى أخلاقية الفعل كما سنرى فيما يلي من سطور. فكما تشير الدراسة، فإن هذا يعني سعيه المستمر للوصول إلى القمة مهما كان الثمن والتنازلات والتجاوزات التي يمكن أن يقدمها للوصول إلى هدفه وإزاحة المنافسين له، وهو ما قد يفسر استمراره لأطول فترة في رئاسة وزراء دولة الاحتلال، كما أننا يمكن ملاحظة ذلك في تحالفه مع اليمين المتطرف الذي كان حتى الأمس القريب من أشد أعداء إسرائيل بعد قتلهم لرئيس الوزراء السابق إسحاق رابين، لكن نتنياهو اتجه نحو هذا التحالف في مسعاه للبقاء في السلطة حتى لو أضر ذلك بالمسار "الديمقراطي" كما يصف كاتب إسرائيلي معارض لنتنياهو. وفي هذا السياق فإنه لا يفتأ أن يحدد أهدافا كبيرة قد لا تكون واقعية ولا يرضى بالنجاحات الجزئية خاصةً إذا ما كانت تهدد منصبه، ولا يتخلى أبدا عن أهدافه.


 وترى الدراسة أن نتنياهو يتصف عادة بـ "البرود العصبي" في التعامل مع المشكلات مهما كانت كبيرة، فمن غير المرجح أن يقوم بالتفكير العرضي، كما أنه يضع خيارات بديلة لكل خططه، لكنه يواجه مشكلة في التوتر غير المتوقع، فهو في هذه الحالة لا يشعر بالسيطرة على ذاته ومحيطه. أما في حال التوتر المفاجئ، تسيطر على هذا النوع من الشخصيات مشاعر خفيّة من عدم الأمان والعار والإهانة والخوف من أن ينكشف أمره بوصفه شخصا فاشلا حتى لو لم يكن كذلك، وبالتالي يتفاعل بطريقة مرعوبة ومرتبكة، وفي مثل هذه الحالات فهو على استعداد للوعد بأي شيء وتوقيع أي وثيقة خاصة عندما يتعرض للابتزاز. على سبيل المثال، أفاد تقرير المحلل العسكري أمير أورن بأن نتنياهو كان مذعورا للغاية من اعتقال جاسوسين من الموساد في عمان، وقدَّم مقابلهما ثمنا باهظا كان يمكن أن يكون أقل لولا ارتباكه.


 التلاعب أسلوب حياة

 
وعلى الجانب الآخر، فإن نتنياهو يبدو شخصا متلاعبا، وهو بحسب الدراسة لا يرى في هذا التلاعب أي سمة غير أخلاقية، بل يرى لعبة السياسة محكومة بـ"قوانين الغابة"، حيث يبقى الأقوياء ويسقط الضعفاء، وبالتالي فإن تحقيق الهدف يبرر أي وسيلة وبأي تكلفة، وتستدل الدراسة بأنه عندما كان يُشكِّل حكومته أشار أعضاء في حزب الليكود إلى أنه كان يسحق الأشخاص الذين يُشكِّلون تهديدا له، بل وكان يهجم بشكل مسبق على أي شخص يُدرك أنه منافس محتمل، ويقوم بتقليص وتصغير الحلفاء الذين قد يُمثِّلون تهديدا له، ويقوم بتشكيل وكسر التحالفات بناء على ذلك، لأن حليف اليوم هو منافس الغد.


ولذلك تميل علاقات نتنياهو إلى أن تكون ذات طابع عملي، فهو شخص ليس جيدا في التعامل الاجتماعي، ولديه قدر محدود من القدرة على التعاطف، وبالتالي فمعظم الأشخاص الذين يرتبط بهم اجتماعيا هم أولئك الذين يحتاج إليهم أو الذين يساعدونه، وعندما يصبح هؤلاء الأشخاص غير مفيدين له فإنه يُنهي العلاقة معهم.

 غياب المصداقية

 
وتُصوِّر شهادة الآخرين عن نتنياهو أنه شخص يقدم وعودا لا يفي بها، وبالتالي فإنه يُعَدُّ غير جدير بالثقة، وتستدل الدراسة على ذلك بمواقف عدة، مثل أن بيل كلينتون ومستشاريه كانوا غاضبين بسبب عدم تنفيذ نتنياهو للوعود التي ادعوا أنه قد قدمها خلال زياراته إلى واشنطن.


يتفق ذلك مع ما سبق في نقطة قوانين الغابة، فالرجل يمتلك موقفا يعتبر الغدر معيارا متفقا عليه ومقبولا في السياسة، بل ترى بعض الآراء أن نتنياهو كان مدخلا لجعل "المكايدة" شكلا مقبولا للخداع بين بعض السياسيين بحسب الدراسة، ينبع ذلك من اقتناعه بأنه في السياسة يمكن قبول أي وسيلة طالما تحقق الهدف، وبالتالي فعندما يقول أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين، وعندما يكذب بملء فيه، فإنه لا يواجه أي صعوبة نفسية أو الشعور بالذنب.


 ويجري هذا الموقف على تعامله مع الإعلام، فالرجل لديه قدرة كبيرة على الخطابة والعبث بالكلمات لصالح الرواية التي يريد تقديمها، ظهر ذلك جليا خلال شرحه لموقف دولة الاحتلال أمام جمهور أميركي باللغة الإنجليزية المتقنة، وخدمه ذلك جيدا خلال سباق رئاسة حزب الليكود وبعد ذلك لمنصب رئيس الوزراء. لذلك فإن شخصيته تناسب وسائل الإعلام، وخاصة لأنه يحاول دائما يتصنع الظهور بمظهر لافت، وهو يعرف كيف يستفيد إلى أقصى حدٍّ من الموضوعات التي تخيف الغرب مثل الإرهاب، وكيف يتلاعب بالصحافة لصالحه، وهو يفهم جيدا أن التلاعب بالصحافة هو تلاعب بالحقائق التي لا تعد حقائق إلا في سياق هدفه الشخصي أو السياسي، وهو بحسب الدراسة يهتم بالإعلام جدا، فهو على سبيل المثال يدخل قاعة المؤتمرات في الوقت الذي تبدأ فيه نشرات الأخبار الرئيسية، وهو في هذا السياق يعامل استوديو التلفزيون بوصفه ساحة معركة.


 الارتياب

 
مما سبق يمكن أن نستنتج أن إحدى سمات نتنياهو المميزة الأخرى هي الارتياب (الشك)، بل ويصل الأمر بحسب الدراسة إلى ظن يراوده بأن "العالم بأسره ضده"، ويبدو أنه عندما يتعرض للهجوم يشعر براحة أكبر، لأن مشاعر الاستضعاف تعزز عواطفه الداخلية، مما يُمكِّنه من القتال و السعي الدائم لتحقيق الانتصار، وتزيد هذه السمات الارتيابية عندما يشعر بتهديد موقعه، فيشتبه تلقائيا في الأفراد الذين ينتمون إلى فريق آخر غير فريقه، وهنا يكون التهديد من وجهة نظره شخصيا تماما.


 وإذا كنت تؤمن أن العالم كله ضدك، فلا بد أن نتوقع أن تعتقد أن هناك مؤامرة عليك، وفي هذا السياق توضح الدراسة أن نتنياهو يروج للمؤامرة في كل مكان من منطلق أن مَن يختلف معه ليس مجرد شخص "يختلف معه"، بل شخص "مخطئ" أو شخص له مصلحة في سقوطه، لكن ذلك بدوره يولد بعض سمات الشخصية الاستبدادية، فهو يميل إلى إنكار نقاط ضعفه وتوجيه اللوم إلى الآخرين عندما يفشل، نتنياهو في هذا السياق لا يخطئ أبدا، فالخطأ دائما في الآخرين، لأنهم على الأقل لم ينفذوا توجيهاته بالشكل الصحيح.


 وانطلاقا من سمة الارتياب فإن نتنياهو يُعَدُّ مسؤولا تنظيميا يميل إلى العمل بمفرده، بل لا يستشير المستشارين الرئيسيين ذوي الخبرة، ولا يظن أنه سيحتاج إليهم يوما ما، وإذا كلف مساعديه بالمهام فإنه يطالبهم بتقديم تقارير متكررة حول أنشطتهم، وفي ذلك السياق يجب أن يكون الموظفون مخلصين منضبطين. جدير بالذكر أن الدراسة تشير إلى أن أسلوب إدارته عدواني، وغير ديمقراطي، وهذا ما اعترف به بعض وزرائه من قبل وأعضاء حكومته، بل وقد اتُّهِم من قبل باللجوء إلى التلاعب للميل إلى تحقيق التوازن في حزب الليكود.


ومما سبق، تخلص الدراسة في المجمل إلى أن بنيامين نتنياهو يمتلك العديد من سمات الشخصية النرجسية، بما في ذلك الميل نحو تعظيم الذات، مع طموح قوي وانتهازية وتفانٍ كامل في تحقيق هدفه، وفشل في الاعتراف بالضعف، ورفض اللوم، والعلاقات التلاعبية، واستخدام الأشخاص الآخرين لتحقيق أهدافه، وغياب النزاهة في السياسة، ونقص في الأخلاقيات الشخصية والسياسية، وحساسية كبيرة للانتقاد، ووعي حاد بمظهره.

 

©2025 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology