افراسيانت - بقلم محمد السودي - قائمة طويلة ليست لها نهاية من الجرائم والعقوبات الجماعية التي تندرج معظمها في إطار جرائم الحرب ضد الإنسانية وفق معايير القانون الدولي واتفاقيات جنيف الإربع تنتهجها حكومات الإحتلال المتعاقبة ضد الحقوق الوطنية الفلسطينية ، لكن سُعار هذه الفظائع تصل حد الذروة جُلها تعزف على وتر سكيولوجية نظرية التهديد الوجودي الأمنية حين تنطلق حملات الإنتخابات الإسرائيلية الداخلية حيث تصبح الحقوق ذات الصلة بالإنسان الفلسطيني وممتلكاته مُستباحة وموضع تنافس رخيص ومزايدات شديدة وتوظيف مقيت للتشدّد والكراهية بين مختلف الأحزاب الصهيونية جميعها ، وحقيقة الأمر فإن الفوارق تتلاشى تماماً بين هذه الأحزاب بغض النظر عن جذورها الأيديولوجية يمينيةً متطرفة كانت أم يسارية إذا صح التعبير المجازي كونها تقف على مسافة واحدة تحت مظلـة المشروع الصهيوني القائم على التوّسع والتنكـّر لحقوق الشعب الفلسطيني مايؤكد على طبيعة جذر الصراع واستحالة التعايش بين الأضداد .
إن نظرة فاحصة لمجريات مسار الإستيطان الإستعماري تدّل بوضوح شديد أهمية اختيار التوقيت وإصرار الإحتلال على تنفيذ مخططات قديمة متجددّة متزامنة مع الحملة الإنتخابية تقضي بناء اربع عشر ألفا وخمسمائة وحدة استيطانية في اراضي الضفة والقدس الشرقية التي لم يتبقى من أراضيها سوى ثلاث عشر بالمائة ومصادرة الباقي خدمة لأغراض التوسع والضّم ، جدير بالذكر ان مايقارب من سبعمائة ألف مستوطن يقطنون المستعمرات يتضمن العدد مائتي ألف في القدس الشرقية وحدها تسعى اسرائيل لزيادة أعدادهم بشتّى الوسائل إلى اربعمائة ألف حتى عام 2020م لإحداث خلل ديمغرافي لصالح اليهود ، كما تهدف أيضاً إنشاء معازل تجعل من امكانية التواصل الجغرافي بين المدن والقرى الفلسطينية أمراً مستحيلاّ فضلا عن القضاء على فكرة قيام دولة مستقلة ذات سيادة بين النهر والبحر وتجاهل الحديث عن قضايا الوضع النهائي المشارإليها في اتفاقيات التسوية السياسية المفترضة منذ مؤتمر مدريد مروراً باتفاق أوسلو وملحقاتها ما يؤكد على عدم اكتراث هذه الحكومات المتعاقبة بالعملية السياسية أو القوانين والمواثيق الدولية الأخرى في ظل الحماية المطلقة التي توفرها الإدارة الأمريكية الشريك الإستراتيجي لها حيث تقف حائلاً أمام مسائلتها ومحاسبتها على جرائمها رغم علمها بدقائق الأمورعن الطرف المُعطـل للعملية السياسية التي باءت بالفشل الذريع .
الإنتخابات المقررة في السابع عشر من شهر أذار المقبل التي تبدو شراستها واضحة المعالم بين معسكرالليكود واقطاب اليمين المتطرف المتحالفة معه ، وبين معسكر يسار الوسط حزب العمل برئاسة "هيرتزوغ" وحزب الحركة بزعامة "تسيبي ليفني" إذ ترجّح استطلاعات الرأي فوز الأخير بفارقٍ ضئيل عن الأول أو يوازيه في ظل فضائح الفساد التي تُزكم رائحتها الإنوف من جهة والعزلة الدولية غير المسبوقة من جهة أخرى ، بينما يتراجع حليفه السابق " ليبرمان" وجه الدبلوماسية الإحتلالية إلى الصفوف الأخيرة الذي استذكر ماضيه البلطجي وصعّد لهجته ضد القيادة الفلسطينية بقوله "سنبقى نحتجز الأموال الفلسطينية حتى يتم طرد الرئيس خارج السلطة" الأمر الذي يدفع "نتنياهو" إظهار بعض مافي جعبته باتجاه مغامرات طائشة بالهروب نحو ميادين القتال قد تعيد له شيئا مما فقده نتيجة اخفاقاته المتكررة على أكثر من صعيد خاصة مايتعلق بالوضع الأقتصادي والإجتماعي المأزوم ، كما حدث في محيط مدينة القنيطرة السورية باغتيال عدد من قيادات وكوادر حزب الله بينهم ضابط إيراني برتبة عالية ، لكنه اخطأ في الحسابات مرة أخرى ولم يتوقع سرعة الرد المدروس في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة واضطر إلى تحمّل الصفعة خشية تطورالأوضاع باتجاهات يصعب السيطرة على مجراها مايجعل السحر ينقلب على الساحر وبالتالي فقدان إمكانية النجاح والوصول إلى السلطة بأي ثمنٍ كان ماأثار حفيظة خصومه ومؤيديه على حدٍ سواء حتى داخل حزب الليكود الذي يتزعمه .
لهذا يلجأ رئيس حكومة الإحتلال لعرض عضلاته نحو الخاصرة الرخوة بالقرصنة على أموال الشعب الفلسطيني المُجباة من عوائد الضرائب مقابل نسبة مئوية تقدر ثلاث بالمائة فرضتها اتفاقية باريس الإقتصادية ، ورشوة المستوطنين المتطرفين من خلال تسريع وتائر البناء الإستيطاني وسرقة الأراضي وهدم البيوت والقتل المتعمد بدمٍ بارد للناشطين في إطار المقاومة الشعبية المناهضة لإجراءات الإحتلال التعسفية بما في ذلك استهداف الأطفال واعتقالهم وفرض الإقامة الجبرية عليهم إضافة إلى انفلات قطعان المستوطنين المُدججّين بالسلاح والعتاد الحاقدين على الإنسان والزرع والحجر والمقدسات ، كما يستنجد بنفوذ حلفاءه في الكونغرس الأمريكي ذات الأغلبية الجمهورية لإلقاء خطاب يُكرّسـه للتحريض ضد ما يسميه خطر البرنامج النووي الإيراني ربما ينقذه من مأزقه الراهن ، من وراء ظهر الإدارة الأمريكية الغاضبة والعاجزة عن فعل شيء لقطع الطريق عليها من انجاز اتفاق يغلق هذا الملف الساخن إذ ترى الإدارة الأمريكية أنه يصبّ في الحفاظ على مصالحها الحيوية في المنطقة ، لعلّ مايثير الدهشة صمت المجتمع الدولي أزاء الإرهاب المُنظـّم الوجه الأخر الرسمي للصورة البشعة ذاتها الذي تمارسه حكومة الإحتلال بالمقارنة مع ما يحدث ، في الوقت الذي يتم فية تجنيد وتحشيد عالمي لمكافحة الإرهاب صنيعة الدوائر الإستخبارية لأغراض استخدامية ثم انقلب على بعضها لايعلم كائناً من كان متى ستنتهي ولا الكيفية التي سيتم بها القضاء على هذه الأفة المنتشرة كالنار في الهشيم عدا التبشير بمحاربته سنوات طوال وفق تأكيدات صناع القرار الدولي غير أبهين بالنتائج الكارثية والدمار الذي سيقع على كاهل شعوب المنطقة ومقدراتها ، وكأن ماتقوم به اسرائيل من جرائم وتدمير ممنهج وترسيم قوانين عنصرية وفرض عقوبات جماعية تستهدف حياة الإنسان الفلسطيني وممتلكاته ومصادر رزقه التي تتناقض مع أبسط الحقوق الإنسانية يحصل في عالم أخر لاوجود له على البسيطة ، فأي عدالة دولية يمكن أن تتحقق حين يتم غضّ الطرف عن مكامن الإرهاب سبب كل المشاكل في المنطقة والعالم أجمع ؟ .
لاينبغي لعاقلٍ الرهان على نتائج الإنتخابات الإسرائيلية مهما كانت حصيلتها فليس هناك مجال للتفاضل بين خيارين أحلاهما مُرّ لايختلف أحدهما عن الأخر سوى بالشكل لا المضمون ، وربما يكون سقوط الليكود في الإنتخابات العامة وصعود المعسكر الصهيوني مايسمى يسار الوسط إلى سدة الحكم أشدّ خطورة وإيلاماً على مستقبل القضية الفلسطينية حيث يجيد الأخير استخدام اللغة الناعمة المقبولة على المستوى الدولي التي افتقدها نتنياهو نتيجة العربدة والإستهتار بالقوانين والأعراف الدولية ، مايعني العودة إلى ملهاة المفاوضات التي ستكون بمثابة الموافقة الطوعية على اغتيال الحقوق الفلسطينية ، لهذا ينبغي بذل أقصى الجهود لاستعادة اللحمة الوطنية الفورية بين مختلف المشارب والأطياف الفلسطينية استعداداً للأسوأ القادم المُنفتح على كل الإحتمالات الصعبة التي لن يكون بها طرف رابح منفرد مهما كانت قوته في ظل الإحتلال الذي يتحكم بمقدرات ومنافذ وموارد الأرض الفلسطينية ...