افراسيانت - سامر إلياس - أفلحت تركيا في توظيف أزمة اللجوء إلى أوروبا للخروج بمكاسب إضافية من بروكسل، مستغلة الانقسام الأوروبي بشأن حصص اللاجئين، ومخاطر انهيار معاهدة "شنغن".
وهرع ساسة القارة العجوز مرة أخرى لعقد لقاء، هو الثاني في أربعة أشهر، مع الحكومة التركية وسط تجاذبات أوروبية حول توزيع اللاجئين بين الدول، ومخاوف من نعي معاهدة "شنغن" رسميا، بعدما جمد كثير من البلدان العمل بها.
وسارع القادة الأوروبيون إلى إعلان إغلاق صفحة الهجرة عبر ممر تركيا-البلقان الجنوبي، رغم أن القرار النهائي بشأن الاتفاق مع تركيا رُحل إلى قمة الاتحاد المقبلة في 17 و18 من الشهر الحالي في بروكسل.
هيئة الإحصاء الأوروبية "يورو-ستات" كشفت أن عدد طالبي اللجوء في عام 2015 تضاعف مرتين، مقارنة بعام 2014، ووصل إلى مليون ومئتي ألف شخص، وأن عدد الواصلين إلى الجزر اليونانية عبر تركيا بلغ 126 ألف لاجئ.
ويوضح استمرار تدفق اللاجئين من تركيا أن الاتفاق، الذي تم التوصل إليه بين أنقرة وبروكسل في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لم يسهم في وقف سيل اللاجئين من سوريا وأفغانستان والعراق وإيران وآسيا الوسطى إلى القارة العجوز.
وفي مواجهة تدفق اللاجئين، بدأت بلدان البلقان تغلق الحدود وتشيد جدرانا وسياجات من الأسلاك الشائكة، وتنشر قواتها على الحدود؛ فيما جمدت بعض الدول العمل بمعاهدة" شنغن" للتنقل الحر للأفراد والبضائع، وأعلنت دول أخرى مثل السويد عجزها اللوجستي عن استيعاب أعداد إضافية من اللاجئين. وتواجه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ضغوطا من داخل حزبها ومن الإدارات المحلية، بسبب العجز عن تأمين المأوى لأعداد اللاجئين الكبيرة بسبب انتهاجها سياسة الأبواب المفتوحة.
كل هذه العوامل أدت إلى ازدياد أعداد العالقين في اليونان، وتفاقم معاناتهم، وتوقف تنفيذ خطة توزيع اللاجئين، وسط خلافات بين إيطاليا واليونان من جهة، وبقية البلدان الأوروبية من جهة أخرى؛ فاليونان أبدت امتعاضها من عدم تنفيذ خطة إعادة توزيع 160 ألف لاجئ بسبب اعتراض بلدان وسط وشرق أوروبا على الخطة، وإغلاق النمسا لحدودها، وفي المقابل اتهمت فيينا وعواصم أخرى أثينا بالتقاعس عن وقف تدفق اللاجئين، ووصل التجاذب إلى حد التلويح بإخراج اليونان من منطقة اليورو.
وأمام حالة الانقسام والتخبط في أوروبا، وجدت تركيا الفرصة سانحة من أجل تعزيز مكاسبها في اتفاقها السابق منذ أربعة أشهر، والذي خرجت منه بتعهد أوروبي بدفع ثلاثة مليارات يورو لتقاسم أعباء اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها، وإعادة فتح ملف انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، ودراسة تخفيف القيود على سفر مواطنيها إلى منطقة "شنغن".
ومع استيعاب تركيا لمحدودية الدور الأوروبي في فرض وقائع سياسية وميدانية على الأرض السورية، من قبيل إقامة مناطق آمنة، أو مناطق حظر جوي في شمال سوريا.. اتجهت أنقرة إلى التركيز على القضايا الاقتصادية والمعنوية؛ فطالبت الأوروبيين في قمة البارحة بثلاثة مليارات يورو إضافية. ورغم إدراك "الباب العالي" أن الدخول إلى البيت الأوروبي غير ممكن لأسباب دينية واقتصادية وسياسية، وبسبب المعايير الأوروبية لحقوق الإنسان، فقد سعى لفوز معنوي، يتمثل في تسريع بحث انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. كما أن طرح إلغاء التأشيرات عن الأتراك اعتبارا من مطلع الصيف الحالي يمنح فرصة لرجال الأعمال الأتراك لتعويض خسائرهم، ويمنح الاقتصاد التركي فرصة لمعاودة تحقيق نسب نمو مرتفعة.
ومما لا شك فيه، أن أنقرة تراهن على أن تعوض هذه الخطوة خسائرها الاقتصادية بسبب الأحداث، التي تلت "الربيع العربي"، وفقدان سوريا كبوابة للانفتاح الاقتصادي على الأردن والخليج، وتراجع علاقاتها مع الحكومة المركزية في العراق، ومشكلاتها مع مصر، وتبعات إسقاط القاذفة الروسية قرب حدودها مع سوريا.
ومن الواضح، أن الاتحاد الأوروبي استبق الأحداث بإعلانه أن "زمن الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا قد ولى"؛ فالأيام العشرة المقبلة قد لا تكفي لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق الجديد مع تركيا، والذي تضمن وقف تدفق اللاجئين، واستعادة تركيا اللاجئين غير الشرعيين، بمن فيهم السوريون، ممن وصلوا عبر بحر إيجة. كما أن رضوخ بروكسل لضغوط أنقرة لن ينهي المشكلة؛ فتركيا تستطيع إشهار ورقة اللاجئين مرة أخرى في وجه أوروبا في حال عدم تنفيذ النقاط، التي تصب في مصلحتها. كما أن الخلافات حول توزيع الحصص ستستمر، في ظل انقسام بين بلدان فقيرة تعارض استقبال اللاجئين، وتزداد فيها الحركات العنصرية المعادية للأجانب، وبلدان غنية، بدأت تتلمس وقع الالتزامات الكبيرة لتأهيل ورعاية اللاجئين، وتبرز فيها حركات عنصرية جديدة على خلفية صعوبة دمج اللاجئين، وتمايزهم عن ثقافات البيئات المستقبلة لهم.
وأخيرا فإن تسليم "الباب العالي" مفاتيح أوروبا لن يسهم في إيجاد حل ناجع لأزمة اللاجئين؛ ولعل المطلوب هو زيادة دور أوروبا في بناء تحالفات لإنهاء الحروب، ومساعدة شعوب الشرق الأوسط وأفغانستان في تطوير اقتصاداتها، والدفع باتجاه بناء ديمقراطيات تلبي طموحات الشعوب، وتجعلها لا تفكر بالهجرة، أو تضطر إلى خوض غمار البحار بقوارب الموت طلبا للجوء.