افراسيانت - تقرير للسياسي الأميركي ديفيد ستوكمان، يتحدّث عن "عبثية حرب واشنطن بالوكالة ضدّ روسيا"، مؤكداً أن هدفها هو "خدمة مصالح السياسيين في واشنطن وفي الدولة العميقة".
تحدث تقرير مطوّل في موقع "أنتي وور" أو "ضدّ الحرب"، للسياسي الأميركي والباحث دايفيد ستوكمان، الذي كان نائباً عن ولاية ميشيغان في عهد الرئيس الأسبق دونالد ريغان، عن الأسباب الحقيقية التي تقف خلف إصرار واشنطن على الترويج لنيّات روسيا العدائية ضد دول أخرى غير أوكرانيا، ومسارعتها إلى تعزيز قدرات هذه الدول العسكرية.
إذ عدّ التقرير، أنّه "لا بدّ من أن يكون الرئيس الأميركي جو بايدن يعتقد أنه بمنزلة "الخال" أو "العمّ" للعالم الثري اليوم، فخلال انعقاد اجتماع "بوخارست 9 "، وعد بايدن الدول السابقة في حلف وارسو بتقديم دعم اقتصادي وعسكري غير محدود".
وأعاد بايدن التأكيد أنّ إدارته مستعدة لتسريع استجابتها من أجل الدفاع عن 9 بلدان، إذا ما تعرضت لهجوم من قبل موسكو، وهي بلغاريا والتشيك وإستونيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا.
كما وصفت إدارته هذه المجموعة من "حلفاء الناتو الشرقيين"، بأنها "حرفياً على الخطوط الأمامية لدفاعنا الجماعي في الوقت الحالي".
ويفترض أن تكون هذه التصريحات الأميركية والتشديد على ضرورة دعم "أمن الناتو والوحدة عبر الأطلسي"، أوصلت رسالة إلى بوتين تفيد بأنّ روسيا "لا يمكنها ترهيب هذه الديمقراطيات، التي لا يزال بعضها جديداً نسبياً وهشّاً".
لكنّ الكاتب ستوكمان علّق، متسائلاً بشكل جدّي عن "كيفية توثيق تهديد بوتين لبلغاريا أو المجر أو سلوفاكيا أو ليتوانيا أو أيّ من الدول الأخرى بهذا الشأن؟".
وأضاف: "ماذا يمكن أن يكسب بوتين على مستوى العالم من خلال مهاجمة هذه الدول واحتلال ما يمكن أن تكون شعوباً معادية واقتصادات مدمرة، وهو ما يفرض استنزافاً مالياً هائلاً لموارده المالية المحاصرة بالفعل؟".
يؤكد التقرير، أنّ " واشنطن أصبحت شديدة الجنون من حمى الحرب ضدّ بوتين، لدرجة أنها لم تعد تطرح هذه الأسئلة البديهية، فضلاً عن إمكانية الإجابة عنها".
وبمعنى آخر، في حال هاجم بوتين حكومة أوكرانيا، فلماذا إذن بات من المؤكد (بحسب التصريحات الأميركية) أن الدول التسع ستكون التالية في قائمة البلدان التي ستسقط؟
تحدّث ستوكمان في تقريره عن المسار الذي سلكته أوكرانيا لتصل اليوم إلى الوضع الحالي، مشيراً إلى أنّ أوكرانيا "خليط من التواريخ والأعراق والتقاليد الدينية المتنوعة التي لم تكن أبداً تحت سقف دولة واحدة، والتي كانت خلال القرون الأخيرة تحت وصاية روسيا القيصرية، ولم تعرف شكلها الحالي إلا خلال القرن العشرين، بسبب تدخّل لينين وستالين وخروتشوف".
وأوضح السياسي الأميركي، أنّ "الأجزاء الشرقية والجنوبية من خريطة أوكرانيا الحالية المأهولة بالسكان تم تطويرها اقتصادياً من قبل المهاجرين الناطقين بالروسية، الذين قاموا على فترات طويلة بتحويل السهوب الفارغة المخصصة للرعي إلى مصدر مزدهر للغذاء ومنطقة للتعدين وورشة للعمل الصناعي في روسيا القديمة".
وحتى عام 1991، ظلّ هذا المزيج متماسكاً، لكن عندما تلاشت الشيوعية السوفياتية، أظهرت الانتخابات أنّ الدولة التي اخترعها لينين وستالين وخروتشوف لم يكن مقدراً لها أن تستمرّ، وأنّ مصير الديمقراطية الحديثة في أوكرانيا سيكون التقسيم عاجلاً أم آجلاً، أضاف ستوكمان.
وأكّد أنّه "في انتخابات عام 2004، خسر يانوكوفيتش، المقرب من روسيا، العدد الإجمالي بفارق ضئيل، مع هيمنته في الشرق والجنوب، بينما استعاد في عام 2010 الهيمنة الهائلة نفسها لمناطقه الناطقة بالروسية".
وتابع بأنه "عندما قام المحافظون الجدد الأغبياء، بقيادة فيكتوريا نولاند التي حاصرت نائب الرئيس جو بايدن، بإثارة الانقلاب ضدّ يانوكوفيتش في شباط/فبراير 2014، لم يكن لديهم أيّ دليل على التوازن السياسي الهش الذي كانوا ينهضون به"، إذ سيطر أتباع حليف هتلر في الحرب العالمية الثانية، ستيفان بانديرا، على حكومة غير منتخبة نصّبتها واشنطن في كييف، وهو ما أشار إلى "بدء مرحلة التقسيم الفعلي".
وكان أولّ مظاهر التقسيم إلغاء اللغة الروسية كلغة رسمية في دونباس وأماكن أخرى، والثانية كانت مذبحة ضدّ نقابيين موالين لروسيا في مبنىً في أوديسا على يد أنصار حكومة كييف، ما جعل إعلان معظم المناطق ذات اللون الأحمر على الخرائط أعلاه استقلالها عن كييف مسألة طبيعية.
كذلك، صوّت شعب "مقاطعة القرم الروسية ، بأغلبية ساحقة للانضمام إلى الاتحاد الروسي"، يضيف السياسي الأميركي.
كما أوضح التقرير، أنه "بعد 2014، تحرّكت الحكومة الفاشية الجديدة في كييف لإثارة عداء عميق لجارتها التاريخية موسكو، من خلال السعي للانضمام إلى حلف "الناتو"، وشنّ حرب وحشية على جمهوريات دونباس الانفصالية، أدّت إلى سقوط أكثر من 15000 مدني خلال السنوات الـ8 التي سبقت العملية العسكرية الروسية".
وهنا يتساءل ستوكمان بشأن أنه "هل كان مطلوباً، أو متوقعاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن يقف متفرّجاً على اتجاه كييف لجلب ترسانة "الناتو" النووية إلى حدود روسيا، وعلى مذابح كييف بحقّ روس دونباس، والتي تصعدت إلى أقسى درجاتها في الأسابيع الأولى من العام 2022؟".
وبناءً على ذلك، يستنتج ستوكمان في تقريره، أنّ "التعاطي الأميركي تجاه أوكرانيا ينبع من كونه غطاءً لهيمنة واشنطن العالمية طوال الوقت".
إذ اعتبر، أنّ واشنطن لم يكن يجب أن تسيطر على القرار السياسي للجمهوريات السوفياتية السابقة عقب انتهاء الحرب الباردة عام 1991، وتشرع في إدخالها في "الناتو"، بل كان يجب تفكيكها بشكل توافقي درءاً لمخاطر اندلاع نزاعات قد تعيد إحياء مرحلة الحرب الباردة مجدداً، أو أسوأ منها حتى، كما هو الوضع اليوم في أوكرانيا.
وأضاف قائلاً، إنّه "في تلك المرحلة، كان يجب على واشنطن وبسهولة أن تقود العالم إلى نزع السلاح وإحياء السلام العام، الذي اختفى منذ ارتفعت "بنادق آب/أغسطس" في عام 1914 (أي الحرب العالمية الأولى)".
يؤكد النائب السابق عن ولاية ميشيغان الأميركية أنّ "الالتزام الدفاعي المتبادل في القسم 5 من وثيقة حلف الناتو مع الدول الحليفة لا يوجد فيها أيّ شيء على الإطلاق يرتبط بتعزيز الأمن الداخلي الأميركي"، ويتابع : "لكنّ جو (بايدن) النائم يقف اليوم أسيراً لـ"متلازمة اضطراب ترامب"، التي يتشاركها الديمقراطيون، ما يمنعه من أي تفكير عقلاني، ولو للحظة، في تعاطيه السياسي تجاه الرئيس الروسي".
ويؤكد ستوكمان، أنّ "عبثية حرب واشنطن بالوكالة ضد روسيا واجتماع "بوخارست 9"، هو نتاج "تشتّت بوصلة السياسة الخارجية الأميركية القائمة منذ عقدين على الأساطير والأكاذيب، والتي خدمت المصالح قصيرة المدى للسياسيين في واشنطن وأسيادهم في الدولة العميقة".
ويضيف أنّ "شيطنة بوتين أصبحت متطرفة للغاية، وغير مرتبطة بالواقع، لدرجة أنّ واشنطن حرفياً مملوكة لشبح الاتحاد السوفياتي القديم، وهي تتخيل عدواً شرساً على "الجبهة الشرقية" لا وجود له ببساطة".
ويتساءل ستوكمان في ختام تقريره بشأن "عدد حاملات الطائرات التي تملكها روسيا مقارنة بحاملات الطائرات وطائرات الهليكوبتر الأميركية العشرين؟"، ويجيب "واحدة مقابل 20"، متوقعاً أن تنتهي الحرب بنفي زيلينسكي وتسوية بشأن تقسيم أوكرانيا السابقة، وإزالة صواريخ "الناتو" وغيرها من القدرات الحربية المتقدمة من دول حلف وارسو السابقة.