افراسيانت - أشرف الصباغ - يواصل حلف الناتو والولايات المتحدة مغامراتهما في اتجاه تهديد الأمن الأوروبي والعودة سنوات إلى الوراء.
وبين توسع الناتو شرقا، وتهديد واشنطن بعقوبات إضافية، أكد مندوب روسيا الدائم لدى حلف الناتو ألكسندر غروشكو أن السياسة التوسعية للناتو تتناقض مع متطلبات الأمن وتخلق خطوط تقسيم في أوروبا.
غروشكو قال إنه من الواضح أن عملية توسع الناتو لن تحسن، بل ستسيئ للعلاقات مع الدول التي انضمت إلى الحلف. وبالتالي، فإن السياسة التوسعية للناتو تتناقض مع متطلبات الأمن الحقيقية وليست موجهة لتعزيزه، وتخلق فقط خطوط تقسيم.
وإذا كانت تصريخات مندوب روسيا الدائم لدى الناتو موجهة مباشرة إلى الحلف، فإن نائب أمين مجلس الأمن القومي الروسي، يفغيني لوكيانوف قد قلل من شأن انضمام جمهورية الجبل الأسود (مونتنيغرو) إلى الناتو، مشيرا إلى أن انضمام هذه الجمهورية إلى الحلف لن يعزز القدرات العسكرية له، ولن يهدد روسيا بشكل مباشر.
هذا التصريح جاء على خلفية الهستيريا التي أصابت بعض وسائل الإعلام، ودفعت موسكو للإعراب عن قلقها عقب توقيع البروتوكولات التمهيدية بين حلف الناتو وجمهورية الجبل الأسود على قبول الأخيرة في صفوف الحلف لتصبح الدولة الـ 29 بين أعضائه.
لوكيانوف قال إن "انضمام هذه الجمهورية شأن داخلي، وهو خيارهم، وسيكون كما يقررون، في حال رأوا أن هذا يصب في صالح تعزيز أمنهم القومي". واستدرك المسؤول الروسي، مشيرا إلى أن روسيا ستجد كيف ترد على نشر منظومات الدرع الصاروخية الأمريكية في أوروبا الوسطى والشرقية.
ولكن من جهة أخرى، وعلى الرغم من تصريحات لوكيانوف، فقد أعربت روسيا عن قلقها من تمدد حلف الناتو شرقا نحو حدودها المباشرة، محذرة من أن ذلك سيكون سببا لاتخاذ إجراءات جوابية. بمعنى أن الكرملين، وفقا للمتحدث الرئاسي الروسي دميتري بيسكوف، يراقب بقلق توسع نشاط حلف الناتو بالقرب من الحدود الروسية. وقد وضع بيسكوف معادلة واضحة، مشيرا إلى أن "الناتو هو نتاج لزمن الصراعات. وهو أداة للمواجهات، ومسألة إلى أي مدى يمكنه أن يساهم في ضمان الأمن الأوروبي، قابلة للنقاش". أي أن موسكو ترى جيدا جوهر الناتو وأهدافه وتصرفاته، ولكنها من جهة أخرى لا تستبعد مناقشة كل ذلك لإيجاد صيغ للتعايش، ولكي لا تنهار البنية الأمنية الأوروبية.
في الحقيقة، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه قد أكد في وقت سابق على أن بلاده لن تنجر إلى سباق تسلح جديد، لكنها ستعدل خططها لإعادة تسليح الجيش بما يتناسب مع مستوى الخطر. جاء هذا التصريح تعليقا على تدشين أول قاعدة للدرع الصاروخية الأمريكية في رومانيا، والشروع في بناء موقع عسكري مماثل على الأراضي البولندية. وشدد على أن "هذه المنظومة ليست دفاعية على الإطلاق، بل هي جزء من القدرات الاستراتيجية النووية للولايات المتحدة تم نقله إلى مناطق أخرى، وفي هذا الحال بالذات إلى أوروبا الشرقية".
وحذر بوتين الدول التي تلعب دورا سلبيا بتسخين الأجواء واستعداء القوى الكبرى بعضها على البعض الآخر، بقوله: "على أصحاب القرار الذين قبلوا بعناصر من الدرع الصاروخية الأمريكية على أراضيهم أن يتذكروا أنهم عاشوا حتى اليوم بهدوء وأمان، أما الآن، وبعد نشر عناصر الدرع الصاروخية في هذه المناطق، فإننا في روسيا سنضطر للتفكير في سبل وقف المخاطر التي تنشأ وتهدد أمن روسيا الاتحادية".
الأمور لا تسيير في اتجاه توسع الناتو، ومحاولات ابتزاز أوروبا بحجة الأمن، ولكنها تتجه أيضا نحو تهديدات غير منطقية من جانب الولايات المتحدة التي رأت بإمكانية فرض عقوبات إضافية ضد روسيا في حال لم تستجب موسكو لتنفيذ اتفاقات مينسك بشأن تسوية الأزمة الأوكرانية. وأكد منسق ملف العقوبات في وزارة الخارجية الأمريكية دانيال فريد، خلال لقاء نظمه المجلس الأطلسي في واشنطن، أن الولايات المتحدة لاتزال تَعِد برفع العقوبات في حال قامت روسيا بتنفيذ اتفاقيات مينسك في أوكرانيا.. ولكننا قادرون أيضا على النظر في اتخاذ تدابير إضافية، وقمنا بمناقشة ذلك مع الاتحاد الأوروبي".
وإذا نظرنا إلى هذه التصريحات سنجدها نسخة طبق الأصل من تصريحات مساعدة وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند التي أدلت بتصريحات مشابهة أثناء تواجدها في العاصمة الأوكرانية كييف. وهي تصريحات أصبحت مستهلكة للغاية، ولا تعكس الأمر الواقع وحقيقة ما يجري. فالمفوضة الأوروبية للسياسة الخارجية والأمن فيديريكا موغيريني صرحت في وقت سابق بأن الاتحاد الأوروبي لا يناقش زيادة العقوبات ضد روسيا في الوقت الراهن. الأمر الذي يعكس تناقضات واضحة بين مواقف واشنطن والعديد من العواصم الأوروبية التي تشعر بأنها باتت رهينة للسياسات العدوانية الأمريكية.