افراسيانت - أيهم القاضي - انتهت القمة الخليجية التشاورية السادسة عشرة بمقررات يَعدُّها مراقبون استثنائية، باتخاذها رؤيةً خليجية مشتركة تتوافق مع الرؤية السعودية، سياسياً واقتصادياً.
رؤيةٌ تستند بحسب مراقبين إلى مشهدين سياسيين، لا يفصلهما بالتوقيت سوى أربعين يوماً لا غير:
الأول، استقبال باهت لرئيس دولة عظمى وهي الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث جرى استقبال الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مطار الرياض الدولي في العشرين من أبريل/نيسان الفائت بمراسم ملكية متواضعة، دلت، بحسب محللين، على توتر العلاقات بين بلدين طالما ربطتهما مصالح مشتركة سياسية واقتصادية.
أما المشهد الثاني، فهو الحفاوة في استقبال زعماء الوفود الخليجية في القمة التشاورية السادسة عشرة، وحرص العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز على استقبال الوفود شخصياً، ومرافقة الملوك والأمراء والشيوخ إلى قاعات الشرف بمراسم ملكية، إن دلت على شيء فإنما تدل على أهمية هذه القمة الاستثنائية، وللأسباب التالية:
- العودة من موسكو بعد حوار استراتيجي مثمر
في ختام هذه القمة، أشار وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى الدور الروسي الإيجابي في محاولة تقريب وجهات النظر بين السعودية وإيران.
إذ إن هذه القمة تأتي بعد أقل من أسبوع على عودة الوفود الخليجية من موسكو بعد مشاركتها في الاجتماع الوزاري المشترك الرابع للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون والاتحاد الروسي؛ والذي وصفه مراقبون بالمثمر بجميع المقاييس رغم بعض المسائل التي لا تزال عالقة، وعلى رأسها ملف الأزمة السورية.
فنقاط التوافق بين دول الخليج والاتحاد الروسي تعدت بأبعادها العلاقات البروتوكولية النمطية، التي كانت سائدة في السنوات الأخيرة، لتنتقل إلى تنسيق وثيق على الصعد السياسية والاقتصادية كافة، وكذلك الثقافية. وذلك، في مرحلة جديدة يحبذ الكثيرون وصفها بالتحالف الاستراتيجي، الذي بدأت ملامحه ترتسم ولكن ببطء، على أنقاض تحالفات تقليدية يصفها الخليجيون بالبائدة والمتذبذبة، أمام حليف أثبتت الساحة السياسية مؤخراً ثبات مواقفه وحزمه، بغض النظر عن نقاط الخلاف والتوافق.
- مجلس تنسيق أعلى للتنسيق بين السعودية والإمارات
كما تأتي هذه القمة في أعقاب إعلان مفاجئ لإنشاء مجلس تنسيق أعلى بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة منذ أسبوعين؛ ذهبت بعض التنبؤات إلى اعتباره بديلاً مصغراً لمجلس التعاون في ظل تباين الرؤى الخليجية حول ملفات سياسية حساسة، كالعلاقة مع الجارة إيران وملف الأزمة اليمنية وغيرها.
غير أن الحرص السعودي على بقاء مكانة المملكة، كحاضنة للبيت الخليجي الموحد، بدد تلك المخاوف عبر رسائل سياسية مباشرة، مفادها أن مجلس التنسيق ما هو إلا رديف مكمل لعمل مجلس التعاون الخليجي، وفق الميثاق الموقَّع من قبل الدول الست في بداية ثمانينيات القرن المنصرم. وهذا، ما تُرجم فعلياً في البيان الختامي للقمة، والذي شدد على مسيرة العمل الخليجي المشترك، وسبل تطويره وتدعيمه في جميع المجالات، وخاصة في الملف اليمني؛ حيث شدد على أن مشاورات الكويت اليمنية- اليمنية تجري على أساس المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن.
- غياب ضيوف الشرف
دأبت دول الخليج مؤخراً في اجتماعاتها الوزارية والتشاورية على دعوة ضيوف شرف من زعماء ورؤساء وملوك الدول الفاعلة. فقد شارك الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في الاجتماع التشاوري الخامس عشر في مايو/ أيار الماضي كضيف شرف. بيد أن غياب ممثلين دوليين عن الجلسة الحالية، يرجعه مراقبون إلى إشارة رمزية واضحة بأن هذا الاجتماع كان مخصصاً لترتيب شؤون البيت الخليجي الواحد لدول، شاءت أم أبت، يربطها مع السعودية عمق استراتيجي على جميع المستويات انطلاقاً من التاريخ والجغرافيا، وليس انتهاءً بالدين والعرق والرؤية المستقبلية المشتركة في ظرف تاريخي أقل ما يقال عنه بالخطير. وذلك وسط محيط إقليمي تتلاطم فيه أمواج التغيير والتحديات المحدقة، التي أشار إليها بوضوح البيان الختامي للقمة، والمتمثلة بتهديدات جمهورية إيران الإسلامية، التي وصفها البيان بأنها "راعية للإرهاب"، وأنها "لا تنكفئ عن التدخل بالشؤون الخليجية والعربية، وتدريب الميليشيات الخارجة عن القانون". ذلك، إضافة إلى تدهور الأوضاع السياسية في المحيط العربي من العراق وسوريا شمالاً وإلى اليمن جنوباً. ما دفع دول الخليج في هذه القمة إلى تشكيل هيئة خليجية مشتركة لتفعيل التعاون في الملفات الاقتصادية والتنموية، والتي من شأنها، بحسب خبراء، إرساء قاعدة اقتصادية مشتركة، تكون منطلقاً للدول الخليجية من أجل اتخاذ قرارات مهمة، يرجح مراقبون أن تُحدث تغييرات مهمة في خريطة التحالفات حول العالم.