افراسيانت - عبد الناصر عوني فروانة* - يصادف في الثاني والعشرين من نيسان/ابريل من كل عام، ذكرى يوم "الأسير العربي"، وهو ذاك التاريخ الذي اختارته الحركة الوطنية الأسيرة يومًا للوفاء للأشقاء العرب، الذين تجاوزوا الحدود وقاوموا الاحتلال بجانب اخوانهم الفلسطينيين دفاعا عن فلسطين ومقدساتها، ومن أجل حرية شعبها وترابها، واعتقلوا وقضوا من العمر سنوات وعقود في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
ولقد اختارت الحركة الأسيرة هذا اليوم الذي أعتقل فيه "سمير القنطار" عام 1979، كونه كان الأقدم من بين الأسرى العرب حينذاك. وهو من أمضى تسعة وعشرين عاما ونيف بشكل متواصل قبل أن يتحرر عام 2008 ويستشهد في العام 2015.
ومنذ ذلك التاريخ والشعب الفلسطيني يحييه سنويا بالشكل الذي يليق بهؤلاء الأسرى العرب، وفاء لهم وتقديرا لتضحياتهم وتكريما لعوائلهم. هؤلاء الأشقاء العرب الذين ناضلوا وضحوا واعتقلوا لأجل فلسطين وقضيتها العادلة، ليؤكدوا بأن القضية الفلسطينية لم تكن في يومٍ من الأيام، قضية تخص الفلسطينيين فقط، بل كانت ومازالت هي قضية العرب في كل مكان، لذا شارك العرب ذكورا واناثا ومن مختلف الجنسيات العربية إخوانهم الفلسطينيين في مقاومة المحتل الإسرائيلي، ولأجلها ودفاعاً عنها قدّم العرب آلاف الشهداء، فضلا عن المئات من العرب الأسرى، إذ لم تخلُ دولة عربية من المشاركة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي أو التمثيل داخل سجونه ومعتقلاته منذ احتلاله لباقي الأراضي الفلسطينية عام 1967، فكان هناك أسرى مصريون ولبنانيون وأردنيون وسوريون وعراقيون ومغربيون وسودانيون وجزائريون وتونسيون وسعوديون وليبيون وغيرهم. كما وأن قائمة شهداء الحركة الأسيرة لم تخلُ هي الأخرى منالأسرى العرب.
وربما كان من بعض فضائل السجن، أنه أتاح لنا فرصة التعرف على عشرات الأسرى العرب من بلدان وجنسيات عربية مختلفة، والذين لا تزال تربطنا بهم وبعائلاتهم، وتربطهم بنا وبعائلات الأسرى علاقات قوية، ولولا السجن لما تعرفنا على هؤلاء، ولما نشأت فيما بيننا علاقات حميمة نفخر بها كأسرى محررين ونعتز بها كفلسطينيين.
وهؤلاء جميعا، ذكورا واناثا، يشكلون مفخرة للشعب الفلسطيني. فهم الذين سطروا سويا مع إخوانهم الفلسطينيين أروع صفحات الوحدة والتلاحم والنضال العربي المشترك في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وهم من سطروا كذلك صفحات مضيئة خلف القضبان. لذا ستبقى الذاكرة الفلسطينية تحفظ أسماءهم عن ظهر قلب. وكيف للذاكرة الفلسطينية أن تنساهم، وهم جزءمن التاريخ الفلسطيني وجزء أصيل من تاريخ عريق سجلته الحركة الوطنية الأسيرة خلف قضبان سجون المحتل، وخطت حروفه بالألم والمعاناة ودماء الشهداء.
ان إدارة السجون لم تميز يوماً في تعاملها القاسي، وقمعها وبطشها بين أسير فلسطيني وآخر عربي. فهم عانوا من السجن وقسوة السجان كما عانينا، وتعرضوا مثلما تعرضنا له من تعذيب وحرمان ومعاملة قاسية، ولربما معاناتهم تضاعفت بسبب حرمان الغالبية العظمى منهم من رؤية عائلاتهم طوال سنوات اعتقالهم الطويلة. الأمر الذي دفع أمهات فلسطينيات الى ابتداع ما يُعرف بـ "ظاهرة التبني" للتخفيف من معاناتهم وتقليل آثار الحرمان.
وتحل ذكرى يوم "الأسير العربي" هذا العام في ظل استمرار وجود ستة وعشرين اسيرا عربيا من سوريا ولبنان ومصر والأردن، وأن سبعة منهم يقضون أحكاما بالسجن المؤبد (مدى الحياة) لمرة واحدة أو لمرات عدة، ولعل أبرزهم الأسير العربي السوري "صدقي المقت" من هضبة الجولان السورية المحتلة، الذي سبق وأمضى سبعة وعشرين عاما، قبل أن يتحرر ويعاد اعتقاله للمرة الثانية بتاريخ 25 شباط/فبراير عام 2015 ويصدر بحقه حكما بالسجن الفعلي لمدة أربعة عشر عاما.
وفي الختام نوجه التحية لكل الأسرى العرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ولكل الأسرى المحررين من الأشقاء العرب. ونجدد احترامنا وتقديرنا لهم ووفاءنا لنضالاتهم، باعتبارهم جزءاً أصيلا من الحركة النضالية ضد الاحتلال، ومكون أساسي من مكونات الحركة الأسيرة ونضالاتها وتضحياتها وانتصاراتها. وسيبقى يوم "الأسير العربي" يوما ساطعا في التاريخ الفلسطيني المعاصر.
22-4-2018
*رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة الأسرى
عضو اللجنة المكلفة لإدارة شؤون الهيئة في قطاع غزة