افراسيانت - طرحت تصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية حول استعداد حركته حل اللجنة الادارية التي شكلتها حماس في غزة وفتح حوار جديد مع حركة فتح العديد من الاسئلة حول توقيتها ودلالاتها وما اذا كانت قادرة على إحداث الاختراق المطلوب في ملف المصالحة المتعثرة.
واعتبر محللون موقف هنية مغايرا لشرط "حماس" المسبق بأن يتراجع الرئيس محمود عباس عن خطواته الأخيرة حيال ملفات الكهرباء والموظفين وغيرها، مقابل حل اللجنة الإدارية، وهو شرط لم تعد حماس متمسكة به كخطوة تسبق حل اللجنة التي أبدت استعدادها لحلها والدخول في حوار موسع مع فتح برعاية مصرية ومشاركة الفصائل.
ويرى المحلل السياسي طلال عوكل أن موقف حماس الاخير يؤكد على أن القاهرة وحدها تستطيع أن تلعب دورا حاسما في ملف المصالحة والعلاقات الفلسطينية الداخلية وكذلك في ملف القضية الفلسطينية بمجمله .
ولفت عوكل إلى أن الرئيس محمود عباس لم يتحدث في تصريحاته عن حوار مع حركة حماس، واكتفى بالخطوات الثلاث التي دعا لتطبيقها من أجل التراجع عن إجراءاته ضد غزة، وأنه لم يقبل مسبقا بالتبادلية ولا بالعديد من المبادرات المماثلة مبينا أن "الرئيس عباس متشدد في موقفه الذي اكد فيه أن وقف الإجراءات مرتبط بحل اللجنة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات عامة، وليس في إطار الحوار كما ترغب حماس بذلك".
ويرى عوكل أنه "لا جديد في مواقف الطرفين وأن كل طرف يسعى لإلقاء الكرة في ملعب الطرف الآخر، وأن الجانبين على قناعة بأنهما ليسا قريبين من انجاز المصالحة والتوصل لتفاهمات" مشيرا إلى أن "خيارات حماس نسبية وتطوير علاقاتها مع مصر لا يعني وجود اتفاق عملي بينها وبين فتح، وأن الخيار هو حوار جديد في القاهرة، وأن الخلاف ليس في الجهة الراعية للمصالحة سواء كانت مصر أم غيرها بقدر ما يتعلق بتمسك كل طرف بشروطه".
وحول إمكانية قبول حركة فتح بما أعلنته حماس، رجح عوكل أن يكون هناك تغيير في حال تم التجاوب رسميا مع هذا الطرح، فتصريحات حماس خرجت من القاهرة وليس من غزة وجاءت بعد لقاءات وفد الحركة مع المسؤولين المصريين الذين تسعى الحركة لتطوير علاقاتها معهم وقال "حماس أرادت بالتصريح من هناك أن تجعل القاهرة شاهدا على تلك التصريحات وأن لديها موقفا إيجابيا يمكن أن يتطور في حال قبلت السلطة به".
وبشأن دعوة حماس لمشاركة الفصائل في الحوارات، قال عوكل "تلك الدعوة أتت كنتيجة طبيعية للحوارات الثنائية التي لم تخرج بأي اتفاق ولم تحقق أي نجاح. جميع اللقاءات والمبادرات التي تم طرحها سابقا كانت محكومة بالطرفين ولم تنجح، ولذلك فان حماس ومنذ وقت مبكر دعت لحوار وطني بمشاركة الكل لأنها تعي أن القضية وطنية فلسطينية وأنه حان الوقت من أجل لملمة الجهود وترتيب البيت الداخلي، وهي خطوة جيدة وصحيحة تهدف للاستفادة من تجربة الماضي وفتح آفاق جديدة باتجاه العلاقة مع الفصائل".
وحول ما إذا كان موقف حماس الجديد نابع من تغييرات متوقعة على سياسة المكتب السياسي الجديد للحركة الذي يجتمع لأول مرة في القاهرة، قال عوكل ان "الانتخابات الداخلية الأخيرة وما أفرزته من مكتب سياسي جديد تشير إلى أن هناك توجهات براغماتية قد تتجاوز في محتواها الوثيقة السياسية الجديدة للحركة التي كانت بحاجة لتفسير بعض الغموض في عدد من جوانبها، وباعتقادي فان الحركة ستتجه لقراءة جديدة مختلفة وأكثر موضوعية للواقع العربي والدولي وتجري تغييرات حقيقية، وان توجه حماس للقاهرة ستطرأ عليه استحقاقات يبدو أن الحركة مستعدة للتعامل معها ليس فقط في الملف الأمني بل في ملفات سياسية وقضايا كثيرة".
من جهته رأى ناجي شراب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة أن "موقف حماس فيه قدر من المرونة والإيجابية، ويأتي استجابة لمطالب شعبية وفصائلية بحل اللجنة الإدارية"، مشيرا إلى أن "قرار حل اللجنة من عدمه لا يشكل أهمية كبيرة بالنسبة لحماس لأنه بها أو بدونها فالقائمون على الوزارات في غزة هم من يديرونها، ولكن يؤخذ على وجودها كأنها بديل للحكومة".
ويرى شراب أن الموقف الجديد للحركة يفسح المجال أمام حلحلة الحالة السياسية الفلسطينية، وينزع أحد المبررات السياسية التي تتمسك بها الرئاسة الفلسطينية للتراجع عن الإجراءات التي اتخذت، وأن حل اللجنة سيضع الكرة في ملعب الرئيس محمود عباس للتراجع عن إجراءاته الأخيرة وفتح نافذة وإن كانت ليست كبيرة للدخول في مرحلة حوار جدي بين الجانبين.
وأشار إلى أن تغير موقف حماس بحل اللجنة الإدارية دون شروط يأتي كبادرة حسن نية بناءً على مطلب مصري على أساس أن هذا الإجراء يفتح باب المصالحة المغلق حتى الآن من أجل الحوار.
وحول إمكانية تجاهل السلطة الفلسطينية للدور المصري في ظل الحديث عن خلافات بين الجانبين بشأن العملية السياسية، قال شراب "لا بديل لدور مصر في ملف المصالحة والقضية الفلسطينية بحكم ارتباطها تاريخيا وسياسيا وجغرافيا وقوميا بها، والرئيس عباس يدرك محورية الدور المصري خاصةً وأن مصر لم تتخل عن الشرعية الفلسطينية بانفتاحها على غزة، ولم تأت هذه العلاقة على حساب الموقف الكلي من القضية، ولذلك فان مصر تصر على ملف المصالحة ووجود حرس الرئيس على معبر رفح باعتبار ذلك أحد مكونات اتفاق 2005 لمعبر رفح".
ويرى ان "مصر منحت حماس فرصة سياسية كبيرة بالسماح لمكتبها السياسي الجديد للانعقاد لأول مرة في أراضيها، وهي رسالة بعيدة المدى تشير إلى أنه يمكن أن تكون مصر مقرا لحماس في المستقبل كحركة وطنية فلسطينية خالصة، وبالتالي فهي فرصة ورسالة قوية ولكن بنفس الوقت لا ينبغي تبسيط الأمور وأن نتجه كثيرا للتفاؤل، فحركة حماس لا زالت تحكمها محددات دينية وترتبط بالإخوان المسلمين فكريا وتعيش في حالة استقطاب إقليمي"، مشيرا إلى أن "الحركة وصلت إلى مرحلة جيدة في العلاقة مع مصر بعد مرحلة الاصطدام والعداء وانتقالها إلى مرحلة القطيعة والتوتر ومن ثم إلى مرحلة الانفراج في العلاقات بين الجانبين".
واضاف "لكن يبقى أن تتحول هذه العلاقات لمرحلة متقدمة، بتكيف حماس واستجابتها للأولويات الأمنية لمصر في سيناء، وثانيا الارتباطات التنظيمية بالإخوان، وحماس تدرك خطورة التحولات في حركة الإخوان وتحاول أن تجسد نفسها بأنها حركة اقرب للوطنية من أن تكون فرعا للإخوان المسلمين".
وحول خيارات الحركة في ظل مكتبها السياسي الجديد، قال شراب ان "خياراتها محدودة، وهي لا ترغب بالذهاب لخيار إسرائيل باعتباره الأسوأ، وترى في خيار مصر الأفضل، وبالتالي فهي وبعد عشر سنوات من الحكم اكتشفت أن هناك مزيدا من الأزمات والتحديات والحصار والحروب، وبالتالي ووفقا لاعتبارات السياسة، فهي الخاسر من هذا كله، ولا يمكن لها أن تستقل بغزة بشكل كلي، خاصةً وأن هناك فارق كبير بين الاستقلال كأمر واقع، وبين أن يكون سياسيا".
من جانبه رأى المحلل السياسي إبراهيم المدهون أن موقف حماس جاء في إطار تبنيها لوجهة النظر المصرية بهدف حل الإشكالية الداخلية الفلسطينية، مشيرا إلى أن حركة حماس استجابت لذلك بإبداء استعداداها لحل اللجنة وهي بانتظار استجابة أخرى من الرئيس عباس وان يبادلها بخطوة من خلال التراجع عن الخطوات التي اتخذها مؤخرا.
وأعرب المدهون عن اعتقاده في أن نجاح هذه الخطوة سيمثل اختراقا يحسب للمسؤولين المصريين في ظل الواقع الفلسطيني المعقد وأنه "في حال لم يتم ذلك فستكون هناك معضلة كبيرة ستجعل مصر تمضي قدما في تعزيز تفاهماتها مع حماس وتيار محمد دحلان، والنظر في آليات جدية للخروج من الأزمات التي يعيشها القطاع، والتي يبدو أن وفد حماس أوصل رسائل واضحة للمسؤولين المصريين حول المعاناة والأزمات وعدم قدرة الشعب على التحمل بعد تحول الأوضاع في غزة إلى حالة موت بطيء وسجن ضيق وصعب مع تفشي البطالة وإغلاق المعبر وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة".
وأشار المدهون إلى أن التداعيات الخطيرة للأزمات في غزة، ومنها إمكانية وقوع مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي في ظل بناء جدار جديد على الحدود وتضييق الخناق أكثر على القطاع، دفعت مصر للتحرك بشكل جدي وجعلت حماس أكثر مرونة وتجاوبا وتعاطيا مع الموقف المصري، مشيرا إلى أن "الجميع ينتظر الآن موقف الرئيس عباس وتوجهه، خصوصا أن أيا من قيادات فتح والسلطة لم تعقب على موقف حماس".
وقال "حماس لم تضع شروطا لحل اللجنة، ولكنها كانت ذكية من خلال موقفها بأنه يجب أن يكون الطرف الآخر مستعد للتراجع عن إجراءاته، باعتبار أن يدا واحدة لا تصفق، ويجب أن تكون هناك يدان وقدمان لكي يسير مشروع المصالحة".
وحول إمكانية قبول الرئيس عباس بطرح حماس، قال المدهون "أبو مازن ذكي وشخصية تستطيع أن تجيد فن المراوغة السياسية والقدرة على البقاء بالتمسك بشروطه، وهذا سيكشف إن كان جديا للمصالحة أو أن شروطه كانت تعجيزية"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الرئيس عباس معني ولو شكليا بترتيب هذه الأمور الداخلية خصوصا وأنه سيذهب للأمم المتحدة نهاية الشهر وغير معني بخسارة مصر وان لا يظهر أمام الشعب بخسارة".
وقال "الرئيس عباس يتحفظ على سياسة مصر بسبب إشراك تيار محمد دحلان الذي لا يريد مشاركته في السياسة الفلسطينية، ويعتبر ذلك تدخلا في سياسات فتح الداخلية، خاصةً وأن دحلان شخصية غير مرغوب فيها لدى السلطة، ويعتبر بأنه يشكل تهديدا شخصيا للرئيس عباس. الرئيس لا يريد المغامرة بأي مشروع يكون فيه لدحلان الحق بالعودة للمشهد الفلسطيني وهذه هي عقدة الخلاف مع مصر وهو يحاول المراوغة بما يطرحه المصريون لقبول مثل هذا الطرح".
وعن ارتباط مواقف حماس الجديدة بالمكتب السياسي الذي انتخب مؤخرا، أكد المدهون أن كل مكتب سياسي جديد له رؤية جديدة وخاصة، وأن هناك تغيير جوهري وكبير في قيادة حماس في كافة المواقع وان "هذا يعني أن هناك روحا جديدة ومتجددة والأمور الاستراتيجية متفق عليها من خلال الوثيقة، وحماس حركة مؤسساتية وكل مؤسسة لها ثقلها، ولذلك فهي تتجدد وتتطور وتتماشي مع السياسية وغير جامدة، ووجودها في مصر نوع من التجديد، وتطوير العلاقة لهذه الدرجة ولاجتماع في القاهرة مع نظام السيسي يعطي إشارة أن هناك تجديدا ورؤية جديدة، ولكن لا يعني ذلك أن علاقتها مع مصر ستكون على حساب الآخرين، في ظل أنها تحاول كسب الجميع ولا تقف مع طرف ضد آخر، باعتبار أن ذلك يضر المشروع الوطني والقضية تحتاج الجميع بكل المتناقضات".