افراسيانت - أشرف الصباغ - لا تزال روسيا تتعامل بعقلانية مع الملف السوري، وبالشكل الذي يضمن مسارات مجدية وفعالة لإيجاد تقاربات سياسية تمهيدا لتسويات قابلة للتحقيق على الأرض.
وعلى الرغم من كل الجهود التي يبذلها العديد من الدول، وعلى رأسها روسيا، إلا أن الولايات المتحدة لا تكل ولا تمل من طرح مقاربات أقرب إلى "التمارين الذهنية" منها إلى واقع الأحداث على الأرض. فهناك ملاحظات متواصلة للإدارة الأمريكية على أي خطوات إيجابية في الملف السوري أو حوله، حتى تحرير تدمر من الإرهاب لاقى تجاهلا أمريكيا في البداية، ثم عدم رضاء، ثم ترحيب متحفظ. ما يعني أن واشنطن تسعى في كل الحالات ليس فقط تحقيق مصالح خاصة وحصرية بعيدا عن حلفائها الغربيين، بل وأيضا بعيدا عن حلفائها العرب الذين يصرون على رحيل الرئيس السوري بشار الأسد كشرط لبدء تسويات ما غير معروفة وغير محددة.
نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أعلن مجددا أن "رحيل الرئيس السوري بشار الأسد لا يمكن أن يكون شرطا مسبقا لمواصلة المفاوضات السورية". وأوضح في الوقت نفسه بأنه "من المهم أن تبدأ أطراف المفاوضات في الجولة المقبلة، في 11 أبريل/نيسان، إجراء اتصالات مباشرة، وأن لا تتحول المفاوضات إلى سلسلة لقاءات بمشاركة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا ووفود الدول الأعضاء في مجموعة دعم سوريا". وكل ذلك من أجل التمهيد الجدي لكي يبدأ السوريون محادثاتهم في ما بينهم.
وفي ما يتعلق بالنقاط الجوهرية التي توصل إليها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال مباحثاته في موسكو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف، ترى موسكو أنه "لا يمكن تحديد الفترة الزمنية لوضع الدستور لأن ذلك يتطلب عملا تحضيريا... وسنعمل بشكل شامل على قضايا الدستور وغيرها من جوانب العملية السياسية في سوريا". وهو ما يعني بشكل أو بآخر أن ما تم الاتفاق عليه بين موسكو وواشنطن من الصعب تحقيقه أو تنفيذه على المدى القريب، وإنما على المدى المتوسط، لأن الأمور بحاجة إلى تهيئة الأجواء مع ممارسة كافة الضغوط الممكنة على جميع الأطراف.
وفي الحقيقة، لم يكن من الصعب إدراك أن الولايات المتحدة ستبدأ بتسريب معلومات معينة عن محادثاتها مع روسيا. بل وطرح معلومات تمت صياغتها بشكل يثير الكثير من الشكوك، ويعطي انطباعا بأن واشنطن هي التي تقود عملية التسوية في سوريا. فقد أعلنت السفارة الأمريكية في موسكو أن رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية جون برينان زار العاصمة الروسية مطلع شهر مارس/ آذار الحالي لمناقشة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد.
هذا على الأقل ما أكده باسم البعثة الدبلوماسية الأمريكية لدى روسيا الاتحادية ويليام ستيفنز بأن "برينان زار موسكو أوائل مارس/آذار لكي يشير أثناء اتصالاته مع مسؤولين روس إلى أهمية تمسك روسيا ونظام الأسد بالتزاماتهما بشأن وقف إطلاق النار في سوريا... وتجديد موقف الولايات المتحدة المبني على الدعم الكامل لعملية الانتقال السياسي في سوريا وضرورة رحيل الأسد ضمانا من أجل عملية انتقال ستعبر عن إرادة الشعب السوري".
صياغة ملتوية للغاية تعكس الفهم الأمريكي حتى لما يتم التوصل إليه مع الساسة والدبلوماسيين الروس من صيغ تكاد تكون واضحة. ومع ذلك تواصل واشنطن التأكيد على أمور ضمنية على الرغم من عدم الاتفاق عليها بشكل واضح وصريح ومباشر.
إن زيارة برينان إلى موسكو بحد ذاتها تعكس دلالات إيجابية للغاية. وبالتالي، لا يمكن أن يقتصر الحديث على مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، لأن هناك ملف الإرهاب الذي يهدد الجميع، بما فيهم روسيا والولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط. ولا يستبعد الكثيرون من المقربين لمثل تلك اللقاءات والمباحثات، أن تكون زيارة برينان إلى العاصمة الروسية قد تناولت قوائم المنظمات الإرهابية التي قد يتم إعلانها في أقرب وقت ممكن. أي أن هناك تعاون استخباراتي بين البلدين بصرف النظر عن كل التصريحات والخلافات والمشاكل بين البلدين الكبيرين.
ولكن أن تحاول الدبلوماسية الأمريكية اللجوء إلى صياغات غريبة وشكوكية في قصر التعاون الروسي – الأمريكي على تحديد مصير الأسد، فهذا الأمر يعطي انطباعا بأن هناك جناحا في الخارجية الأمريكية يقف ضد توجهات إيجابية في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في الولايات المتحدة، بل ويحاول هذا الجناح مغازلة صقور البنتاجون من جهة، والحلفاء الصقور من القوى الإقليمية. ما يفقد واشنطن مصداقيتها وشفافيتها وإمكانية التعويل عليها كشريك مسؤول عن الأمن الدولي والإقليمي، وبالذات في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب.