افراسيانت - بقلم: ابراهيم دعيبس - وضعنا السياسي ليس سيئاً ولكنه من أسوأ ما يكون، وما ينتظرنا هو أسوأ الأسوأ. وهذا ليس كلاماً نظرياً او تخيلاً وإنما هو محاولة لقراءة الواقع والقادم. واقعنا السياسي يتدمر يومياً وعلى مستويات مختلفة وآخر هذه التداعيات كان تدمير مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطيني في غزة، وتصاعد الإنقسام والحرب الكلامية والاعلامية بين فتح وحماس الى درجة غير مسبوقة إلا في حالة واحدة لدى مهاجمة موكب رئيس الوزراء في غزة قبل فترة ليست بعيدة، وصار كل طرف إما جواسيس من جهة أو يخدم الاحتلال من جهة أخرى.
الانقسام يتحول الى حالة نهائية ولولا بعد المسافة بين الضفة وغزة، لربما تحولت الأمور الى اشتباكات مسلحة وحرب فئوية. كل محاولات المصالحة التي قامت بها مصر فشلت. وكل اتفاقات المصالحة ظلت حبراً على ورق. وكل ادعاءات الرغبة باستعادة الوحدة كانت مجرد خداع للجماهير ودفاعاً عن مصالح الإنقسام.
في المقابل وكما هو مهروف فإن سرطان الاحتلال يتسع ومخاطر التهويد الشامل تزداد وهي معروفة للجميع وواضحة لكل من يرى. والإنقسام يحقق أهداف الاحتلال القادمة، حيث أنهم يريدون ان تكون غزة مركزاً لما نسميه بالدولة ويلتحق بها سكان الضفة لكي يسيطروا على الأرض ويتخلصوا من البشر، مع شكليات بالقدس كالوصول الى المسجد الأقصى. والتخلص من ضواحي المدينة المزدحمة بالسكان مثل أبوديس والعيزرية وكفر عقب وسميراميس والرام، ولهذا فإن اسرائيل تدعم التهدئة مع غزة وتؤمن وصول الأموال إليها وتضغط على الضفة. كما أن الإنتخابات الإسرائيلية القريبة تنبىء بأن اليمين الأكثر تطرفاً هو القادم وأن الأسوأ بانتظارنا.
السؤال ما الذي يمنع تحقيق الوحدة لمواجهة هذه المخاطر ولماذا يتمسك كل طرف بما يسيطر عليه ولا يستعد أبداً للتنازل عن متر واحد من «حصته»، ويظل الوطن والمواطنون هم الذين يدفعون الثمن؟ واذا كانت كل هذه التحديات لا تحرك هذه القيادات فيا خجل التاريخ ويا حسرتاه يا وطننا العزيز الضائع أو الذي يضيع يومياً.
والسؤال الآخر الى متى نستمر هذه الحال وما هي السبل للخلاص من هذه الأوضاع المخجلة والمخزية؟
والجواب بسيط ولكنه يبدو صعب التنفيذ. الجواب هو في ثورة الناس ضد هذه القيادات والقيام بانتفاضة شعبية داخلية..لكن ذلك ليس سهل التنفيذ وقد رأينا مثلاً، الانتفاضة ضد قانون الضمان الاجتماعي وضخامة اعداد المشاركين فيها ولكنهم بالنهاية استطاعوا اضعافها أو حتى إسكاتها.
ولقد سمعنا عن تأسيس ما يشبه الحزب الجديد من كل القوى الفلسطينية تقريباً باستثناء فتح وحماس واطلقوا عليه اسم «التجمع الديموقراطي الفلسطيني» في إطار منظمة التحرير وليس شيئاً مستقلاً. ورغم ضعف إمكانات هذا التجمع وقدراته المحدودة نسبياً، فإن الدور الذي ينتظره كبير ولعله يتحول من مجرد فكرة وتجمع الى تنظيم حقيقي وتحرك شعبي مؤثر. كذلك لو خلصت النوايا فان الدعوة لانتخابات تشريعية قد تشكل منطلقاً للتغيير لو توفرت لها الشروط الصحيحة. ولكن لا حياة لمن تنادي.
ما احوجنا لثورة فكرية
تمحو العقلية القبلية السائدة
نحن الفلسطينيين بالانقسام المدمر، نشبه حال كثير من الدول العربية التي خرّبها الاقتتال والحروب الداخلية بدون أي منطق أو مبرر سوى العقلية القبلية التي تسيطر علينا ومتأصلة في تفكيرنا منذ البدايات.
في ليبيا لو احتكموا للعقل والمنطق لاصبح كل الليبيين مليونيرات بسبب قلة السكان وكثرة الموارد البترولية وهي بالمليارات، وفي العراق احرقوا البلاد ودمروها وما يزالون بين سنة وشيعة وبين فكر ظلامي ومنطق اللامنطق، وكذلك الأمر في اليمن وسوريا ودول أخرى مرشحة لهذا النوع من الاقتتال والفوضى..
لقد مرت شعوب أخرى بهذه الحالة من الاقتتال ولكنها تطورت وهدأت واستعاضت عن كل ذلك بالديموقراطية والانتخابات ولكي يفوز من يفوز ويخسر من يخسر، بانتظار جولات اخرى..
نحن لا نريد أن نتعلم ويبدو أننا لن نتعلم قريباً، ولن نحتكم للديموقراطية الحقيقية وتظل العقلية القبلية وعقلية «أنا» اولاً واخيراً هي المسيطرة.. ونصبح أحوج ما نكون الى ثورة فكرية تنزع عن المجتمع فكر وعقلية الماضي وتنظر الى الواقع والمستقبل والمشاركة والقبول بالآخر، ولست أدري أن كنت احلم وأنا افكر بهذا أم ان للفكرة فرصة للتحققق..؟!.