افراسيانت - حسين محمد - تسارعت الجهود الأوروبية خلال اليومين الماضيين بشكل لافت قبيل انطلاق القمة الأوروبية-التركية المرتقبة في السابع من الشهر الجاري.
وبدا الاتحاد الأوروبي مرتاحا لأول مرة لمباحثاته مع الأتراك من جهة، وللمباحثات الأوروبية-الأوروبية من جهة أخرى؛ وهو ما أعرب عنه رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك قائلا: "دعوني أختم بملحوظة إيجابية: للمرة الأولى منذ بدء أزمة الهجرة أستطيع أن أرى إجماعا أوروبيا يتبلور.. إنه إجماع حول استراتيجية شاملة، إذا ما طبقت بصدق، يمكن أن تساعد في كبح تدفق (اللاجئين) ومعالجة الأزمة."
والإجماع، الذي يقصده توسك، هو وضع قيود مشددة على عبور المهاجرين من اليونان إلى ألمانيا والدول الاسكندينافية، مع الأخذ بعين الاعتبار أوضاع اليونان الاقتصادية.
ولم يكن لهذا الاتفاق بين الأوروبيين أن ينجح لولا موافقة تركيا على إعادة سريعة وواسعة النطاق لكل المهاجرين من اليونان إلى تركيا باستثناء السوريين، الذين يحتاجون إلى حماية دولية، وفق مواثيق الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفي مؤشر على وجود تفاهم تركي-أوروبي واضح، أعلنت المفوضية الأوروبية، بالتزامن مع وجود توسك في أنقرة، أنها ستسلم تركيا أول دفعة من المساعدات المالية، البالغة ثلاثة مليارات يورو.
ومن شأن هذا التوافق السماح لدول الاتحاد الأوروبي، وحتى الدول غير الأعضاء، بالعودة إلى التطبيق الشامل للقرارات المشتركة؛ ومنها اتفاقية شنغن. ذلك أن الاتفاق على تقييد دخول المهاجرين من بلدان العبور، كاليونان، سيساهم في إزالة أي رقابة على الحدود الداخلية بحلول كانون الأول / ديسمبر تمهيدا للعودة إلى تفعيل فضاء شنغن بصورة طبيعية بنهاية العام الجاري 2016.
لكن المشكلة، التي تواجه هذا التفاهم، تتمثل في أن مسؤولية نجاحه منوطة بأثينا، التي يطالبها الاتحاد الأوروبي بسد الثغر الجديدة في حماية الحدود الخارجية، وهي مسؤولية تفوق طاقة اليونان على تحملها لوحدها.
والمشكلة الثانية تكمن في أن الاتحاد الأوروبي وضع خريطة طريق تتضمن محورين: الأول تحديد جدول زمني لليونان لحل "الثغر الكبيرة" في ضبط حدودها الخارجية، والثاني وضع بديل لاتفاقية دبلن، التي تنص على أن يقدَّم طلب اللجوء في بلد الوصول، وبالتالي إعادة صاحب البصمة إلى البلد، الذي بصم فيه؛ لكن المفوضية الأوروبية لم تفصح عن طبيعة هذه الخطة البديلة.
وثمة مشكلة ثالثة مرتبطة بالمطالب الأوروبية من تركيا والحدود، التي تستطيع تنفيذها الأخيرة. وبدا الطرفان، رغم التفاهمات الكبيرة، التي توصلا إليها، ينظران إلى المسألة من زاويتين مختلفتين: توسك ما زال يعتقد أن أعداد المهاجرين كبيرة. في حين أن أنقرة ترى عكس ذلك؛ حيث قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إن أنقرة ترى تراجعا ملحوظا في أعداد اللاجئين، الذين يصلون إلى حدودها، بسبب تغيير قواعد الحصول على تأشيرة الدخول.
وهذه النقطة عبر عنها بوضوح المفوض الأوروبي لشؤون الهجرة والشؤون الداخلية ديمتريس أفراموبولوس أمس، حين نفى أن تكون هناك عملية مساومة أو صفقة بين الاتحاد وتركيا بشأن الهجرة. غير أنه أقر بأن لكل طرف منهما مسائل عالقة ستكون إشكالية للطرف الآخر، يجب التوافق عليها في نهاية الأمر.
فرنسا وألمانيا
تعَدُّ ألمانيا وفرنسا أهم عضوين في الاتحاد الأوروبي، من حيث القوة الاقتصادية والمساحة الجغرافية؛ لكن الهجرة باعدت في مواقف البلدين، بين دولة فتحت أبوابها على مصراعيها، وأخرى أغلقت الباب، ورفضت توزيع اللاجئين بحسب إمكانية كل بلد.
ووصل الأمر بين البلدين إلى حد توجيه رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس انتقادات حادة إلى سياسة الأبواب المفتوحة أمام اللاجئين، التي انتهجتها ميركل. لكن برلين ردت على التصريح الفرنسي هذا، الذي جاء من داخل الحدود الألمانية، بالقول إن فالس ليس محاورا لميركل.
ولم تكتف برلين بذلك، بل وجهت نقدا لاذعا إلى باريس، لتأخرها في توفير وسائل استقبال المهاجرين، وتهيئة الظروف المناسبة لهم.
والمفارقة اليوم هي في أن ألمانيا وفرنسا تتبادلان الأدوار حيال اليونان؛ فأثناء أزمة اليونان الاقتصادية قبل عامين، كانت فرنسا داعمة لليونان، في حين اتخذت ألمانيا موقفا متصلبا إزاء السياسة الاقتصادية اليونانية. أما اليوم فتقف ميركل مع الرأي، الذي يدعو إلى عدم ترك اليونان تواجه وحدها أزمة الهجرة، في وقت يبدو الموقف الفرنسي رماديا.
وتأتي قمة ميركل-هولاند لتضع النقاط على الحروف وتهيئ الأرضية لموقف أوروبي موحد قبيل القمة المرتقبة مع تركيا؛ ويبدو البلدان أقرب إلى الرؤية التركية في ضرورة إبقاء اللاجئين الفارين من النزاع السوري في المنطقة.
ويبدو أيضا أن ميركل استطاعت إقناع باريس باستقبال 30 ألف مهاجر، والتعهد بإرسال سفينة فرنسية إلى قبالة سواحل تركيا في إطار نشاط حلف شمال الأطلسي، للمساعدة على ضبط تدفق اللاجئين في بحر إيجة.
وتعَدُّ الموافقة الفرنسية هذه تطورا مهما على صعيد تطبيق التفاهمات الأوروبية، التي تم التوصل إليها في القمة الأوروبية السابقة قبل نحو شهرين، والتي تهربت منها دول البلقان.
وربما أتى التوافق الألماني-الفرنسي ضمن توافق أوسع أعلنت عنه الأمم المتحدة، بأنها وضعت خطة بالتوافق مع كثير من الدول على إعادة توطين 10 في المئة من اللاجئين السوريين المقيمين في دول الجوار، في مختلف أنحاء العالم خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.