افراسيانت - عمر عبد الستار - شهدت شوارع بغداد، الثلاثاء (12/07/2016)، انتشاراً كثيفاً للقوات المدرعة العراقية، مع إغلاق لغالبية الطرق الرئيسة وسط المدينة.
وقد فوجئ سكان العاصمة العراقية منذ ساعات الصباح الأولى بأسراب من المروحيات، رافقت انتشاراً كثيفاً لقوات الجيش العراقي في مناطق العاصمة، وخاصة تلك التي توجد فيها مؤسسات الحكومة وسفارات عدد من دول العالم.
ولأن بغداد على أبواب الذكرى السنوية الثامنة والستين لانقلاب الرابع عشر من تموز، والذكرى الثامنة والخمسين لانقلاب السابع عشر من تموز، وتستعد لتظاهرة مليونية، دعا إليها السيد مقتدى الصدر يوم 15 تموز/يوليو، فقد ذكَّر مشهد بغداد اليوم بأيامها الخوالي. وقد أثار الانتشار العسكري اليوم تساؤلات البغداديين عما يجري، فسارعت قيادة العمليات لتوضيح تفاصيل ما يحدث.
وقال العميد سعد معن، المتحدث العسكري باسم قيادة عمليات بغداد، إن "الإجراءات الأمنية المشددة في بغداد تأتي استعدادا لاستعراض عسكري قريب"، مبينا أن "ما حدث هو تدريب على الاستعراض، وعلى ضوء ذلك تم قطع الشوارع".
كما أكد مصدر أمني رفيع أن قطع بعض شوارع العاصمة جاء لإجراء تدريبات أمنية استعداداً لاستعراض للقطعات العسكرية سيجري في الـ14 من تموز الجاري، احتفالاً بذكرى تأسيس الجمهورية العراقية.
ولم تخفف تصريحات المتحدث باسم عمليات بغداد من إحساس الناس بأن وراء المسألة أمر آخر غير ما صُرح به، وخاصة أن مناسبات تموز السابقة قد مرت كثيرا على بغداد منذ 2003، ولم تشهد المدينة شيئاً مما شهدته اليوم.
وعلى الرغم من إعادة فتح الطرقات بعد إغلاقها، فإن حجم الانتشار العسكري المفاجئ قد يكون له ما بعده، وخاصة أنه مرتبط بتداعيات تفجير الكرادة، التي أطاحت وزيرَ الداخلية وقادة أمنيين كبار في بغداد ولا يزال حبلها على الجرار.
لكن زيارة وزير الدفاع الاميركي آشتون كارتر إلى بغداد، وما تشهده المدينة من انتشار عسكري، قد يكون بينهما رابط من نوع ما؛ ولا سيما أن تصريحات كارتر بعد الزيارة تشير إلى أن واشنطن قد دخلت على خط تأمين بغداد، فضلا عن تحرير نينوى. وقد أكد كارتر أن "560 مستشاراً امريكياً سيصلون إلى قاعدة القيارة، التي ستكون مركز دعم لوجيستيا أمريكيا لها".
وأضاف آشتون كارتر أنه تحدث مع العبادي عن تحسين الأمن في بغداد، وكيفية تحديد أماكن العبوات الناسفة وشبكات تصنيعها ونشرها؛ مؤكدا أنه عرض تقديم مساعدة المؤسسة، التي يستخدمها الجانب الأمريكي للتخلص من تهديد العبوات، وأن رئيس المؤسسة المعنية بهذا الأمر سيزور بغداد قريباً لتشاطر الخبرة التي اكتسبها مع القوات العراقية.
فهل كشف الوزير الأمريكي للعبادي معلومات أمنية مهمة التقطها العبادي بسرعة، وهو أشد ما يكون في حاجة إليها لمواجهة خصومه المحليين والإقليميين؟
وهل كان الدعم الاميركي في بغداد، والعسكري في نينوى، ﻣشروطين ﺑضرورﺓ إبعاد "الحشد الشعبي" عن ملف أمن بغداد، وعدم زجه ﻓﻲ معركة نينوى؟
وهل استبق العبادي تصريحات بعض قادة "الحشد الشعبي" بضرورة تطهير حزام بغداد؟ وبدلا من أن تنزل فصائل الحشد، بادر العبادي فنزل قبلها؟
ولعل ما يؤكد ذلك تصريح قائد قوات التحالف في العراق شون ماكفارلاند المرافق لكارتر، والذي أكد ممارسة مزيد من الضغط على الشبكات الإرهابية في محيط بغداد.
وذلك ما يؤكده ما جرى اليوم من تفتيش واسع في عدة أحياء تحيط بالمنطقة الخضراء. وقد تتوسع دائرة التفتيش والانتشار العسكري لتشمل لاحقا محيط بغداد ومحافظات أخرى لاحقا.
وبعيداً عن زيارة كارتر، فإن خطوات الانتشار العسكري اليوم تأتي وبغداد تشهد مفترقاً امنياً خطيراً؛ بين الانزلاق نحو فوضى اللادولة، وصولة فرسان تعيد سلطة الدولة وهيبتها. فالعراق يعيش تحديات عسكرية جمة بعد معركة الفلوجة وقبل نينوى، كما هو حاله مع تحديات أمنية لا تقل أهمية، بعد تفجير الكرادة وقبل تظاهرات الصدر يوم 15 تموز.
وخطوة العبادي اليوم قد تكون استباقاً ذكياً لأي نزول مسلح قد يحدث في شوراع بغداد، بعد تهديد بعض فصائل "الحشد الشعبي"، ومطالبتها باستلام ملف أمن العاصمة بعد تفجير الكرادة. بل إن بعض الفصائل قد هدد أمس وأمس الأول، وفي تحدٍ سافر لسلطة الدولة، باقتحام سجون وإعدام سجناء. وما قد يعزز هذا التوجه وفق خبراء رواية شهود عيان أكدوا أن القوات الأمنية اعتقلت اليوم بعض أفراد "عصائب الحق" في بغداد.
وقد يكون الانتشار العسكري اليوم استباقا من العبادي لأي احتكاك محتمل بين فصائل مسلحة، أشار إليه حاكم الزاملي، قد تشهده تظاهرات الصدريين يوم الجمعة المقبل.
وبخطوة العبادي اليوم، تتسارع وتتكامل خطواته بانسجام في اتجاه إعادة سلطة الدولة، وقد سبقتها إقالات قادة أمنين كبار وقبول استقالة وزير الداخلية محمد سالم الغبان ودعوته إلى عدم تسييس الملف الأمني.
وإذا توالت خطوت العبادي بهذا الاتجاه، فإنه وفي آب/أغسطس 2016، عندما تحل الذكرى السنوية الثانية لتوليه المسؤولية، والتي قد تترافق مع تحرير نينوى، قد يدفع بقانون الحرس الوطني المعطل في أدراج البرلمان منذ 2014، لتنتظم حشود العراق المتعددة في قانون واحد، وتنتهي فوضى السلاح الخارج على القانون.
فالحكومة العراقية، وعلى لسان المتحدث باسمها سعد الحديثي، جددت دعوة الكتل السياسية التي حضرت جلسة البرلمان الاولى من الفصل التشريعي الثالث، إلى مساندتها في تثبيت مبدأ حصر السلاح بيد الدولة والأجهزة الامنية وجعل المدن والأحياء السكنية منزوعة السلاح، وفقا للدستور العراقي.