افراسيانت - بقلم: الدكتور محمد فراج أبو النور* - تشير كل الشواهد إلى أن زيارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى القاهرة تتسم بأهمية بالغة، وأن نتائجها لن تقل أهمية عن نتائج زيارة الرئيس السيسى إلى روسيا فى أغسطس الماضي، والتى تجيء زيارة بوتين ردا لها.
ومن المتوقع أن يتم خلال الزيارة التوقيع على عدد من الاتفاقيات وبحث عدد من المشروعات المشتركة فى مختلف مجالات التعاون العسكرى والأمنى والاقتصادى والعلمى والتكنولوجي، فضلا عن تعميق مستوى التفاهم السياسى بين القاهرة وموسكو بشأن القضايا الاقليمية الأكثر أهمية، بما يتيح دفع العلاقات بين البلدين بخطوات جديدة كبيرة إلى الأمام.
وإذا كانت هذه الموجة الإرهابية الواسعة والشرسة تمثل خطرا داهما على المنطقة العربية كلها وفى القلب منها مصر، فإنها تثير قلقا عميقا لدى روسيا لما تمثله من خطر على مصالحها الإستراتيجية فى المنطقة، فضلا عن إمكانية امتداد عدواها ـ بحكم التقارب الجغرافى إلى المناطق الجنوبية الروسية ذات الأغلبية المسلمة فى القوقاز.
ولهذا السبب أساسا كان التأييد الحار الذى أبدته روسيا تجاه ثورة 30 يونيو، التى اطاحت بحكم جماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية، ووجهت ضربة قاصمة لمخطط «الشرق الأوسط الجديد» الذى يهدف إلى تمزيق المنطقة إلى دويلات وكانتونات طائفية وعرقية متناحرة، وكانت مسارعة موسكو للإعلان عن استعدادها لتقديم كل أشكال الدعم الممكنة لمصر، لمواجهة الإرهاب على أرضها وحماية حدودها وإعداد قواتها المسلحة للنهوض بدورها الطبيعى فى حماية الأمن القومى للدول العربية الشقيقة إذا ما اقتضى الأمر، وبما فى ذلك التعاون الأمنى فى مكافحة الإرهاب، وتعزيز التعاون فى مختلف المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية وغيرها. ومن الطبيعى أن تشهد قمة السيسى ــ بوتين سبل استمرار تطوير التعاون فى المجال العسكري. كما أشارت مصادر روسية إلى أنه سيتم خلال الزيارة مناقشة موضوع التعاون التكنولوجى فى المجال العسكري. ويشار هنا إلى أن مسألة إعادة تأهيل وتحديث المصانع الحربية المصرية، المقامة بتكنولوجيا روسية (سوفيتية) منذ العهد الناصرى هى واحدة من القضايا المطروحة للنقاش منذ فترة بين المختصين فى البلدين.
وستكون قضية مكافحة الإرهاب فى الشرق الأوسط (وفى القلب منه مصر) واحدة من أهم القضايا على أجندة محادثات الرئيسين، وتشير التقارير إلى أنه سيكون أمامهما «ملف كامل» لقضية الإرهاب فى المنطقة، والمواقف والإجراءات المطلوب اتخاذها لمواجهته، كما انه من المتوقع أن يتم الاتفاق أثناء الزيارة على خطوات لتطوير التعاون الأمنى بين القاهرة وموسكو، وتوسيع نطاقه، سواء من حيث تبادل الخبرات والمعلومات بين الأجهزة المعنية فى البلدين أو امداد مصر بالتكنولوجيا الروسية المتقدمة فى مجالات الرصد والتتبع والتنصت والرؤية الليلية وغيرها، كما يتوقع المراقبون.. وهى الأجهزة ذات الأهمية الكبيرة فى مكافحة الإرهاب. كما نلفت النظر إلى أن روسيا يمكن أن تقدم لنا خدمة كبرى فى مجال مكافحة الإرهاب ومراقبة الحدود، من خلال امدادنا بالصور التى تلتقطها أقمار الاستطلاع الروسية لأراضينا، وهذه الأقمار تجوب الفضاء وتصور كل بوصة على وجه الأرض على مدار الساعة.. ومن ثم يقوم خبراؤنا باستقبالها وتحليلها، وهى خدمة مألوفة بين الدول الصديقة، بل وعلى أساس تجارى فى كثير من الأحيان.
غير أن الأهم من هذا ـ وإلى جانبه طبعا ـ هو الاستفادة من تكنولوجيا الفضاء الروسية عالية التطور فى تطوير تكنولوجيا فضاء مصرية وبناء منظومة من أقمار الاستطلاع الخاصة بنا، وتدريب علمائنا وخبرائنا فى هذا المجال. ومعروف أن روسيا قد ساعدتنا فى اطلاق قمر صناعى مصرى منذ فترة قريبة، لكن التعاون فى هذا المجال لايزال دون المأمول. وتشير التقارير إلى أنه من المتوقع خلال زيارة بوتين توقيع اتفاقيات عديدة للتعاون الاقتصادي، واجراء محاولات حول إمكانية الاتفاق بشأن عدد كبير من مشروعات التعاون، خاصة فى مجال الطاقة.
ويشار إلى أن الجانب الروسى يحمل عرضا محددا بتقديم قرض ميسر قدره مليار ونصف المليار دولار لمصر فى حالة إسناد مشروع محطة الضبعة النووية إلى روسيا، سواء بشكل مباشر أم من خلال مناقصة دولية. وهى مسألة جديرة بالاهتمام لما هو معروف من تقدم روسى كبير فى هذا المجال فضلا عن ميزة مهمة تتمثل فى استعداد موسكو لتوطين التكنولوجيا وتدريب الفنيين والخبراء فى هذا المجال.
ومن المشروعات الاقتصادية المهمة المطروحة للبحث خلال زيارة بوتين مشروع إنشاء منطقة صناعية روسية فى إطار مشروع قناة السويس الجديدة وهو المشروع الذى كان مقررا إقامته فى برج العرب منذ زيارة الرئيس الروسى السابق لمصر عام 9002.. لكن نظام مبارك لم يهتم حتى بتخصيص وترفيق الأراضى اللازمة له!!
كما سيناقش الرئيسان مسألة إمكانية إقامة منطقة تجارة حرة بين مصر والاتحاد الأوروـ أسيوى الذى يضم روسيا وبيلا روسيا وكازاخستان وأرمينيا ومن المقرر أن تبدأ لجنة مشتركة خاصة بحثها للشروط التفصيلية خلال أسابيع، إذا ما تم الاتفاق النهائى على ذلك خلال القمة. ومن شأن هذا الاتفاق أن يمنح السلع المصرية ميزات تفضيلية مهمة فى أسواق هذه البلدان.
مشكلة تناقص أعداد السياح الروس الوافدين إلى مصر، واحدة من المشكلات التى تحتاج معالجتها إلى قرار على أعلى مستوي، وربما على المستوى الرئاسي. فقد نتج عن تدهور سعر صرف الروبل مقابل الدولار (بسبب انخفاض أسعار البترول والغاز أساسا بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية الأوروبية أن تكلفة السياحة الخارجية قد ارتفعت بالنسبة للسائح الروسى بنفس نسبة انخفاض سعر صرف الروبل مقابل الدولار (أكثر من 04%) ونتيجة لذلك تم إلغاء كثير من عقود السياحة الروسية لعجز المواطنين الروس عن توفير التكلفة الإضافية للرحلات.
وكعلاج لهذه المشكلة اقترح عدد من الخبراء فكرة دفع السياح الروس لنفقاتهم بالروبل فى مصر، مقابل سعر صرف يتسم بدرجة من الثبات النسبي، وبحيث يمكن لمصر فى المقابل دفع بالجنيه المصرى مقابل السلع الروسية، فى حدود حجم ما لدينا من روبلات. غير أن عملية التبادل بالعملة الوطنية هذه تحتاج إلى تسويات مصرفية معقدة، لابد أن تتم تحت إشراف البنكين المركزيين فى البلدين، وبتعبير آخر فإنها تحتاج إلى قرار سياسى والواقع أن أهميتها الاقتصادية تجعلها جديرة بالبحث على أعلى مستوي، حتى لا تخسر مصر ما يتراوح بين ربع ونصف عدد السياح الروس، حتى يستعيد الروبل عافيته أمام الدولار، بينما نحن نبذل جهودا مضنية من أجل اجتذاب السائحين.
*خبير فى الشئون الروسية