غزة - افراسيانت - تجري في قطاع غزة تحضيرات مكثفة قبيل تنظيم "مسيرة العودة الكبرى" المقررة يوم الجمعة المقبل قرب السياج الفاصل مع إسرائيل والتي تعد الأولى من نوعها وتشارك فيها كافة الفصائل الفلسطينية.
وتستهدف المسيرة في مرحلتها الأولى الاحتشاد الشعبي على بٌعد مئات الأمتار من السياج الفاصل، ونصب خيام اعتصام ثابتة للمطالبة بتحقيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين وكسر الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة.
وتجري منذ عدة أيام تحضيرات ميدانية مكثفة للفعالية، بما في ذلك نصب خيام الاعتصام والترويج للمشاركة بأكبر حشد شعبي وسط تأكيد على سلمية الفعالية.
وكان تم اختيار يوم الجمعة المقبل بالتزامن مع إحياء الفلسطينيين "يوم الأرض" الذي يصادف إعلان السلطات الإسرائيلية مصادرة 21 ألف دونم من أراضي الجليل والمثلث والنقب في العام 1976 ما أدى في حينه إلى مظاهرات عارمة في صفوف الفلسطينيين داخل إسرائيل وسقوط ست ضحايا.
وجرى إعلان هيئة عليا مسؤولة عن مسيرة العودة برئاسة القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خالد البطش، وعضوية ممثلين عن مختلف الفصائل الفلسطينية ومنظمات أهلية.
وأكد البطش لوكالة أنباء "شينخوا"، أن مسيرة العودة تستهدف التأكيد على التمسك بالحقوق الفلسطينية، وفي مقدمتها حق العودة للاجئين، بمشاركة كافة الفصائل الفلسطينية.
واوضح البطش أن لجانا مختصة تم تشكيلها من الفصائل ومنظمات أهلية، ستعمل على الأرض لإنجاح المسيرة وأهدافها، منها ما هو للتواصل الدولي وأخرى للحشد والعمل الجماهيري.
وبحسب البطش فإن مسيرة العودة " تستهدف التمسك بالعودة للاجئين الفلسطينيين كحق كفلته كافة المواثيق، والتصدي لسياسات الاحتلال الإسرائيلي إضافة إلى كسر الحصار عن قطاع غزة".
وتعرِف صفحة "مسيرة العودة" على موقع التواصل الإجتماعي (فيسبوك)، المسيرة بأنها "سلمية شعبية مليونية فلسطينية ستنطلق من غزة والضفة الغربية والقدس والأردن ولبنان وسورية ومصر، وستنطلق باتجاه الأراضي التي تم تهجير الفلسطينيين منها العام 1948".
والهدف منها بحسب الصفحة "تنفيذ وتطبيق حق العودة للشعب الفلسطيني إلى أرضه التي طرد منها، وذلك تماشياً مع، وتطبيقاً للقرارات الدولية وقرارات الأمم المتحدة الخاصة بعودة اللاجئين الفلسطينيين ومنها القرار 194".
ويتضمن البرنامج المعلن لمسيرة العودة من منظميها الانطلاق صباحا من عدة مناطق شرق قطاع غزة وأداء صلاة الجمعة في خيام اعتصام.
ويعتبر رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي الفلسطيني عن حركة حماس محمد فرج الغول أن مسيرة العودة "حق مكفول للفلسطينيين لانتزاع الحق بالعودة بالوسائل المشروعة".
ويقول الغول لـ "شينخوا" ان "الشعب الفلسطيني بات على يقين بأنه لن تتحقق العودة إذا لم يبادر بالتحرك لانتزاع هذا الحق، وبالتالي فإن مسيرات العودة تجسد أحد أساليب الحفاظ على الحقوق الفلسطينية".
واشار الى ان "توقيت انطلاق مسيرات العودة يؤكد على أهمية بالغة في هذا الوقت الحساس الذي تتجه فيه قوى استعمارية استيطانية إلى طمس القضية الفلسطينية والتآمر عليها".
واضاف "بالتالي فإن مسيرة العودة الكبرى تمثل ردا شعبيا فلسطينيا على صفقة القرن الأمريكية وقرار واشنطن بإعلان مدينة القدس عاصمة لإسرائيل، وخطوة عملية لمواجهة مسلسل تصفية القضية الفلسطينية التي تتسارع في ظل تواطؤ دولي وإقليمي".
وبحسب الغول فإن مسيرة العودة "تنطلق في إطار قرار الأمم المتحدة رقم 194 الداعي لحق عودة اللاجئين إلى المناطق التي تم تهجيرهم منها كحق من حقوقهم".
ويسارع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التحضير لطرح مبادرة "صفقة القرن" الساعية إلى إيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر منذ عدة عقود.
إلا أن خطة ترامب لا تحظي بتأييد السلطة الفلسطينية التي أعلنت رفضها المسبقة للمبادرة الأمريكية احتجاجا على إعلان الرئيس الأمريكي في السادس من ديسمبر الماضي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ويطالب الفلسطينيون بآلية دولية لرعاية مفاوضات السلام مع إسرائيل المتوقفة أصلا بين الجانبين منذ العام 2014 بعد تسعة أشهر من المحادثات برعاية أمريكية لم تفض إلى أي اتفاق.
ويبرز مراقبون فلسطينيون المخاوف من تصعيد ميداني من شأنه تفجير الأوضاع في قطاع غزة على خلفية تنظيم مسيرة العودة، حال قوبلت برد فعل تصعيدي من الجيش الإسرائيلي.
وينبه المحلل السياسي من غزة المختص بالشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر إلى أن مسيرة العودة تصدرت في الأيام الأخيرة عناوين الأخبار الإسرائيلية والتحذيرات من تصعيد ميداني قادم.
واشار أبو عامر في تصريح لـ "شينخوا"، إلى أن الصحافة الإسرائيلية تناولت مواقف متباينة لجنرالات عسكريين في الجيش الإسرائيلي إزاء الوضع "المتفجر" في غزة بين المطالبة بتوجيه ضربة عسكرية قاضية لحركة حماس أو إيجاد حلول عملية للأزمة لإنسانية في القطاع.
واوضح أن التقديرات الإسرائيلية تبرز احتمال أن يتوجه المتظاهرون للمعابر الإسرائيلية، مما قد يدفع القناصة من الجنود الإسرائيليين لإطلاق النار وبالتالي إيقاع عدد كبير من الضحايا.
وقال أبو عامر بأن هذا الاحتمال يمكن أن يُقابل برد من الاجنحة العسكرية الفلسطينية على سقوط الخسائر البشرية الفلسطينية بإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، وهو ما يهدد بانفجار شامل للأوضاع.
واستبقت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس مسيرة العودة بإجراء "مناورات دفاعية" خلال اليومين الماضيين في قطاع غزة أطلقت عليها اسم (الصمود والتحدي).
وشوهد خلال المناورات المئات من عناصر كتائب القسام ينتشرون في الطرق الرئيسة في مناطق مختلفة من القطاع وهم ملثمون ويحملون أسلحة خفيفة متنوعة.
وسمع خلال المناورات دوي انفجارات في مناطق شمال وجنوب قطاع غزة، ولوحظت حركة نشطة لمركبات وآليات عسكرية تشبه الدبابات المصفحة بالإضافة إلى إطلاق صواريخ من القطاع تجاه البحر لأول مرة علنا ضمن المناورات.
وتأتي التحضيرات لمسيرة العودة وسط أزمة يواجهها الفلسطينيون منذ إعلان ترامب في السادس من ديسمبر الماضي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وعزمه نقل سفارة بلاده لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس في مايو المقبل.
كما تأتي في ظل استمرار تعثر شديد في ملف المصالحة الفلسطينية وتبادل للاتهامات بشأن المسؤولية عن ذلك بين حركتي فتح وحماس.
ويرى المحلل السياسي من غزة كرم عطاالله أنه "لم يبق لدى الفلسطينيين كثير من الخيارات بعد تجربة العقود الماضية، فالمفاوضات فشلت وتجربة الصدام المسلح في غزة كانت كلفتها أعلى من أن تحتمله غزة، ولم نحقق نتائج في الحالتين".
وقال عطا الله لـ "شينخوا" ان "السلاح الوحيد المتبقي هو الربيع الفلسطيني الذي تأخر كثيراً، وتوسعت مسألة الحشد على الحدود إلى أن أصبحت فكرة قوية في المجال العام فرضت نفسها بقوة للنقاش".
واضاف ان "إسرائيل تجهز نفسها، فقد أنهت الاستعدادات والجرافات الإسرائيلية أقامت سواتر ترابية، وجرى تجهيز طائرات رش الغاز، وكل ذلك يجب أن يكون محل استعداد فلسطيني مقابل لذلك".
وشدد عطا الله على أن الأهم فلسطينيا هو كيف تبقى المسيرات سلمية وبأقل الخسائر "فلا نريد في عمل سلمي أن نخسر المزيد من الضحايا، وأن تشغل الفصائل بتعزيز ثقافة الكفاح السلمي تحت معادلة إنجازات أكبر وخسائر أقل".