افراسيانت - سلام مسافر - يفيض نهر السين، ويضرب عمال القطارات، وتلجأ حكومة فالس إلى الاحتياطي لتغذية محطات الوقود كسرا للإضراب.
هكذا تعيش فرنسا عشية بطولة (أوربا لكرة القدم) المزمعة في العاشر من الشهر الجاري. وفي انتظار اجتماع وزراء خارجية أكثر من عشرين دولة لإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط.
ومنذ شهر آذار/مارس نشب الخلاف ببن النقابات والحكومة، حول تعديل قانون العمل.
ويتهم قادة العمال الاليزيه بأنه يرفض الحوار، بينما ترفض الحكومة الاشتراكية تقديم التنازلات؛ فالتراجع"سيكون خطا سياسيا" كما يصرح رئيس الحكومة مانويل فالس المتهم من قبل اليمين بالضعف وفقدان السيطرة على السلطة و"الجبن" كما قال الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي انتقد " الفوضى السائدة في البلاد" دون أن يهاجم المضربين؛ فاليمين يسعى للقفز إلى الاليزيه على وقع الطلاق بين العمال والحزب الاشتراكي فاقد الشعبية.
وقبل أيام معدودة من انطلاق بطولة أوروبا أعلن عن إضرابات أخرى أبرزها إضراب مفتوح في وسائط النقل بباريس. وتتوالى التحركات في المصافي والموانىء النفطية في الهافر بشمال غرب البلاد التي تمد المطارات الباريسية بالكيروسين.
ويستمر التلويح بإضراب ثلاثة أيام ابتداء من الجمعة للمراقبين الجويين. وتبنت نقابة الطيارين في شركة "آير فرانس" بدء اضراب مفتوح احتجاجاً على إجراءات تتعلق بالإنتاجية.
وزاد توتر الوضع الاجتماعي تصريح رئيس جمعية أرباب العمل الفرنسية بيار غاتاز الذي شبه أعضاء الكونفيدرالية العامة للعمل "سي جي تي" بأنهم "أرهابيون". ولم ينفع تراجعه عن كلامه في إصلاح ذات البين.
وعلى الرغم من أعلان الحكومة رغبتها في الحوار؛ إلا أن التنازل عن قانون العمل المعدل يعتبر خطا أحمر.
إذ ترى الحكومة، التي تعاني تدنياً كبيراً في شعبيتها، أن مشروع القانون قيد الدرس سيسمح بأن تتماشى قواعد العمل أكثر مع واقع كل شركة وبالتصدي للبطالة القريبة من 10%.
لكن معارضيها يعتبرون مشروع القانون سيزيد من تفاقم أوضاع الأجراء. وكثّفوا منذ آذار/مارس التظاهرات العنيفة.
رئيس الحكومة مانويل فالس تحدث عن الخسائر التي تتكبدها البلاد بسبب الإضرابات. وقال مخاطباً النواب "هذا الخلاف يمكن أن يؤثر سلباً على اقتصادنا في الوقت الذي أتاح تحرّك الحكومة حصول انتعاش وخفض البطالة".
في هذه الأجواء الغائمة، الممطرة، الملبدة بالإضرابات التي قد تتحول إلى أعمال عنف أشد وطأة من سابقاتها في الأسابيع المنصرمة؛ تتنطع الرئاسة الفرنسية لتذكير المجتمع الدولي بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي الذي غاب عن عناوين الأخبار لصالح حروب داعش في العالم العربي وفي عواصم ومدن ومحطات مترو الإنفاق القرار الأوروبي والعالمي.
بيد أن اشتراكيي فرنسا بزعامة هولاند المتآكلة شعبيته وصولا إلى 15%؛ لا يمتلكون جذوة ديغول؛ ولا يتعامل الأوربيون مع فرنسا بإدارتها الاشتراكية؛ على أنها قطب مستقل عن الهيمنة الأمريكية كما سعى الديغوليون الذين كان آخرهم في سدة الحكم جاك شيراك ودومينيك دو فولبان بطبعة منقحة، احتفظت بالعناوين الرئيسة لمدرسة مستقلة في السياسة الدولية، واستقت زخمها من بروز حركة عدم الانحياز، والمواجهة السوفيتية-الأمريكية التي حدت من عربدة واشنطن في الساحة الدولية.
حينها تلاقت "نيت" أندريه غوروميكو وزير خارجية الاتحاد السوفيتي العتيد مع "les deux" الديغولية فيما كان غالبية الأنظمة العربية تتلعثم بـ"لعم".
يغيب عن مؤتمر باريس لأحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية. ويمثل موسكو في المشاورات نائب الوزير ميخائيل بوغدانوف. وقد يغيب عنها أيضا الوزير الأمريكي جون كيري الذي اعتاد في الشهور الأخيرة على مهاتفة نظيره الروسي كل أسبوع أكثر من مرة لبحث الملفات الشائكة وفي المقدمة منها ملف الحرب في سوريا.
ومنذ الغزوات الأمريكية وحروب القاعدة وداعش وما بينهما، انزوت القضية الفلسطينية في زوايا النسيان العربية والعالمية. وكأن عواصم القرار العالمي والإقليمي المثقلة بمشاكل كبيرة؛ وجدت في حروب الجماعات الإرهابية ذريعة لطي الملف الفلسطيني.
فجأة تذكرت باريس الغارقة بالإمطار والفيضانات والإضرابات النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ربما في محاولة لتلوين الحضور الباهت للدبلوماسية الفرنسية في الساحتين الأوروبية والدولية.
ومن سوء حظ الرئيس محمود عباس أن "المبادرة" الفرنسية جاءت بعد خراب باريس! أما نتنياهو ووزير دفاعه ليبرمان، فإنهما أصلا عدوان لدودان لكل المبادرات السلمية حتى وإن جاءت بمذاق فرنسي في اجواء ملبدة وممطرة!