افراسيانت - يونس الديدي - في عالم يبدو فيه الدم رخيصًا، والإنسانية مُعلَّقة على مذبح السياسة، تطلّ علينا الأحداث الأخيرة في مخيم جنين بالضفة الغربية، لتذكرنا بأن الحرب ليست مجرد صراع عسكري، بل هي أيضًا معركة نفسية، معركة كرامة ومعركة وجود.
الحملة العسكرية التي يقودها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد مخيم جنين ليست مجرد عملية أمنية روتينية، بل هي جزء من سلسلة محاولات يائسة، لتعويض هزيمة نفسية وسياسية تعرض لها الكيان بعد حرب غزة الأخيرة.
فتْح جبهة الضفة ليس فقط محاولة لتحويل الأنظار عن فشل غزة، بل هو أيضًا محاولة لشراء الوقت، لتأخير السقوط الحتمي لنتنياهو، الذي أصبحت أيامه في السلطة معدودة.
الهزيمة النفسية: جرح غزة الذي لم يندمل
قبل أسابيع فقط، كانت غزة مسرحًا لمعركة كشفت هشاشة الأسطورة الإسرائيلية عن "الجيش الذي لا يُقهر"!. خلال عملية تسليم الرهائن، برزت المقاومة الفلسطينية بقوة، ليس فقط كقوة عسكرية، بل كإرادة شعبية قادرة على الصمود والتحدي.
هذه الصورة، التي انتشرت عبر العالم، كانت بمثابة صفعة قوية للرواية الإسرائيلية التي تروج لها آلة الدعاية الصهيونية، لم تكن الهزيمة عسكرية فحسب، بل كانت هزيمة نفسية عميقة، هزيمة كشفت أن "النصر المطلق" الذي كان يتغنى به قادة الاحتلال لم يكن سوى وهْم.
وما زاد الطين بلة موجة الاستقالات التي اجتاحت المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية، والتي كشفت عن انقسامات عميقة وعدم ثقة في القيادة.
هذه الاستقالات لم تكن مجرد تغييرات في المناصب، بل كانت اعترافًا ضمنيًّا بالفشل في تحقيق الأهداف المرسومة.. فشل في القضاء على حماس، وفشل في إخضاع غزة، وفشل في إعادة رسم صورة "القوة العظمى" التي كان الكيان يحاول تصديرها.
جنين: محاولة يائسة لإطفاء شرارة الهزيمة
في هذا السياق، تأتي حملة جنين كجزء من محاولة يائسة لتعويض هذه الهزيمة.. الضفة الغربية، التي ظلت لسنوات تحت سيطرة شبه كاملة للاحتلال، أصبحت ساحة جديدة لتفريغ الغضب بعد الإحباط الإسرائيلي، لكن الحملة هذه المرة ليست فقط ضد المقاومة المسلحة، بل هي أيضًا ضد المدنيين، ضد الأبرياء الذين أصبحوا رهائن لمزاج قادة متطرفين، يحملون أفكارًا مريضة عن العالم والإنسان.
وزير المالية المتطرف، سموتريتش، الذي يصف نفسه بأنه "صاحب رؤية"، يبدو أنه يرى في الدماء الفلسطينية وقودًا لبقاء حكومة نتنياهو.
فتح جبهة الضفة ليس فقط محاولة لتحويل الأنظار عن فشل غزة، بل هو أيضًا محاولة لشراء الوقت، لتأخير السقوط الحتمي لنتنياهو، الذي أصبحت أيامه في السلطة معدودة.
الاحتلال قد يقتل الأبرياء، لكنه لن يقتل الحلم، وقد يدمر البيوت، لكنه لن يدمر الإرادة، وحتى في أحلك اللحظات تبقى المقاومة! ليس فقط بالسلاح، بل بالكلمة، وبالصورة، وبالإصرار على أن الحقوق لا تُنسى، وأن الحرية لا تُقهر.
الأبرياء رهائن: الدماء التي لا تُحسب
لكن الثمن الذي يدفعه الشعب الفلسطيني باهظ!. الدماء التي تسيل في جنين وغزة ليست مجرد أرقام في تقارير إخبارية، بل هي حكايات أطفال لم يعرفوا طعم الحياة، نساء لم يجدن الفرصة لتحقيق أحلامهن، رجال حاولوا أن يعيشوا بكرامة في ظل احتلال لا يعترف بإنسانيتهم. هذه الدماء أصبحت رهينة لمزاج قادة متطرفين، يحملون في قلوبهم كراهية عميقة لكل ما هو إنساني.
وفي خضم هذا المشهد المأساوي، يبرز سؤال كبير: إلى متى سيستمر العالم في الصمت؟ إلى متى ستظل الدماء الفلسطينية تُسفك دون أن يتحرك الضمير العالمي؟ الحملة على جنين ليست فقط هجومًا على الفلسطينيين، بل هي أيضًا هجوم على القيم الإنسانية التي يفترض أن العالم يدافع عنها.
الخاتمة: مقاومة الإرادة في وجه آلة الدمار
في النهاية، ما يحدث في جنين هو جزء من معركة أكبر، معركة بين إرادة شعب يرفض أن يُقهر، وآلة دمار تحاول أن تثبت أنها ما زالت قادرة على البطش. لكن التاريخ يعلمنا أن الإرادة البشرية أقوى من أي آلة، وأن الدماء التي تسيل اليوم ستكون وقودًا لتحرير الغد.
الاحتلال قد يقتل الأبرياء، لكنه لن يقتل الحلم، وقد يدمر البيوت، لكنه لن يدمر الإرادة، وحتى في أحلك اللحظات تبقى المقاومة!. ليس فقط بالسلاح، بل بالكلمة، وبالصورة، وبالإصرار على أن الحقوق لا تُنسى، وأن الحرية لا تُقهر.
يجب أن لا نتوقف أبدًا عن الدفاع عن الإنسان المقهور والمسحوق في هذه الأرض المباركة، وأن نذكّر العالم بأن الدماء التي تسيل ليست مجرد أرقام، بل هي حكايات إنسانية تستحق أن تُروى، وأن تُسمع.