تقرير البرلمان الأوروبي يقف عند مذبحة الأرمن الشهيرة والتي لا تزال أنقرة تنكرها وتنكر حصولها على الطريقة التي يتم الحديث عنها في أوروبا.
افراسيانت - إدريس الكنبوري - يبدو أن تركيا بدأت في تسديد فاتورة سياستها الداخلية، ففي وقت متزامن رسم تقريران صادران عن البرلمان الأوروبي والخارجية الأميركية صورة سوداء للحالة السياسية والحقوقية في ظل حكم رجب طيب أردوغان وحزبه.
وعدّد التقريران قائمة من التجاوزات والخروقات التي تليق ببلد من العالم الثالث، هذا بينما تزداد أهمية موقع تركيا في السياسة الأوروبية تجاه ملف اللاجئين السوريين، وفي الأجندة الأميركية تجاه الوضع الأمني المشتعل في سوريا.
تقرير البرلمان الأوروبي وقف عند مذبحة الأرمن الشهيرة، التي لا تزال أنقرة تنكرها أو على الأقل تنكر حصولها على الطريقة التي يتم الحديث عنها في أوروبا. وقد انتقدت الحكومة التركية ذلك التركيز على المذبحة، التي حصلت ما بين 1915 و1916، وقتل فيها ما يزيد عن 500 ألف من الأرمن والأتراك.
وقال فولكان بوزكير، الوزير التركي للشؤون الأوروبية، إن موضوع المذبحة يجب أن يبت فيه المؤرخون فقط، وليس من شأن السياسيين أن يكتبوا التاريخ، وهو ما يؤشّر على فتح جبهة جديدة بين الطرفين أساسها الخلاف حول الذاكرة والاعتذار والتعويض، وما يجر إليه ذلك من مطالب سياسية للأرمن داخل تركيا، وهو ما تخشاه هذه الأخيرة التي لا تزال حتى اليوم، وطيلة عقود، تواجه مطالب الأكراد السياسية، ولا تنظر بعين الرضا إلى مطالب من نوع جديد.
وشكّلت مذبحة الأرمن نقطة تجاذب بين تركيا والاتحاد الأوروبي طوال الفترات الماضية، بيد أن الأوروبيين ربما لا يهتمون بالجانب السياسي للقضية فحسب بل ربما كان الجانب الرمزي أكثر أهمية. فالدولة التركية تقدم نفسها على أساس أنها وريثة التوجه الكمالي، الذي قطع مع الخلافة العثمانية في النصف الأول من عشرينات القرن الماضي، ولذلك فهي تدرج نفسها ضمن إطار الدولة القومية بالمفهوم الأوروبي الحديث.
غير أن استمرار نفي أنقرة للمذبحة يعكس رغبتها في أن تكون استمرارا للخلافة العثمانية، بدليل عدم الاعتراف بحادث لم تكن الدولة القومية التركية الحديثة مسؤولة عنه بشكل مباشر، ويدخل في سياق أحداث حصلت في تلك الفترة داخل وخارج تركيا، في ظل سيادة الباب العالي.
تقرير البرلمان الأوروبي صادق عليه ثلثا أعضاء البرلمان، وهذا مؤشّر على أن تركيا باتت أقل مصداقية بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. فخلال السنتين الأخيرتين بشكل خاص سجّلت الحكومة التركية تراجعا ملحوظا في مضمار الحقوق السياسية والمدنية والحريات الإعلامية.
تقرير الخارجية الأميركية يشكك في نتائج الانتخابات الأخيرة التي منحت حزب العدالة والتنمية موقعا متقدما
تم إغلاق العديد من الصحف ومن محطات التلفزيون، في عملية أشبه بالحملة الماكارثية ضد الشيوعيين في الولايات المتحدة في الخمسينات. وفي الشهر الماضي قامت القوات الأمنية التركية باقتحام مقر صحيفة زمان المحسوبة على فتح الله غولن، الذي يعيش في منفاه الاختياري بأميركا، حيث أقدمت على مصادرة الصحيفة وتحويلها إلى منبر ناطق باسم أردوغان ونظامه.
وفي الوقت الذي أراد فيه من خلال تلك الخطوة توجيه ضربة قاسية لحليفه السابق غولن وأتباعه في الداخل، بتجفيف منابع النفوذ الإعلامي، تحولت إلى فضيحة دولية جرت عليه الانتقادات، وتسببت في دفع موقع تركيا على سلم الحريات الإعلامية دوليا إلى موقع متأخر بكثير، مقارنة مع ما كان عليه الحال سنوات قبل ذلك. فأربع عشرة سنة من حكم العدالة والتنمية لم تدفع البلاد نحو الانفتاح الديمقراطي، بقدر ما وضعتها تحت ما سماه أكرم دومانلي، مؤلف كتاب “ماذا يحدث في تركيا؟” بـ”ظلم الأغلبية”.
تقرير الخارجية الأميركية لم يكن أقل قسوة من نظيره الأوروبي، بل إنه خصص أكثر من سبعين صفحة للوضع الحقوقي في تركيا، وهذا حجم كبير يعكس حجم الخروقات التي توجد اليوم على كاهل النظام التركي. وما زاد الطين بلة أن تقرير الخارجية الأميركية شكّك علنا في نتائج الانتخابات الأخيرة التي منحت حزب العدالة والتنمية موقعا متقدما في المشهد السياسي. وكشف التقرير أن الحكومة التركية لم تعمل ما في وسعها لحماية المدنيين خلال المواجهات مع حزب العمال الكردستاني، وهذا يعني بطريقة أخرى أن الحكومة التركية استعملت المدنيين ورقة سياسية، من خلال تعريضهم للعنف سعيا وراء تأجيج مشاعر الرأي العام التركي ضد الأكراد. السجل الحقوقي التركي دفع العديد من المسؤولين الأوروبيين إلى التساؤل حول مآل طموح أنقرة إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ونوعية المكاسب التي يمكن أن يحصل عليها الأوروبيون من وراء انضمام دولة لديها سجل ثقيل في مجال الحريات الإعلامية والسياسية والثقافية.
ومن شأن التحولات الداخلية الجارية اليوم في البلاد أن تؤثر بشكل سلبي على المفاوضات بين الجانبين وبالخصوص في مستوى شكل قبول أنقرة في النادي الأوروبي المغلق، فالواضح أن أوروبا بحاجة إلى تركيا، وهو ما ظهرت الأدلة عليه في أزمة اللاجئين، لكن بينما تعتقد تركيا أنها يمكن أن تكون ذات فائدة لأوروبا من داخل الاتحاد الأوروبي، يرى هذا الأخير أن الفائدة الأكبر ربما تكون بإبقاء أنقرة على جانبه فقط، دون الإذن بالدخول.
كاتب مغربي