افراسيانت - جريجوري أفتانديليان - الإنجيليون من مؤيدي مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي، يحاولون خلق فجوة بين مسيحيي ومسلمي الشرق الأوسط عبر القراءات المغلوطة والمزورة للكتاب المقدس، والتي تؤيد قرار الرئيس الأميركي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس. وهذا من شأنه أن يحدث شرخا في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في أوقات حساسة وهشة بسبب ما خلفه الإرهاب من ضغائن ومخاوف نتجت عنها هجرة عائلات مسيحية كثيرة غادرت أوطانها الأصلية في الشرق الأوسط قسرا.
تؤكد حادثة إدانة قادة الكنائس المسيحية في منطقة الشرق الأوسط لاعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل على وجود خلافات عميقة بين تلك الطوائف والمجتمع الإنجيلي الأميركي بقيادة مايك بنس، نائب الرئيس.
وعلى الرغم من أن بنس نشأ في عائلة كاثوليكية، فإنه انتمى إلى الطائفة الإنجيلية عندما التحق بالجامعة، وصرح باتجاهه الديني منذ ذلك الحين.
ولعب بنس، دورا هاما في إقناع المجتمع الإنجيلي بدعم ترامب رئيسا للولايات المتحدة في عام 2016، حتى حصل ترامب على 81 بالمئة من أصوات الإنجليين على الرغم من المخاوف والشكوك بشأن سلوك ترامب الشخصي.
وقال بنس في مؤتمر “الدفاع عن المسيحيين” الذي عقد في أكتوبر الماضي بواشنطن إن إدارة ترامب ستركز على حماية مسيحيي الشرق الأوسط وستعتبر ذلك من أولويات خطة الأمن القومي.
وأضاف “يتعرض المسيحيون لاعتداء غير مسبوق في تلك الأراضي القديمة التي نشأ فيها الدين المسيحي أولا. ويمكننا الآن أن نرى في مناطق كثيرة من الشرق الأوسط مستقبلا غير معترف بالدين المسيحي. ولكن هذه الليلة، جئت لأقول لكم: سنمدّ يد المساعدة”.
وقال إن الولايات المتحدة “ستطارد وتدمر” تنظيم داعش الذي ارتكب جميع الأفعال الوحشية ضد مسيحيي ومسلمي الشرق الأوسط. وعلى الرغم من ذلك وفي حين أن هذا الخطاب المعادي لتنظيم داعش، والذي سلط الضوء على اضطهاد الجماعة الإرهابية للمسيحيين، حاز على ترحيب كبير من قبل مسيحيي الشرق الأوسط، إلا أن بعض القرارات الأخرى في أجندة ترامب لم تحز على مثل هذا الإعجاب، بما في ذلك إعلان القدس عاصمة لإسرائيل.
لكن الإنجيليين الأميركيين لديهم وجهة نظر عن إسرائيل والصراع الإسرائيلي الفلسطيني تختلف تماما عن وجهة نظر مسيحيي الشرق الأوسط بشأن نفس المسألة، حيث يؤمن معظم الإنجيليين بالتفسير الحرفي للكتاب المقدس، وأن بعث المسيح لا يمكن أن يحدث إلا بعد أن يتجمع جميع اليهود في الأرض المقدسة ثم يعلنون جميعا اعتناقهم للمسيحية قبل نشوب معركة “هرمجدون”.
وقد دفعت هذه المعتقدات العديد من الإنجيليين إلى تأييد إسرائيل وأبعدت كل الشكوك عن سياساتها. ويعترف الإنجيليون بحق إسرائيل الكامل في الأراضي المقدسة ولا يُظهرون أي تعاطف مع الفلسطينيين. وكنتيجة لذلك، شعر الإنجيليون بسعادة غامرة عندما أعلن ترامب في 6 ديسمبر الماضي، في وجود بنس الذي كان يقف خلفه، باعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل.
لكن مسيحيي الشرق الأوسط، الذين يمثلون العديد من الطوائف المسيحية، لا يؤمنون بحق إسرائيل في الأرض المقدسة، وخاصة القدس، التي تعتبر مقدسة بالنسبة إلى جميع الأديان التوحيدية الثلاثة؛ المسيحية واليهودية والإسلام.
وهم عموما لا يؤمنون بالتفسير الحرفي للكتاب المقدس. ومن ثم يجدون أن اعتقاد الإنجيليين بتجمع اليهود في الأرض المقدسة لاعتناق المسيحية هو أمر عبثي. وبدلا من ذلك، يرون الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أنه صراع يحتاج إلى تسوية سياسية.
وقال أحد قادة المسيحيين اللوثريين الفلسطينيين مؤخرا لصحيفة واشنطن بوست “تمت كتابة الكتاب المقدس في فلسطين وليس في القارة الأميركية، ولكن الناس هناك يقرأون الكتاب المقدس بطريقة تصعّب علينا حياتنا”.
وتنبع مخاوف المسيحيين في الشرق الأوسط ليس فقط من المتطرفين الإسلاميين مثل تنظيم داعش، ولكن أيضا من أن تلك الجماعات الإسلامية المنتشرة سوف تستغل دعم الإنجيليين غير المنطقي لإسرائيل لتشويه صورة المسيحيين ككل.
وعلى مدى العقود العديدة الماضية هجر العديد من المسيحيين المنطقة بسبب الحروب والإرهاب وشعورهم بعدم الاستقرار وبأنهم دائما مستهدفون. فقد غادر ما لا يقل عن ثلثي مسيحيي العراق في فترة ما بعد عام 2003. أما باقي مسيحيي المنطقة فلا يرغبون في تصعيد الأوضاع ولفت الأنظار إليهم بسبب الإنجيليين وإدارة ترامب.
وبالتالي، لم يدِن مثل هؤلاء المسيحيين موقف ترامب تجاه القدس فحسب، بل صرّحوا أيضا أنهم لن يلتقوا ببنس عندما يزور المنطقة. وقال البابا تواضروس الثاني، على سبيل المثال، إن قرار ترامب بشأن القدس جاء “من دون مراعاة مشاعر الملايين من العرب”.
وكان البيت الأبيض قد أعلن، في الثامن عشر من ديسمبر الماضي، تأجيل زيارة بنس إلى الشرق الأوسط حتى يناير بسبب ضرورة تواجده في واشنطن لاعتماد قانون الضرائب.
لكن الحقيقة هي أن تأجيل الزيارة كان بسبب أن الكثير من القادة السياسيين مثل الرئيس الفلسطيني محمود عباس والقادة المسيحيين والمسلمين في القدس وأماكن أخرى في الشرق الأوسط رفضوا مقابلته. لذلك يأمل البيت الأبيض أن تحدث الزيارة بعدما تسكن الأوضاع قليلا وتهدأ تلك المشاعر الثائرة.
لكن الوضع لا يبشر بأي تهدئة لموجة الغضب العارمة، ولا سيما بعد أن طالب ترامب بمعاقبة جميع الدول الأعضاء بمجلس الأمن الدولي الذين صوتوا في 18 ديسمبر برفض إعلان الولايات المتحدة المتعلق بالقدس. وهذا من شأنه ألا يفعل أي شيء لدعم ادّعاء بنس بأن الإدارة تعطي الأولوية لحماية المسيحيين. في الواقع، إن ما يحدث يعرضهم لخطر أكبر. وكما يقول المثل “في وجود أصدقاء مثل هؤلاء -الإنجيليين ومسؤولي الإدارة الأميركية- من هو بحاجة إلى تكوين أعداء؟”.