افراسيانت - أشرف الصباغ - على الرغم من ما يشاع عن تأرجح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشأن شن عمليات عسكرية مباشرة في سوريا، إلا أن المؤسسات الأمريكية السيادية قالت رأيها بشكل حاسم.
وكالة الاستخبارات الأمريكية والأجهزة الأمنية الأخرى "الخفية والعلنية" في الولايات المتحدة لا تختلف كثيرا بشأن اعتماد أدوات العنف في حل الأزمات، أو في أحسن الأحوال استخدام كل الأدوات والأساليب غير القانونية وغير المشروعة في التعامل مع قضايا وأزمات تتعلق ليس فقط بالأنظمة السياسية لدول أخرى، بل وأيضا بالشعوب.
خلال الساعات القليلة الماضية، وعقب إعلان روسيا نشر المنظومات الدفاعية (إس – 300) في سوريا، صدرت تصريحات من 3 مؤسسات سيادية أمريكية هي البيت الأبيض والخارجية ووزارة الدفاع، تتجه في مجملها، شكلا ومضمونا، نحو مغامرة عسكرية في سوريا.
المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست:
- "واشنطن لا تستبعد احتمال شن ضربات جوية ضد الجيش السوري، رغم التشكيك في أن الأمر يصب في مصلحتها".
- "العمليات العسكرية ضد النظام السوري والتي تهدف إلى تسوية الأوضاع في حلب لا يحتمل أن تحقق أهدافها المحددة من حيث خفيض مستوى العنف. ومن المرجح أكثر أنها ستسبب عواقب غير متوقعة لا تتوافق تماما مع مصالحنا القومية، غير أنني لن أستبعد دراسة أية خيارات".
- "الولايات المتحدة أصيبت بخيبة أمل لكيفية استخدام روسيا، وفي بعض الحالات الصين، حق الفيتو في مجلس الأمن بهدف تقليل المساعي الدولية الرامية إلى تخفيض العنف في سوريا. وقد أحزننا لأنهما استخدمتا الفيتو دفاعا عن الأسد".
المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جون كيربي:
- "الولايات المتحدة، بعد وقف التعاون مع روسيا، تدرس جميع الخيارات المتاحة لحل الأزمة السورية، بما فيها العسكرية".
- "النقاشات داخل الحكومة الأمريكية حول الخيارات المتاحة في سوريا ليس جميعها تتماشى مع الدبلوماسية".
- "الإدارة الأمريكية مستمرة في عملها على إحلال الهدنة في سوريا، لكنها ستقوم بذلك في إطار متعدد الأطراف وليس على أساس الاتصالات الروسية - الأمريكية الثنائية".
- "أعربت واشنطن عن عدم ارتياحها للكيفية التي يتم بها استخدام روسيا لحق الفيتو في مجلس الأمن بخاصة في سياق الأوضاع في سوريا".
- "تنطوي الخيارات العسكرية، سواء أكانت مناطق حظر الطيران أو مناطق آمنة، على مخاطر وتتطلب موارد إضافية".
المتحدث باسم البنتاغون بيتر كوك:
- "البنتاغون يتخذ تدابير الأمان اللازمة في سوريا بعد نشر منظومة الدفاع الجوي الصاروخي "إس - 300" من قبل روسيا".
- "تصريحات المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف، تعتبر تهديدا بإسقاط الطائرات الأمريكية.. ونحن سنواصل اتخاذ كافة الخطوات اللازمة، لكي يعمل طيارونا في أكبر قدر من الأمان".
- "الاتفاق الروسي الأمريكي حول ضمان أمن طائرات روسيا والولايات المتحدة في أجواء سوريا هو آلية فعالة لخفض المخاطر التي قد تهدد كلا من طياري التحالف والطيارين الروس.. وسنواصل استخدام قنوات الاتصال المفتوحة وفقا للاتفاق المذكور".
هنا 11 تصريحا، ربما يكون أخطرها على الإطلاق، التقليل من قيمة مجلس الأمن الدولي، واعتبار أن العضوية الدائمة في مجلس الأمن بكل حقوقها مجرد هبة أو هدية يمكن أن "تمنح أو تمنع". مع ان الأمريكيين يعرفون أنها ليست منحة أو هدية، وإنما جزء من إعادة صياغة العالم بعد الحرب العالمية الثانية. وبالتالي فحق "الفيتو" ليس هبة أو هدية أو منحة، وليس من حق واشنطن أن تحدد متى وكيف وأين ولماذا يستخدمه هذا الطرف أو ذاك، وإنما عليها أن تفكر أولا بمدى مشروعية شن حروب بعيدا عن أراضيها بآلاف الكيلومترات، والاعتداء على سيادة الدول بدون أي حق قانوني.
أما التصريح الثاني الأخطر عمليا، هو أن الولايات المتحدة ترى أن "الخيارات العسكرية، سواء أكانت مناطق حظر الطيران أو مناطق آمنة، تنطوي على مخاطر وتتطلب موارد إضافية". هذا التصريح الأخطر على الإطلاق يكشف الوجه الحقيقي للولايات المتحدة. فإذا قرأناها منقوصا (بدون الفقرة الأخيرة) يمكن أن تدمع عيوننا من شدة التأثر بإحساس "الدولة الأمريكية" بالمسؤولية، سواء على جنودها وقواتها ومدنييها أو على الأسلحة والمعدات التي يمكن أن يتم تدميرها، أو حتى خوفها على شعوب العالم من الموت والدمار. ولكن عندما نقرأ الفقرة الأخيرة "تتطلب موارد إضافية"، يمكن أن نشعر بحالة الانهيار الأخلاقي والإنساني من جهة، وبمدى العدمية والاستهتار من جهة أخرى، حتى بأرواح الجنود الأمريكيين أنفسهم. فالحرب والقصف والموت والدمار في مجملها بالنسبة للمؤسسات الأمريكية ليست إلا مجرد إحصائيات "تتطلب موارد إضافية"، ساعتها فقط، ستكون الحرب "مبررة وإنسانية ومن أجل الخير والحق والعدل والجمال".
بعض التقارير يتحدث عن أن "قادة الظل" أو "الحكومة الخفية" في الولايات المتحدة تحركوا في قلق بعد أن اتفق وزيرا خارجية روسيا سيرغي لافروف والولايات المتحدة جون كيري في جنيف بشأن "التفاهمات" حول سوريا. وهنا لا يمكننا أن نتجاهل تحرك أطراف إقليمية معينة، أو أطراف في الداخل السوري، في نفس الاتجاه لإفساد ليس فقط الهدنة، وإنما ايضا مجمل التفاهمات أيضا. ولكن ما يهمنا هنا، هو تحرك "ماسكي الخيوط" في كواليس السياسة والدفاع والاستخبارات في الولايات المتحدة، والتفافهم على تحركات جون كيري، ودفع العالم إلى حافة الصدام.
موسكو عبر قنواتها وأجهزتها تتابع ليس فقط التصريحات، وإنما أيضا التحركات "المشبوهة" لقادة الظل وماسكي الخيوط، أو وفقا للمصطلح الغربي "الكاردينالات الرماديين". وكان من الواضح أن واشنطن التابعة لهؤلاء "الكاردينالات" تتحرك إلى الأمام، عبر أخطاء بقصف المدنيين في سوريا، أو قصف المدن والأحياء الأخرى. وعبر اختلاق حجج لدفن التفاهمات الروسية – الأمريكية. وبالتالي، فمن الطبيعي أن تنشر موسكو منظوماتها الدفاعية المتطورة لحماية قواتها في سوريا، ولا ينبغي أن تنتظر إلى أن يخطئ سلاح الجو الأمريكي ليقصف قواتها أو طيرانها.
غير أن الطريف هنا أن الخارجية الأمريكية، وبعد أن قامت واشنطن بتعليق التفاهمات، قالت إن "الإدارة الأمريكية مستمرة في عملها على إحلال الهدنة في سوريا، لكنها ستقوم بذلك في إطار متعدد الأطراف وليس على أساس الاتصالات الروسية - الأمريكية". ثم قال البنتاغون، بعد تعليق التفاهمات أيضا، إن "الاتفاق الروسي - الأمريكي حول ضمان أمن طائرات روسيا والولايات المتحدة في أجواء سوريا هو آلية فعالة لخفض المخاطر التي قد تهدد كلا من طياري التحالف والطيارين الروس.. وسنواصل استخدام قنوات الاتصال المفتوحة وفقا للاتفاق المذكور".
تصريحان في منتهى الغرابة. بمعنى أن الولايات المتحدة تقوم بتعليق الاتفاقات، ثم تنتقي منها ما يروق لها، مع إعطاء انطباع بأن التعاون في مجال سلامة الطيران يهم روسيا أيضا. وهو بالفعل كذلك. ولكن واشنطن تمارس الابتزاز في هذا النطاق. أما الأغرب، فهو أن الخارجية الأمريكية بدأت تتحدث عن إطار واسع ومتعدد الأطراف لإحلال ما تسميه بـ "الهدنة"، وليس على أساس التفاهمات الروسية – الأمريكية. ما يعني سوء النية ليس فقط من جانب الولايات المتحدة، بل ومن جانب حلفائها الإقليميين والغربيين، وبالذات في ما يتعلق بلقاء الخمسة الذين أطلقوا على أنفسم تسمية "ممثلي المجتمع الدولي" (الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا وفرنسا وإيطاليا) في وزارة الخارجية الألمانية يوم 6 أكتوبر/ تشرين الأول.
لدينا الآن، على الأقل، 11 تصريحا من جانب الولايات المتحدة فقط، تمهد كلها لتصريحات أكثر سخونة وعدوانية. هذا إلى جانب التهديدات المتواصلة من جانب واشنطن وبعض العواصم الغربية بفرض عقوبات جديدة ضد روسيا. ولا أحد يدري، ماذا يمكن أن ننتظر من "الكاردينالات الرماديين"، سواء في الولايات المتحدة أو في الدول الحليفة لها، عندما يصدق البرلمان الروسي على نشر قوات جوية في سوريا!