افراسيانت - بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقاليد الرئاسة في البيت الأبيض، يلاحظ المراقبون أن السياسة الخارجية الأميركية لا تزال تتأرجح بين الغموض والارتباك، وأحياناً المواقف المتناقضة.
ولم تبدد عودة الرئيس الأميركي من جولته الخارجية الأولى السبت الماضي، التي استمرت تسعة أيام شملت العاصمة السعودية الرياض، والقدس وبيت لحم والفاتيكان وبروكسيل وانتهت بلقاء الدول السبع الغنية في جزيرة صقلية، وما تخللها من تصرفات واستفزازات، لم تبدد هذا الغموض، خاصة وأن الرئيس ترامب عاد إلى واشنطن ليواجه سيلاً من التحقيقات بشأن الإدعاءات حول تواصله مع الزعماء الروس أثناء حملته الانتخابية وحتى بعد فوزه، وأن صهره جاريد كوشنر، الذي يمارس عملياً مهام وزير الخارجية، (خاصة في منطقة الشرق الأوسط)، مرشح لاحتمالية المثول أمام العدالة، وربما الإدانة، بسبب محاولاته غير المباشرة تأسيس قنوات سرية مع الروس يقول الخبراء انها "ترقى لجرائم عرقلة العدالة" بما سيكون له أثرا سلبياً على جهود ترامب لإطلاق مفاوضات سلام مباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل.
ولكن أهم ما يلفت النظر جاء في صيغة اجتماعات كبار مستشاري الرئيس دونالد ترامب للسياسة الخارجية في البيت الأبيض، (خاصة بعد عودة الرئيس مؤخراً) لمناقشة الخطط الرامية إلى تغيير إستراتيجية الإدارة تجاه أفغانستان، حيث أن الأشخاص الذين تواجدوا (ويتواجدون في الاجتماعات المماثلة) كلهم من ذوي الخلفيات العسكرية "مما "يعطي مؤشرً واضحاً على تحول جذري في السياسة الخارجية الأميركية" بحسب تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الثلاثاء، 30 أيار 2017.
وتقول الصحيفة في تقريرها "لقد شغل المقاعد الرئيسية في غرفة الاجتماعات 4 جنرالات عسكريين حاليين أو متقاعدين يهيمنون على جميع القرارات الكبرى المتعلقة بالأمن القومي التي يتخذها ترامب".
واضافت "لكن أكثر ما يجذب الانتباه إلى هذا الاجتماع هو الأصوات التي تغيبت عنه، حيث انه عُقد بينما كان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في نيويورك، ما جعل نائبه يحضر عوضاً عنه".
يشار إلى أن العسكريين الذين تحدثت عنهم صحيفة واشنطن بوست هم: الجنرال هربرت (إتش.آر.) ماكماستر، مستشار الأمن القومي؛ والجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة؛ والجنرال المتقاعد جيمس ماتيس، وزير الدفاع ؛ والجنرال المتقاعد جون كيلي، وزير الأمن الداخلي.
وبحسب الصحيفة "قال مسؤولون أميركيون شاركوا في الاجتماع إن معظم الحاضرين بدوا مقتنعين بأن خطة أفغانستان ستُحال إلى الرئيس ليضع عليها موافقته النهائية، ولكن تيلرسون لم يكن مؤيداً لها، لاعتقاده أن الخطة لا تعالج بما يكفي الدول الأخرى التي لها مصلحة في أفغانستان، مثل باكستان وايران والهند، ولقوله أنها تدعو إلى تعزيز وجود وزارة الخارجية في مواقع خطرة خارج كابول".
ويعتقد الخبراء في واشنطن أن هذا الخلاف ينذر بتحول سياسي رئيسي، من شأنه أن يعود بتداعيات كبرى على وزارة الدفاع والخارجية والميزانية الإتحادية الأميركية، بسبب حجم النفوذ الذي يتمتع به العسكريون داخل إدارة ترامب، حيث ان المسؤولين العسكريين الحاليين والمتقاعدين لا يشغلون مناصب عليا في أبرز مؤسسات الحكومة فحسب، ولكنهم يشغلون أيضاً مناصب كبرى داخل البيت الأبيض كانت في الماضي حكرا على المسؤولين المدنيين أو الدبلوماسيين ذوي الخبرة.
وتبين المراجعة التي أجرتها صحيفة "واشنطن بوست" أن "ما لا يقل عن 8 من أصل 25 منصباً من المناصب السياسية والقيادية العليا في مجلس الأمن القومي يشغلها مسؤولون عسكريون حاليون أو متقاعدون، بعد أن كان لا يوجد سوى مسؤولين من هذه الفئة في نهاية عهد باراك أوباما".
ويعكس هذا التغيير الذي لحق بخلفيات موظفي مجلس الأمن القومي إعجاب ترامب بالعسكر وشغفه باستعراض القوة العسكرية الأميركية، حيث طالما وعد مراراً، خلال الحملة الانتخابية وحتى بعد تنصيبه، بـ"ضرب داعش بلا رحمة" وبتبني مواقف أكثر صرامة حيال عدد من الخصوم، ومن بينهم إيران وكوريا الشمالية.
وتحذر صحيفة "واشنطن بوست" من أنه ومنذ تسلمه السلطة يوم 20 كانون الثاني من هذا العام ، "كان لوجهة نظر ترامب تلك تبعات على السياسة الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي نفسه، ففي الشرق الأوسط، أكد ترامب دعمه للحلفاء العرب وأعطى الأولوية إلى رغبته في احتواء إيران وقصف الجماعات المتطرفة، وليس إلى حقوق الإنسان والتغييرات الرامية إلى تحسين الحياة في المجتمعات المغلقة والقمعية كما كانت تفعل إدارة أوباما".
يشار إلى ان القوات المسلحة الأميركية طالما دعت إلى مثل هذا التحول ، وهو بالفعل ما قام به الرئيس ترامب حيث منح القوات العسكرية الأميركية مزيداً من الحرية لشن مزيد من الغارات الجوية والصاروخية في اليمن والصومال، ، ومكَّن القادة على الأرض من اتخاذ القرارات التي كانت تدار بإحكام من قبل البيت الأبيض في السابق.
ويرى بعض المحللين أن الوجود الكثيف للضباط العسكريين في مجلس الأمن القومي، (كثير منهم ساهموا في صياغة أساليب رد إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش على المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأميركي للعراق خلال العقد الماضي)، لا يمكن تان يحقق نتيجة مستقرة ومستدامة في أماكن مثل العراق واليمن وسوريا بسرعة أو بثمن زهيد.
ويساور القلق خبراء آخرين بشأن مشاركة هؤلاء المسؤولين العسكريين في حروب على مدى السنوات الـ15 الماضية ما قد يجعله من الصعب بالنسبة لهم إلقاء نظرة أوسع نطاقاً على القوة والنفوذ الأميركي في العالم، الذي يتجاوز النزاعات المسلحة الجارية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
يشار إلى أن التقييمات الأولية لجولة الرئيس ترامب الخارجية لعدد من الخبراء تقول أن ترامب قلب السياسات الخارجية الأميركية التقليدية رأسا على عقب خــلال الجولة (التي تضمنت عدة محطات في الشرق الأوسط وأوروبا) مشيدا بقادة في الشرق الأوسط لهم سجلات مثيرة للجدل في حقوق الإنسان، في الوقت الذي طالب فيه حلفاء أوروبيين تقليديين بدفع المزيد من الأموال من أجل الدفاع عن دولهم، كما أنه رفض (ترامب) في قمة البــلدان السبع الصناعية الكبرى (في جزيرة صقلية) التماسات من البــلدان الست الأخرى الحليفة لبلاده لمواصلة المساندة الأمريكية لاتفاق باريس للمناخ وأصر على أنه بحاجة لمزيد من الوقت لاتخاذ قرار بهذا الشأن.