واشنطن - افراسيانت - يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إستعادة زمام المبادرة لتبديد الانطباع الفوضوي الذي وسم شهره الأول في البيت الأبيض، خصوصا بعد الانتكاسات التي تعرض لها مؤخرا في ملف الاتصالات مع روسيا وتعذر تعيين بديل لمستشاره المستقيل للأمن القومي.
ورفض مرشح ترامب لتولي منصب مستشار الأمن القومي للبيت الابيض الاميرال المتقاعد روبرت هارورد هذا العرض بعيد دفاع الرئيس الأميركي عن المستشار السابق مايكل فلين الذي استقال بسبب اتهامه باجراء اتصالات مع روسيا.
ويأتي ذلك بعد مؤتمر صحافي لترامب شن خلاله هجوما لاذعا على وسائل الاعلام، معتبرا إياها "غير نزيهة" كما نفى وجود اي روابط مع روسيا خلال حملته الانتخابية.
وبرفض هارورد تولي منصب مستشار الامن القومي ، أصبح ترامب من دون خليفة لفلين، أول مسؤول بارز يستقيل في الإدارة الأميركية، ما يزيد من حالة الفوضى التي يبدو ان ادارته تتخبط فيها.
وصرح هارورد لشبكة (سي ان ان) أنه رفض الوظيفة لأسباب عائلية والتزامات مالية. إلا أن العديد من وسائل الإعلام الأميركية ذكرت أن هارورد اعترض على عدم حصوله على ضمانات بأن مجلس الأمن القومي - وليس مستشاري ترامب السياسيين - هو من سيكون مسؤولا عن السياسة العامة.
ومن بين أعضاء المجلس حاليا ستيف بانون، رئيس حملة ترامب السابق والمعروف بأنه يميني متطرف أثار الكثير من الجدل.
وذكر أحد أصدقاء هارورد طالبا عدم كشف اسمه أن الاميرال المتقاعد رفض الوظيفة بسبب الفوضى التي تعم البيت الأبيض، فيما قالت صحيفة (واشنطن بوست) أن من أسباب الرفض أن هارورد لن يتمكن من اختيار موظفيه.
وهارورد كان من الاسماء التي تم تداولها لخلافة مايكل فلين الذي اضطر الى الاستقالة بسبب اتصالاته مع السفير الروسي في واشنطن سيرغي كيسلياك قبل تسلم ترامب مهامه الرئاسية، ومناقشته العقوبات الأميركية على روسيا معه.
وفلين له ماض في إثارة الجدل. ففي السابق تلقى مبلغا من المال ليظهر في عشاء في 2015 وهو يجلس إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما لمح إلى أن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الاوكرانية، ودعمها للرئيس السوري بشار الاسد هما أمران مقبولان.
وتحدث ترامب عن درس خيارات عدة للمنصب، تشمل تثبيت الجنرال كيث كيلوغ الذي يتولى المنصب بالوكالة، أو الاختيار بين ثلاثة مرشحين آخرين.
وكانت مسألة روسيا محور مؤتمر صحافي طويل وحافل عقده ترامب
.
وأكد الرئيس أنه لم يجر اي اتصال بينه أو أي من أعضاء حملته الانتخابية وبين مسؤولين روس قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت العام الماضي، نافيا بذلك تقريرا لصحيفة (نيويورك تايمز) يؤكد ذلك وصفه ترامب بأنه "أخبار كاذبة".
وبدلا من ذلك، اتهم ترامب اجهزة الاستخبارات الأميركية بخرق القانون من خلال تسريب معلومات عن تلك الاتصالات.
كذلك، هاجم ترامب وسائل الإعلام وقال في المؤتمر الصحافي الذي استمر اكثر من ساعة وربع ساعة ان "عدم النزاهة (لدى وسائل الاعلام) بلغ مستوى لا يمكن السيطرة عليه". واضاف : "الصحافة باتت تفتقد الى النزاهة الى درجة اننا اذا تجاهلنا الحديث عنها فإن هذا يخدم الشعب الاميركي بشكل كبير".
من جانب اخر، دافع ترامب عن فلين قائلا أن ما فعله "ليس خطأ .. وأنا لم أوجهه" لمناقشة العقوبات "ولكنني كنت سأوجهه لأن عمله" هو التحدث مع أجانب.
من ناحيتها، قالت صحيفة (واشنطن بوست) أن فلين نفى لعناصر مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) أنه ناقش العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا مع السفير الروسي.
وفي حال ثبت أن فلين قام بذلك، فيمكن أن يواجه الجنرال المتقاعد حكما بالسجن لكذبه على عناصر (الاف بي آي) وهو ما يعتبر مخالفة قانونية.
ودافع ترامب عن اجندته السياسية ووعد بإصدار أوامر تنفيذية جديدة تتعلق بالتجارة والهجرة الأسبوع المقبل.
واثار كشف معلومات حول صلات بين حملة ترامب وروسيا قلقا ايضا حتى لدى قادة الجمهوريين المتخوفين من انفتاح الرئيس على موسكو.
ووسط الدعوات المتزايدة لإجراء تحقيقات واسعة في الكونغرس، صرح النائب الديموقراطي ماكسين ووترز لشبكة (سي إن إن)، "اعتقد أن هناك تواطؤا"، مؤكداً أن تركيز ترامب على التسريبات هدفه تشتيت الانتباه.
وقد تغير موقف ترامب من التسريبات بشكل كامل منذ حملته الانتخابية في 2016 حين أعلن "أحب ويكيليكس"، الموقع الذي نشر الرسائل الإلكترونية المقرصنة التي تخص هيلاري كلينتون. كما وصف تلميحه بأن روسيا كانت وراء التسريبات التي أضرت بمنافسته الديموقراطية بأنه "نكتة".
وبحلول كانون الثاني (يناير) الماضي، خلصت أجهزة الاستخبارات الأميركية إلى أن هذه التسريبات كانت جزءا من حملة أوسع أمر بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لترجيح كفة ترامب في الانتخابات. وتنفي موسكو أي ضلوع لها في ذلك.
من ناحية أخرى، اتسمت تحركات إدارة ترامب تجاه روسيا بالحذر، اذ أنه بعث بكبار مسؤوليه إلى أوروبا لطمأنة حلفاء بلاده في حلف شمال الأطلسي، فيما بدأت إدارته أولى اتصالاتها الرسمية مع الروس.
والتقى وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون نظيره الروسي سيرغي لافروف في بون، وقال أن واشنطن مستعدة للعمل مع روسيا "عندما نجد مجالات تعاون عملية".
وفي بروكسل، قال وزير الدفاع الأميركي جميس ماتيس أن وزارته ليست مستعدة "في الوقت الحالي" للتعاون عسكريا مع موسكو "ولكن زعماءنا السياسيين سيتحاورون ويحاولون إيجاد أرضية مشتركة".
ولاستعادة التوازن، سيحاول ترامب استغلال الوعد الذي كان سببا رئيسيا لانتخابه، وهو مسألة التوظيف.
ومن المقرر أن يزور الرئيس الأميركي مصنع (بوينغ) في ولاية كارولاينا الجنوبية، حيث توظف الشركة 7500 عامل، وتساهم بشكل غير مباشر في توظيف نحو مئة ألف آخرين في المنطقة.
وفي هذا الصدد، ضاعف ترامب، الذي يتغنى بشعار "صنع في أميركا"، الإعلانات إلى جانب العديد من كبار المديرين التنفيذيين، وصولا الى التهديد بفرض ضرائب على الشركات التي قد تميل إلى نقل وظائفها إلى الخارج.
المرشحون لخلافة فلين
ويدرس الرئيس الأميركي أربعة مرشحين لمنصب مستشار الأمن القومي بعد استقالة مايكل فلين هذا الأسبوع.
وامس، قال ترامب إن الجنرال المتقاعد ومستشار الأمن القومي بالوكالة، كيث كيلوج، يتصدر قائمة البدلاء.
وكتب ترامب على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر): "الجنرال كيث كيلوج، الذي عرفته منذ فترة طويلة، مرشح إلى حد كبير لمنصب مستشار الأمن القومي، إلى جانب ثلاثة آخرين".
جدير بالذكر أن كيلوج (72 عاما) ضابط برتبة لفتنانت جنرال متقاعد في الجيش له ثلاثة عقود من الخبرة العسكرية. وكان آخر منصب له هو رئيس هيئة موظفي مجلس الأمن القومي خلال رئاسة فلين له، وفقا لصحيفة (ذا هيل) التي تصدر بواشنطن.
وجاءت تغريدة ترامب حول المرشحين بعد ساعات من رفض نائب الأميرال المتقاعد بوب هاروارد، المنصب الأمني الرفيع، بإصدار بيان قال فيه إنه "في الوقت الراهن لا يمكن" له توفير الالتزام المطلوب لهذا المنصب.
وقال هاروارد "منذ التقاعد، لدي الفرصة لمعالجة المسائل المالية والعائلية التي كانت ستتعارض مع هذا المنصب".
ويعمل هاروارد حاليا بمنصب الرئيس التنفيذي لعمليات شركة (لوكهيد مارتن) في دولة الإمارات العربية المتحدة، وفقا لصحيفة (وول ستريت جورنال).
ونقلت شبكة (سي إن إن) الإخبارية الأميركية عن صديق لهاروارد أن العسكري القادم من ولاية "رود ايلاند" رفض عرض ترامب لأن الإدارة الحالية تبدو فوضوية للغاية، فيما ذكرت صحيفة (واشنطن بوست) أن قرار هاروارد يعود جزئيا إلى أنه لم يستطع الحصول على تأكيدات بأنه سيسمح له باختيار طاقم عمله الخاص.
وترك رحيل فلين في وقت سابق من هذا الأسبوع مجلس الأمن القومي في تخبط، فيما ذكرت (واشنطن بوست) أن البيت الأبيض يكافح لملء ما لا يقل عن 60 من بين حوالي 200 منصب في المجلس.