تل أبيب: نتنياهو بات مُستعدًا لشنّ عدوانٍ على إيران حتى لو كلّفه الأمر فقدان منصبه ومُواجهة روسيا لكي يُسجّل اسمه في تاريخ إسرائيل كـ”مُنتصرٍ”
افراسيانت - الناصرة - “رأي اليوم”- من زهير أندراوس - حتى أشّد المُؤيّدين لرئيس الوزراء الإسرائيليّ وزعيم حزب (ليكود) الحاكم، من سياسيين، وإعلاميين، وخبراء ومُختّصين، يُجمعون على أنّ بنيامين نتنياهو على استعدادٍ كاملٍ لفعل أيّ شيءٍ، أوْ كلّ شيءٍ، من أجل الحفظ على كرسيه ومنصبه، وطبعًا هذا الأمر ينسحب على سياسته الداخليّة والخارجيّة، على حدٍّ سواء، وبالتالي، فإنّ مُحاولاته المُتكررّة لتصدير أزماته الداخليّة إلى الخارج تهدف بشكلٍ مُباشرٍ إلى صرف أنظار الإسرائيليين عن تورّطه في أربع قضايا رشاوى وفساد وخيانة الأمانة والاحتيال.
علاوةً على ذلك، فتاريخ الكيان الإسرائيليّ علّمنا أنّ تصدير الأزمات الداخليّة في شنّ العدوان تلو العدوان على الأمّة العربيّة بشكلٍ عامٍّ، وعلى الشعب العربيّ الفلسطينيّ، هي ليست سياسةٍ جديدةً تنتهجها الدولة العبريّة، وبالتالي، يقول المُحلّلون للشؤون السياسيّة والأمنيّة في تل أبيب، يقولون لا يستغربنّ أحدٌ إذا قام نتنياهو، بدعمٍ من وزير أمن المُتطرّف، بمُغامرةٍ جديدةٍ وخطيرةٍ تستهدف عسكريًا الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، إنْ كان ذلك بصورةٍ مُباشرةٍ، أوْ بصورةٍ غيرُ مباشرةٍ عن طريق توجيه ضربةٍ عسكريّةٍ لقوّاتها المُرابطة في سوريّة، بموجب اتفاقٍ إستراتيجيّ مع الحكومة السوريّة، الحليفة في دمشق.
ومن الأهميّة بمكان التذكير في هذه العُجالة إلى أنّ الصحافة العبريّة كشفت النقاب عن أنّ نتنياهو ووزير الأمن الأسبق، إيهود باراك، كانا يدفعان المجلس الوزاريّ الأمنيّ والسياسيّ المُصغّر إلى شنّ عدوانٍ يستهدف المنشآت النوويّة في إيران، ولكن أذرع الأمن في تل أبيب: شعبة الاستخبارات العسكريّة (أمان)، جهاز الموساد (الاستخبارات الخارجيّة بقيادة المُجرم الراحل، مئير داغان، وجهاز الأمن العّام (الشاباك)، منعت الرجلين من الإقدام على هذه المُقامرة، وحذّرت من تداعياتها وتبعاتها على ما يُطلق عليه الأمن القوميّ الإسرائيليّ، على حدّ تعبير المُراقبين في تل أبيب.
المُحلّل الإسرائيليّ المُخضرم، بن كاسبيت، الذي نشر أخيرًا كتابًا فضح فيه ما يدور وراء الكواليس في ديون رئيس الوزراء الإسرائيليّ، تناول هذا الموضوع بتوسّعٍ في تحليلٍ نشره في صحيفة (معاريف) العبريّة. وغنيٌ عن القول إنّ كاسبيت، من أهّم المُعلّقين السياسيين في الإعلام الإسرائيليّ، وتحليلاته وتقاريره تعتمد على مصادر رفيعةٍ وعليمةٍ في تل أبيب.
المُحلّل كاسبيت شدّدّ في سياق تحليله، الذي استند إلى مصادر مطلعة جدًا على ما يدور في الغرف المُغلقة، على أنّ تغيرًا كبيرًا حدث في الفترة الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيليّ، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ مَنْ يُصغي في الفترة الأخيرة لنتنياهو يسعر بالذهول والاستغراب. وتابع قائلاً إنّ نتنياهو، الذي وصفه بالقائد الفّذ والمُتوازن والمسؤول، الذي يتملّص من المُخاطرة واتخاذ القرارات الصعبة والمصيريّة تحوّل وانقلب، وأصبح على إصرارٍ لما أسماه المُحلل اجتثاث الخطر الإيرانيّ الداهم على الحدود الشماليّة، أيْ مع سوريّة، وأنّه عاقد العزم على عدم السماح لطهران بتعظيم قدراتها العسكريّة بسوريّة، مهما كان الثمن.
بالإضافة إلى ذلك، أوضح كاسبيت، بحسب مصادره، أنّ بلوغ الهدف المذكور بات مؤكّدًا حتى لو أدّى إلى نهاية حياته السياسيّة، كما قال نقلاً عن المصادر عينها، التي أضافت أيضًا أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ بات جاهزًا وحاضرًا لهذه الخطوة، حتى ولو أدّت إلى مُواجهةٍ مع روسيا.
ورأى المُحلّل كاسبيت أنّ تغيّر نتنياهو يعود إلى سببين: الأوّل يتعلّق بالشؤون الداخليّة، إذْ أنّ الدولة العبريّة باتت قريبةً من الانتخابات العامّة، لافتًا إلى أنّه سيُوظّف العدوان على إيران من أجل زيادة حظوظه بالفوز مرّة أخرى بمنصب رئيس الوزراء، أمّا السبب الثاني، فهو بحسب كاسبيت، يعود إلى أنّ نتنياهو يسعى لدخول تاريخ الدولة العبريّة، فالرجل، أضاف المُحلّل، لم يصنع السلام ولم ينتصر في الحرب، وبالتالي من ناحيته، فإنّ وضع جميع البيض في السلّة الإيرانيّة، ستمنحه الفرصة لتسجيل اسمه في تاريخ إسرائيل، لأنّه بحاجةٍ لانتصارٍ، أضاف كاسبيت، مهما كلّف الأمر، على حدّ تعبيره.
مُضافًا إلى ما ذُكر أعلاه، يتفّق الكثيرون من المُحلّلين في إسرائيل على أنّ نتنياهو يُعاني من ظاهرة أوْ مُتلازمة (Obsession) النفسيّة، أيْ الاستحواذ، أوْ الوسواس، أوْ الشعور الذي يستبّد بالمرء، في كلّ ما يتعلّق بإيران، أيْ أنّ إيران باتت تستأثر على كلّ أفكاره، وهذا الأمر، بحسب الإعلام العبريّ، ليس جديدًا، بل بدأ في العام 2000 وتأجج في الآونة الأخيرة، ليُصبح التملّك منهجًا يُسيطر على نتنياهو بشكلٍ كليٍّ، وما تحذيره بأنّه لن يسمح لإيران بتنفيذ محرقةٍ (هولوكوست) ضدّ اليهود، كما فعل النازيون إبّان الحرب العالميّة الثانيّة، إلّا تأكيدًا على الحالة النفسيّة التي يعيشها نتنياهو بالنسبة لإيران، التي تُعتبر بموجب المؤسسة الأمنيّة الإسرائيليّة، العدّو الثاني، بعد حزب الله، للدولة العبريّة.