الحكومة القطرية قد تضطر إلى الاعتماد على الطرق البحرية أو الجوية في تدفق البضائع، وهو ما يمثل تحديا لوجستيا لها، في حال ظلت الحدود مغلقة.
الدوحة - افراسيانت - في الأيام الماضية رن الهاتف في قطر أكثر من أي وقت مضى، حيث انهالت مكالمات من أصدقاء كثيرون للسؤال عن الوضع الحالي في البلد، هكذا يروي موظف في إحدى الشركات الألمانية يعيش في العاصمة القطرية الدوحة منذ أكثر من ثلاثة أعوام ويفضل عدم الإفصاح عن اسمه. وكانت إجابته على أسئلة أصدقائه واحدة تقريبا "أحوالنا جيدة. كل الأمور في الحياة اليومية تسير كالمعتاد".
هذه الأسئلة المكثفة عن الأحوال في قطر صارت أمرا طبيعيا الآن بعدما أعلنت جاراتها السعودية والبحرين والإمارات ودول أخرى خارج منطقة الخليج مثل مصر قطعها لكافة العلاقات الدبلوماسية معها. ليس هذا فحسب، فقد وصل الأمر إلى حد إغلاق الحدود ووقف حركة الطيران معها. فلم يعد مسموحا للطائرات القطرية بالتحليق فوق السعودية، وستضطر الطائرات المقلعة من قطر للتوجه إلى أوروبا على سبيل المثال حاليا للتحليق فوق إيران.
وفي وسائل الإعلام ظهرت خلال الأيام الماضية تقارير عن تكدس للقطريين في المتاجر قلقا من التطورات اللاحقة، وهو ما دفعهم - بحسب التقارير - إلى التكالب على شراء المواد الغذائية لدرجة أدت إلى خلو الأرفف في المتاجر.
هذه الأنباء لم يستطع الموظف في الشركة الألمانية تأكيدها، حيث قال "في أول يومين كان هناك بعض الطوابير في المتاجر، لكن سرعان ما تم إعادة ملء الأرفف الفارغة. ما فرغ فقط هي أجهزة الفريزر التي بها الدجاج المجمد القادم من السعودية"، وكذلك الحال بالنسبة لثلاجات الألبان الطازجة التي يتم إنتاجها في السعودية.
الأزمة نتاج سياسة خارجية قطرية أثارت استياء جيرانها في الخليج منذ فترة طويلة، خاصة السعودية التي يغضب قادتها في المعتاد من علاقات قطر بإيران.
صحيح أن قطر أغنى دولة في العالم بسبب احتياطياتها الضخمة من الغاز، فدخل الفرد في أي دولة في العالم لا يضاهي مستوى دخل الفرد في قطر، إلا أن هذه المقاطعة تعرضها للخطر بسبب وضعها الجغرافي، فالحدود البرية لشبه الجزيرة القطرية تقتصر على السعودية، وعلى تلك الحدود يتكدس حاليا عدد كبير من الشاحنات المحملة بالبضائع.
وبحسب بيانات قطرية رسمية فإن 70% من واردات قطر تأتي من السعودية والإمارات. وإذا ظلت الحدود مغلقة على الدوام فهناك مخاوف من أن تعاني قطر من عجز في توفير العديد من المنتجات، حيث ستضطر إلى الاعتماد على الطرق البحرية أو الجوية بالكامل في تدفق البضائع، وهو ما يمثل تحديا لوجستيا لها.
لكن وسائل الإعلام المقربة من الحكومة في قطر لا تريد التطرق إلى هذه المشكلات، فهي متسقة تماما مع توجه البلاط الحاكم. "كلنا تميم كلنا قطر"، هكذا كان عنوان صحيفة "الشرق" القطرية هذا الأسبوع بجانب صورة لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني.
ولم تنطلق من وسائل إعلام قطرية أخرى سوى رسالة واحدة مفادها: الوضع تحت السيطرة. ويقول الشيخ خليفة بن جاسم بن محمد آل ثاني رئيس غرفة تجارة قطر إن مخزون السلع الأساسية يكفي لأكثر من 12 شهرا.
هذه الأزمة نتاج سياسة خارجية قطرية أثارت استياء جيرانها في الخليج منذ فترة طويلة، خاصة السعودية التي يغضب قادتها في المعتاد من علاقات قطر بإيران، وهي علاقات ذات أهمية لقطر لأنها تتشارك مع الجارة الشيعية حقل غاز ضخم في الخليج.
كما تشعر السعودية وحلفاؤها أيضا بالاستياء من قناة الجزيرة الممولة من الدوحة، التي تستغل قطر صوتها المؤثر في العالم العربي في ممارسة النفوذ. فالقناة تبث تقارير إيجابية عن جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يثير ضجر الحكام في السعودية والإمارات ومصر أيضا، حيث يرون الجماعة تهديدا لحكمهم وصنفوها لذلك كمنظمة إرهابية.
ولا تحاول قطر في هذا الوضع المشتعل أن تسكب زيتا على النار. فالأمير تميم لم يدل بتصريحات للرأي العام حتى الآن، كما أوضح وزير خارجيته محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني أن بلاده لن تتخذ خطوات تصعيدية، لكن لم يلح في الأفق حتى الآن أي بوادر لرضوخ من قطر، بل إن وزير الخارجية اتهم الدول المقاطعة بشن حملة تحريضية قائمة على أكاذيب على بلده.
ورغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف بوضوح في صف السعودية، فإنه لا يزال بإمكان قطر الاعتماد على النفوذ الأميركي، حيث نشرت وزارة الخارجية القطرية سلسلة من التغريدات عن تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الأميركية في واشنطن، والتي سعت بدورها إلى احتواء تصريحات ترامب ضد قطر. ففي النهاية قطر حليف مهم للولايات المتحدة، لا سيما بسبب قاعدة "العديد" الجوية التي يتمركز فيها أكثر من عشرة آلاف جندي أميركي.
لكن لا شيء ينم الآن عن فرصة لتسوية سريعة للأزمة، بل العكس. يقول الموظف في الشركة الألمانية في الدوحة إنه قلق من التطورات الأخيرة، مشيرا إلى أنه سيعود هذا العام كما هو خطط منذ فترة طويلة إلى بلده، وقال "عندما أغادر قطر سأتنفس الصعداء".