افراسيانت - حسين محمد - تتضارب التصريحات الآتية من جنيف، بين الحكومة السورية ووفد المعارضة والأمم المتحدة الممثلة بـستيفان دي ميستورا.
حقيقة الأمر غير معروفة إلى الآن، هل ستعود المعارضة إلى المفاوضات يوم الاثنين المقبل، وهو الموعد الذي حدده رئيس الوفد السوري بشار الجعفري لعودة وفده إلى جنيف لاستئناف التفاوض؟ أم أن وفد المعارضة سيظل على موقفه في أن استئناف المفاوضات لن يحدث قبل تغير المعطيات السياسية والعسكرية.
موقف المعارضة بدا محيرا. ففي الوقت الذي غادر فيه أعضاء الوفد جنيف بقي مفاوضون هناك.. هل ذلك إشارة إلى أن الوفد لا يريد أن يظهر أمام المجتمع الدولي أنه معطل للعملية التفاوضية؟ أم أن بقاءهما متعلق بمتابعة التطورات في جنيف فقط؟
وأمام هذا الوضع كان على دي ميستورا الاختيار بين موقفين. ولأنه لا يتحمل فشل المفاوضات أو حتى تأجيلها بعدما تأجلت المرة الماضية، فقد أعلن أن المفاوضات مستمرة، لكن بشرط تدخل موسكو وواشنطن سريعا لاستمرار مفاوضات جنيف.
وبطبيعة الحال، فإن وقف وفد "معارضة الرياض" المفاوضات، لا يعني أنها لن تعود. فهذا أمر خارج قدرتها لإنه قرار مرتبط بالمجتمع الدولي. لكن المعارضة لا تملك أي وسيلة ضغط على المجتمع الدولي سوى الانسحاب من المفاوضات أو التلويح بالانسحاب.
المشكلة في واقع الأمر ليست هنا، وإنما في الأسباب التي تبرز مع انطلاق كل جولة جديدة من التفاوض. يتعلق الأمر أولا بانعدام الثقة بين الطرفين، وثانيا في أن كليهما يتعامل مع الآخر كعدو حقيقي لا تحل الأزمة السورية إلا بانعدامه، وهذا أمر غير ممكن في التسويات الكبرى.
ولعل تصريح الجعفري في "أن أعضاء وفد الهيئة العليا للمفاوضات أصلا لا يمثلون الشعب السوري، بل على العكس تماما؛ إذ ربما بذهابهم تُزال عقبة كبيرة، ونصل إلى حل لأن هؤلاء مزيد من المتطرفين والإرهابيين"، مؤشر واضح على ذلك.
كما أن رفض دمشق للمرونة، وفق ما يقوله معارضون من الهيئة العليا للمفاوضات، مع القرار الدولي 2254 في مواده المتعلقة بالمساعدات الإنسانية، يعقد المشكلة، ويباعد في الثقة بين الأطراف، لأن القرار الدولي حدد هذا المجال بأنه خطوات ثقة لا بد منها قبل انطلاق المفاوضات.
وفي المقابل، فإن خروج بعض الفصائل المسلحة من الهدنة العسكرية والالتحاق بـ"جبهة النصرة"، قد طرح أسئلة حول مدى جدية المعارضة المسلحة في الالتزام بالهدنة ثم بالعملية السياسية، بغض النظر عن اختراقات الجيش السوري وحلفائه للهدنة.
باختصار، يحاول كل طرف تطويع المفاوضات لصالحه: المعارضة تريد من المفاوضات تغيير النظام السياسي بالكامل، استنادا إلى فهم معين للمرحلة الانتقالية يستند إلى تجارب تاريخية؛ أي كما حدث في أكثر من مكان. لكنها لم تدرك أن الحالة السورية ربما تكون الاستثناء، فالواقع الداخلي للبلد سواء في تركيبة منظومة الحكم أو في التركيبة الديموغرافية من جهة، والتركيبة الإقليمية الدولية من جهة ثانية، لا يسمحان بهذا الفهم للمرحلة الانتقالية.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى دمشق، فهي تفهم المفاوضات على أنها مجال آخر للقتال يشابه أرض المعركة على الأرض وإن اختلفت الأساليب، وليس هدف جنيف سوى القضاء على المعارضة سياسيا، وإعادة بناء نظام الحكم لنفسه بأدوات جديدة دون إجراء أي تغيير حقيقي في النظام السياسي، وهي المشكلة نفسها التي تقع فيها دمشق.
ولم يدرك طرفا المفاوضات أن المعادلة السورية لا تصح فيها الرؤيتان، فلا إمكانية لتغيير سياسي كلي وسريع، ولا إمكانية لحسم عسكري كلي وسريع، فالأزمة السورية لم تعد منذ سنوات مسألة داخلية، بل تحولت إلى صراع إقليمي-دولي.
سيعود وفد المعارضة المفاوض إلى جنيف، سواء يوم الاثنين المقبل أو بعده، فليس مُهما تاريخ بعينه، المهم هي مرجعية التفاوض وآليات التفاوض وأهداف التفاوض، ودون اتفاق المجتمع الدولي على هذه المسائل، ستبقى المفاوضات تراوح مكانها.
ولهذا السبب يعمل كل طرف على ترتيب المرحلة الانتقالية وفق رؤيته، فالمعارضة تريد إنشاء هيئة حكم كاملة الصلاحيات ليتم الانتقال بعد ذلك إلى كتابة الدستور، وهذه العملية تمنح المعارضة مع ممثلي دمشق صلاحيات كاملة للحل السياسي. أما القيادة في دمشق، فتريد تشكيل حكومة موسعة من ثلاثة أطراف: ممثلين عنها، وعن المعارضة بالإضافة إلى مستقلين، على أن تناط بهذه الحكومة مهمة كتابة الدستور الذي سيكون مرجعا للعملية الانتخابية.
بين الرؤيتين فارق كبير، مرتبط بالهدف السياسي البعيد: في صيغة المعارضة سيتلاشى النظام السياسي الحالي في دمشق مع انتهاء المرحلة الانتقالية. ووفق الرؤية المقابلة، لن تحصل المعارضة بعد المرحلة الانتقالية على أي من النتائج السياسية التي تصر على تحقيقها.