افراسيانت - محمد الطاهر - حذر وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو الاثنين 25 يوليو/تموز من أن علاقات بلاده بالولايات المتحدة سوف تتأثر إذا لم تسلم واشنطن الداعية فتح الله غولن.
وعلى الرغم من أن هذا التصريح لرئيس الدبلوماسية التركية صيغ بأسلوب دبلوماسي هادئ، إلا أن الغضب التركي من الولايات المتحدة قد ينفجر ويخرج عن طوره، بخاصة أن تسليم غولن أصبح مسألة مصيرية ومبدئية لأنقرة، والعلاقات بين البلدين تمر بامتحان صعب، وهي الآن على المحك في انتظار موقف واشنطن من هذه المسألة.
وفي كل الأحوال، لن يكون بت واشنطن في مسألة ترحيل غولن إلى تركيا سهلا، لاعتبارات كثيرة أهمها أن تسليمه يعني الاقتناع بأدلة أنقرة عن تورط هذا الداعية في محاولة الانقلاب الفاشلة، وفي نفس الوقت إن مثل هذا الإجراء سيؤجج الشكوك بوجود علاقة ما لها ولو بعيدة بالمحاولة، فما هي المخارج البديلة أمام واشنطن حيال هذه القضية الشائكة؟
من الواضح أن أنقرة ستستميت لاستعادة غولن كي تتمكن من طي صفحة ما تصفه بـ"الكيان الموازي" نهائيا، وخاصة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي رُبطت بشكل كامل ونهائي بغولن.
بالمقابل يتوفر للإدارة الأمريكية هامش ضيق للمناورة، فهي إما سترفض الاستجابة للطلب الرسمي التركي بحجة عدم كفاية الأدلة، أو أن تستجيب، ما قد يعرضها لانتقادات حادة على خلفية الاتهامات الموجهة لأنقرة "في التمادي في فرض النظام"، إضافة إلى سعيها إلى إعادة العمل بعقوبة الإعدام.
ويبقى أمام واشنطن خيار ثالث، لكنه لن يحل أزمة العلاقات مع تركيا عضو الناتو الهام، والحليف التاريخي لواشنطن في المنطقة، ويتمثل في ترحيل غولن إلى بلد ثالث، إذا لم تقتنع واشنطن بالادلة المقدمة بشأن تورط غولن في المحاولة الانقلابية، إلا أن مثل هذا الإجراء سيفجر غضب السلطات التركية تجاه واشنطن، وهي لن ترضى بأقل من تسلم خصمها اللدود غولن، الذي تصفه بأنه العقل المدبر للانقلاب الفاشل.
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد أعلن في وقت سابق أن بلاده ستفعل كل ما بوسعها على المستويين السياسي والقانوني لتتمكن من ترحيل غولن إليها، مشددا على أن أنقرة ترى "علاقة جلية" بين أنصار غولن والمشاركين في المحاولة الانقلابية الفاشلة.
بدوره، نفى غولن مرارا أي علاقة له بالمحاولة الانقلابية، ووصف مطالبة السلطات التركية بتسليمه إليها بأنه "انتقام سياسي من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان"، بل وذكر أن المحاولة الانقلابية من المحتمل أن تكون مسرحية وضعت بهدف الإعلان عن اتهامات جديدة ضده.
وانضم ملف غولن الساخن إلى ملف الخلافات في موقف البلدين من الأزمة السورية، فبالإضافة إلى امتناع أنقرة عن المشاركة في المجهود الحربي للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "داعش" في سوريا، فقد استفحل الخلاف أكثر لاحقا نتيجة دعم واشنطن للمقاتلين الأكراد السوريين وتواصلها معهم، ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شهر فبراير الماضي إلى تخيير واشنطن بين الشراكة مع بلاده أو مع المقاتلين الأكراد التابعية لحزب الاتحاد الديموقراطي.
وبالمقابل، تعد واشنطن المقاتلين الأكراد أكثر حلفائها فعالية في قتال داعش، وهي ترى أن موقف أنقرة العدائي من المقاتلين الأكراد في سوريا يقوض الجهود المبذولة للقضاء على هذه المجموعة المتطرفة والإرهابية.
أما أنقرة فتتهم حلفاء الولايات المتحدة الأكراد في سوريا بأنهم يزودون حزب العمال الكردستاني بالأسلحة، ومسلحو الحزب بدورهم يستعملونها في هجماتهم على الأراضي التركية.
ويمكن القول إن قضية غولن ستزيد من تباعد أنقرة وواشنطن، ما سيعرض العلاقات الثنائية المتصدعة على خلفية ملف الأكراد السوريين لمزيد من الضرر وانعدام الثقة، لا سيما إذا اشتدت انتقادات الولايات المتحدة لتركيا بشأن ما تعده تجاوزات في ملف حقوق الإنسان عقب محاولة الانقلاب.