افراسيانت - استدعاء الحكومة السودانية لسفيرها بمصر للتشاور قرار كان متوقعا صدوره بعد الملاسنات الأخيرة والمتبادلة في وسائل إعلام البلدين بسبب جزيرة سواكن وملف سد النهضة وقضايا أخرى كثيرة تراكمت بين البلدين خلال العام الماضي.
الخلافات لم تكن مكتومة، بعضها خرج للعلن وصدرت تصريحات رسمية من وزير الخارجية السوداني قبل أيام كانت كاشفة للخلاف ومعبرة عن غضب سوداني من مصر .
وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور قال في مقابلة أجرتها معه قناة تركية قبل أيام إن سياسيين مصريين لا يريدون أن يكون السودان دولة قوية، معتبرا أن هذا الأمر لا يخدم مصالح السودان على الإطلاق.
وقال إن البعض في مصر لا يفهم أن السودان القوي في مصلحة مصر، ويرى السودان الضعيف في مصلحتها، موضحا أن السودان ومصر لديهما الإمكانيات ليصبحا من خلال مشروع تكامل بينهما، قوة سياسية واقتصادية كبرى في وادي النيل.
وأشار حسبما نقلت وسائل الإعلام المصرية تصريحاته إلى أن الخلافات مع مصر لن تحل إلا بتغليب الطرفين لغة المصلحة، مضيفا أن الحديث لا يدور عن العلاقات الأزلية بين البلدين وحسب.
جزيرة سواكن
ملفات رئيسية يراها الإعلام المصري سببا للخلاف والتوتر المتصاعد بين البلدين منها ملف حلايب وشلاتين، وموقف الخرطوم الداعم لسد النهضة الإثيوبي، وأخيرا ملف جزيرة سواكن التي منحت السودان تركيا الحق في إدارتها واعتبره خبراء مصريون تهديدا صريحا لمصر ومساسا بالأمن القومي، فيما لم يصدر عن السلطات المصرية أي رد فعل تجاه هذا الأمر.
ملف سد النهضة كان أحد الملفات التي وسع هوة الخلاف بين البلدين حيث يدعم السودان السد ويراه في مصلحته، فيما ترى القاهرة أن السد سيؤثر على حصتها المائية، وصدرت أخبار تفيد طلب القاهرة رسميا استبعاد السودان من مفاوضات السد لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبوزيد نفى ذلك مساء الثلاثاء الماضي.
وجاء النفي المصري ردًا على تصريحات نقلتها وسائل إعلام سودانية، عن مصادر إثيوبية لم تسمها، أفادت بإبلاغ وزير الخارجية المصري سامح شكري رئيس وزراء إثيوبيا هيلي ماريام ديسالين خلال لقائهما مؤخرا بأديس أبابا، طلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ببدء مفاوضات ثنائية حول سد النهضة، برعاية البنك الدولي، بصفته جهة محايدة، واستبعاد السودان من المفاوضات.
وقال أبوزيد، إن الخبر عارٍ تمامًا عن الصحة ولا أساس له مضيفا أن الاقتراح الذى تقدمت به مصر بطلب مشاركة البنك الدولي كطرف محايد في مفاوضات اللجنة الثلاثية الفنية، تقدمت به بشكل رسمي للحكومة السودانية أيضًا، وأن مصر تنتظر رد كل من إثيوبيا والسودان على المقترح في أقرب فرصة ممكنة.
الخلافات المصرية السودانية حول السد كانت قد ظهرت للعلن بعد أن قال ابراهيم الغندور وزير خارجية السودان في تصريحات رسمية إن مصر استخدمت لسنوات طويلة جزءًا من حصة السودان من مياه النيل، وإن مصر منزعجة لأنها ستخسر تلك المياه عند اكتمال بناء سد النهضة لكونه سيمكّن السودان من حصته بالكامل.
ورد سامح شكري وزير خارجية مصر بقوله إن ما استخدمته مصر من مياه حصة السودان في السابق كان فائضا عن قدرته الاستيعابية وبموافقته وليس سلفة أو منحة.
ووصف شكري طرح غندور بأنه غير دقيق، معربا عن دهشته واستغرابه من طرح الأمور على هذا النحو، بل الحديث عن دائن ومدين في العلاقات المائية بين البلدين، وهو الأمر غير الوارد اتصالا بالموارد الطبيعية.
وأوضح شكري أن السودان يستخدم كامل حصته من مياه النيل والمقدرة بـ 18.5 مليار متر مكعب سنوياً منذ فترة طويلة.
وأضاف قائلا إنه في سنوات سابقة كانت القدرة الاستيعابية للسودان لتلك الحصة غير مكتملة، وبالتالي كان يفيض منها جزء يذهب إلى مجرى النهر بمصر بغير إرادتها وبموافقة السودان.
الدولتان شكلتا من قبل لجنة عليا لاحتواء أي خلافات بينهما، كما اتفقتا في منتصف العام الماضي، على إقرار ميثاق شرف إعلامي لتجنب الإساءة بينهما.
تراشقات إعلامية
وجاء هذا القرار بعد أن شهدت وسائل الإعلام في البلدين تراشفات بسبب حلايب وشلاتين وحظر السودان دخول الفاكهة والخضراوات المصرية، وصدور تصريحات من وزير الإعلام السوداني تؤكد أن فرعون كان سودانيا، وهو ما رد عليه المصريون بتصريحات مضادة وتأكيدهم أن فرعون كان مصرياً، فيما خرج وزير مصري سابق ووصف وزير الإعلام السوداني بأوصاف غير لائقة.
وشهدت الأزمات بين البلدين تطورا آخر على رأسه القرار الذي أصدرته الحكومة السودانية بفرض تأشيرات دخول على المصريين ومطالبات المصريين لحكومتهم بالتعامل بالمثل وفرض تأشيرات على السودانيين، مع طرد السودانيين المقيمين في مصر.
وشهدت العلاقة توترا جديدا، بسبب إبعاد القاهرة لصحافيين سودانيين، فيما هددت الخرطوم بالمعاملة بالمثل.
وقالت الحكومة السودانية إنها قررت تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل مع القاهرة، رداً على قيام السلطات المصرية بمنع مواطنين سودانيين من دخول أراضيها.
وهدد وزير الخارجية إبراهيم غندور بإبعاد أي مواطن مصري حال تكرر الأمر.
وأضاف أن أبعاد أي مواطن سوداني من مصر غير مقبول، وسيقابله إعادة المواطنين المصريين من السودان إذا تكرر ذلك.
وكشف غندور في بيان تلاه أمام البرلمان السوداني عن اتصالات من نظيره المصري سامح شكري، لحل نقاط الخلاف بين الدولتين خاصة في إشكالات التعامل مع رعايا البلدين في القضايا ذات الطابع القنصلي، معتبراً أن إبعاد صحافيين سودانيين من مطار القاهرة، كاد يعيد العلاقات بين البلدين إلى المربع الأول.
وكانت الأزمة قد تفجرت على خلفية إبعاد القاهرة للصحافيين السودانيين طاهر ساتي وإيمان كمال الدين.
وأتي هذا الخلاف أيضا هذا عقب أيام قليلة من اتفاق بين وزيري الخارجية في البلدين خلال اجتماع عقد بينهما في الخرطوم 20 أبريل الماضي تم التأكيد فيه على التنسيق المستمر لمعالجة أية إشكاليات قد تطرأ في العلاقة بين البلدين، والتنسيق المستمر بشأن القضايا الإقليمية والدولية، وأن يمتد التعاون بين الجانبين ليشمل جميع الوزارات والهيئات الأخرى، وأن تضطلع وزارتا الخارجية بدور في دفع وتعزيز هذا التنسيق.
حركات التمرد الدارفورية
وفي مايو الماضي شهدت العلاقات بين البلدين توترا متلاحقا حيث خرجت تصريحات سودانية تتهم مصر بدعم حركات التمرد الدارفورية، وردت القاهرة أن مصر تحترم سيادة السودان على أراضيه، ولم ولن تتدخل يوما في زعزعة دولة السودان الشقيقة أو الإضرار بشعبها.
وقال أحمد أبو زيد المتحدث باسم الخارجية إن سياسة مصر الخارجية تتأسس على احترام القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار وعدم الاعتداء على الغير، لاسيما عند التعامل مع دول تربطها بمصر علاقات أخوية خاصة مثل السودان الشقيق.
وقال إن مصر شاركت في جميع مفاوضات السلام بين الحكومة السودانية وحركات التمرد الدارفورية .
ورد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هذه الاتهامات أيضا وقال إن مصر لا تتآمر ضد السودان أو أي دولة أخرى، وسياستها ثابتة وهي عدم التدخل في شؤون الآخرين.
وقال عقب لقاء للرئيس السيسي مع مستشار النمسا كريستيان كيرن في مايو الماضي إن مصر لا تتآمر بل تتعاون فقط من أجل البناء ولا تقوم بأي إجراءات معادية تجاه الدول.
القرار السوداني الأخير باستدعاء السفير بالقاهرة للتشاور ورد مصر بأنها ستتخذ الرد المناسب يؤكد أن الخلافات وصلت لقمة ذروتها لكنها في النهاية ربما تشهد انفراجة وحلا عاجلا كما حدث من قبل في كافة الخلافات السابقة، فتصريحات الرئيس المصري الدائمة تؤكد عمق ما يجمع البلدين من روابط تاريخية وعلاقات خاصة ووثيقة.
وخلال لقاء جمعه بوزير الدفاع السوداني في أغسطس الماضي جدد السيسي التأكيد أن العلاقات بين البلدين عميقة وقوية وتحتاج مزيدا من التنسيق والتشاور المكثف بين الدولتين الشقيقتين، وعدم السماح لأية مشكلات بالتأثير على قوة وتميز العلاقات بينهما وهو ما قد يرجح بتدخل على أعلى مستوى لحل كافة الخلافات بين البلدين الشقيقين.