
افراسيانت - في احدى جلسات الامم المتحدة , شنّ مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان، هجوماً حاداً ضد أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومزق صفحات من ميثاق المنظمة، احتجاجاً على التصويت على مشروع قرار يدعو لتوسيع امتيازات فلسطين كـ"دولة مراقب".
وأحضر المندوب الإسرائيلي إلى منصة الجلسة "ماكينة صغيرة" مزّق من خلالها صفحات من ميثاق الأمم المتحدة، للتعبير عن رفض التصويت، وذلك عقب إنهاء كلمته أمام الجمعية العامة.
واستخدم المندوب الإسرائيلي ألفاظاً حادة وإهانات وجهها للمندوبين ممثلي دول العالم في الجمعية العامة، وامتد قاموسه من وصف هيئة الأمم المتحدة بـ"الوقاحة" إلى إنهاء كلمته بصيحات "عار عليكم" في وجه الحاضرين.
ووجّه إردان، في كلمته، اتهامات لاذعة لأنصار القضية الفلسطينية، زاعماً أن التصويت لصالح قيام دولة فلسطين يعني "العودة للنازية".
وذكر قبيل التصويت على مشروع القرار، أنه يريد أن يتذكر العالم أجمع هذا "العمل غير الأخلاقي"، مضيفاً أن الدول الأعضاء "تمزق ميثاق الأمم المتحدة بأيديها".
ووجه إردان حديثه لمندوبي الدول الأعضاء: "لقد اختارت هذه الهيئة الوقحة مكافأة النازيين المعاصرين بالحقوق والامتيازات"، مضيفاً: "هيئة الأمم المتحدة تكافئ هذه الدولة في ذكرى الهولوكوست.. هل فقدتكم أبصاركم، أم أنكم تخافون التهديد الدبلوماسي من فلسطين والمتآمرين معها".
واتهم المندوب الإسرائيلي الجمعية بأنها تنتهك الميثاق بتجاوزها مجلس الأمن "واستهزاء معنى محبة السلام"، منهياً حديثه بعبارة "عار عليكم".
لم يتوقف الامر عند هذا الحد , بل استمرت اسرائيل بقيادة حملة مسعورة ومستمرة ضد الامم المتحدة والمنظمات الدولية التابعة لها .
تجند اسرائيل العديد من الناصرين لها في هذه الحملة كالمؤلف (د. لدى واينبرغ والذي له علاقات وثيقة مع القادة الإسرائيليين ويشارك الأفكار اليمينية للحكومة الإسرائيلية. المذكور يطلب من الإدارة الأمريكية مراجعة العلاقات مع الأمم المتحدة حتى لوقف تمويلها. ويتهم الأمم المتحدة بمعاداة السامية، مؤكدا أن قرارات مجلس الأمم المتحدة المناهضة لإسرائيل تهين الولايات المتحدة وتتجاهل الطابع الخاص للعلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
بدورها , وبدلا من الأمم المتحدة، تقترح إسرائيل إنشاء بعض الهياكل البديلة التي من شأنها تأمين مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
وتؤكد حجة المؤلف المقرب من نتنياهو على أن النخب الإسرائيلية تؤمن بالوضع "الاستثنائي" لبلدهم والجهل بالمصالح الوطنية للدول الأخرى. في الوقت نفسه، تتجاهل إسرائيل دور الأمم المتحدة في إنشاء إسرائيل وفي الحفاظ على السلام والأمن الدوليين بعد الحرب العالمية الثانية.
كذلك لا تأخذ الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في الاعتبار نهج الدول العربية والأفريقية في إصلاح الأمم المتحدة. إنهم يريدون إنقاذ هيمنتهم من خلال الحد من دور الدول غير الغربية في العلاقات الدولية.
من ليس معي فهو ضدي".. إسرائيل تواجه خصومها "الأمميين"
تخوض إسرائيل صراعا مع العديد من المنظمات الدولية على عدة جبهات، بذريعة أنها منحازة للفلسطينيين، وقد تجلى هذا الصراع بصورة واضحة منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة.
يرجع صراع إسرائيل مع المنظمات الدولية إلى مجموعة من الأسباب التي تشمل الجوانب السياسية والقانونية والحقوقية، إذ تختلف رؤية إسرائيل للقوانين والأحكام الدولية المتعلقة بالأراضي الفلسطينية المحتلة والنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، كما أنها تعتبر أن هذه المنظمات تتبنى مواقف تنحاز للفلسطينيين أو تنتقد سياساتها بشكل غير عادل.
وفيما يلي نستعرض أبرز ملامح الصراع بين إسرائيل والمنظمات الدولية:
1. الصراع مع الأمم المتحدة:
تنتقد إسرائيل الأمم المتحدة بحدة، حيث ترى أن القرارات التي تصدر عن الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان تتسم بالانحياز ضدها. كما تعترض إسرائيل على تعيين لجان تحقيق خاصة بأعمالها في الأراضي الفلسطينية، وتعتبر هذه التحقيقات متحيزة وغير عادلة.
تتهم إسرائيل الأمم المتحدة بتجاهل التحريض على العنف من جانب الفصائل الفلسطينية، معتبرة أن المنظمة تركز بشكل مفرط على تصرفاتها العسكرية وإجراءاتها الأمنية.
2. الصراع مع مجلس حقوق الإنسان:
تواجه إسرائيل انتقادات متكررة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي يصدر بانتظام قرارات تدين سياساتها في الضفة الغربية وقطاع غزة. إسرائيل ترفض التعاون مع بعض لجان التحقيق الصادرة عن المجلس، وتعتبر أن المجلس يعتمد معايير مزدوجة وينتقدها بشكل غير متوازن.
في عام 2012، قررت إسرائيل قطع العلاقات مع مجلس حقوق الإنسان بعد أن تم إنشاء لجنة تحقيق حول المستوطنات، ورغم عودة التعاون بشكل محدود، إلا أن العلاقات تظل متوترة.
3. الصراع مع المحكمة الجنائية الدولية (ICC):
تعارض إسرائيل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في التحقيق بجرائم حرب محتملة في الأراضي الفلسطينية. وتعتبر أن المحكمة تتدخل في شؤونها الداخلية وأنها لا تملك الاختصاص القانوني للتحقيق في القضايا المتعلقة بإسرائيل، خاصة أن إسرائيل ليست عضوا في المحكمة، حيث لم تصادق على نظام روما الأساسي، الذي أسس المحكمة عام 2002. وبذلك، ترفض إسرائيل الاعتراف بولاية المحكمة على المواطنين الإسرائيليين أو الأنشطة التي تتم في الأراضي الفلسطينية.
هذا وتتجنب إسرائيل التعاون مع المحكمة وتنتقد قراراتها، معتبرة أن المحكمة تسيس القضايا وتتخذ مواقف منحازة.
وفيما يتعلق بقرارات المحكمة حول جرائم الحرب، فلم تصدر المحكمة حتى الآن أحكاما نهائية ضد إسرائيل، لكنها فتحت ملفات تحقيقات تتعلق بجرائم حرب في سياق العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والنشاط الاستيطاني في الضفة الغربية. لكن إسرائيل ترفض هذه التحقيقات وتعتبرها غير شرعية ومبنية على أسس غير قانونية.
4. الصراع مع منظمة الصحة العالمية (WHO):
في سياق الجائحة وانتقادات التعامل مع الأراضي الفلسطينية، تواجه إسرائيل بعض الانتقادات من منظمة الصحة العالمية فيما يتعلق بوصول اللقاحات إلى الفلسطينيين، وتعتبر إسرائيل أن الانتقادات مبالغ فيها وأنها تبذل جهودًا للتنسيق مع السلطة الفلسطينية.
5. الصراع مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا":
تتبنى إسرائيل موقفا ناقدا بل رافضا لوجود الوكالة وتعتبر أنها تدعم القضية الفلسطينية وتزيد من التوترات في المنطقة، بدلا من المساعدة في حلها.
وتتهم إسرائيل "الأونروا" بتكريس قضية اللاجئين بدلا من حلها، من خلال توسيع تعريفها للاجئين ليشمل الأجيال المتعاقبة، وتتهما بالتساهل مع وجود حركة حماس وجماعات مسلحة أخرى داخل منشآتها، خاصة في قطاع غزة. كما تزعم إسرائيل أن بعض منشآت الأونروا تستخدم لتخزين الأسلحة أو لتسهيل أنشطة حماس، وهو ما تنفيه الأونروا وتؤكد على التزامها بالحيادية.
كما تدعو إسرائيل بعض الدول إلى إعادة تقييم دعمها المالي للأونروا، وتقترح إلغاء الوكالة ونقل مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، التي تتعامل مع اللاجئين في باقي العالم.
6. الصراع مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة "اليونيفيل" في جنوب لبنان:
تتخذ إسرائيل موقفا معقدا من القوات حيث تتعامل معها بشكل رسمي باعتبارها جهة محايدة تهدف لضمان الاستقرار على الحدود مع لبنان، لكنها تعبر في الوقت ذاته عن قلقها وتحفظاتها بشأن دور هذه القوات وفاعليتها.
ففي حين تدعم إسرائيل وجود قوات اليونيفيل باعتبارها جزءا من قرار مجلس الأمن 1701، هي تنتقد اليونيفيل بسبب ما تعتبره قصورا في تنفيذ مهامها، خاصة في مراقبة ومنع حزب الله من تعزيز وجوده العسكري في جنوب لبنان.
وتدعي إسرائيل أن قوات اليونيفيل غير قادرة على منع تهريب الأسلحة أو التصدي لأنشطة حزب الله المتزايدة في المناطق القريبة من الحدود.
7. الصراع مع المنظمات الحقوقية الدولية:
تنتقد إسرائيل بشدة المنظمات الحقوقية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، حيث أصدرت المنظمتان تقارير تتهم إسرائيل بممارسة سياسات فصل عنصري ضد الفلسطينيين. وترى إسرائيل أن هذه التقارير منحازة وغير دقيقة، وأنها تتجاهل حقها في الدفاع عن أمنها ضد الهجمات.
أما بالنسبة إلى موقف إسرائيل من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فقد أعلنت تل أبيب في 2 أكتوبر الحالي أنه "شخصية غير مرغوب فيها"، وعادت وأكدت في 12 أكتوبر أنها لن تلغي هذا القرار على الرغم من إدانة 105 أعضاء في الأمم المتحدة هذا القرار.
وقد تعرض غوتيريش لانتقادات شديدة من إسرائيل بسبب تصريحاته حول الوضع الإنساني في قطاع غزة، خصوصا بعد العمليات العسكرية الإسرائيلية هناك. وتعتبر أن موقف الداعي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وفق القرارات الدولية يركز بشكل كبير على معاناة الفلسطينيين ويتجاهل ما تعتبره مخاوفها الأمنية.
كم وتعتبر أن دعوته إلى التحقيقات الدولية في حوادث العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هو انحياز ضدها، وأدوات لتشويه صورتها على الساحة الدولية.
وقد ازدادت التوترات بشكل ملحوظ بين إسرائيل وغوتيريش خلال النزاعات الأخيرة، حيث أعرب غوتيريش عن قلقه من الإجراءات الإسرائيلية في القدس وغزة، كما أعرب عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني، مما دفع إسرائيل إلى توجيه انتقادات حادة له ووصفه بأنه يتبنى موقفًا منحازًا.
أما فيما يتعلق بقرارات الأمم المتحدة التي رفضت تطبيقها إسرائيل تطبيقها نستعرض أبرزها:
1. القرار 194 (1948) - حق العودة: يدعو هذا القرار إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وتعويض من لا يرغب في العودة، وهو موضوع حساس ولا يزال غير مُنفذ.
2. القرار 242 (1967) - الانسحاب من الأراضي المحتلة: صدر بعد حرب 1967 ويطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها خلال الحرب (الضفة الغربية، القدس الشرقية، قطاع غزة، شبه جزيرة سيناء، ومرتفعات الجولان). لم تلتزم إسرائيل بالانسحاب من جميع الأراضي المحتلة باستثناء سيناء، التي أُعيدت إلى مصر بموجب اتفاقية كامب ديفيد.
3. القرار 338 (1973) - وقف إطلاق النار: صدر خلال حرب أكتوبر، ويدعو إلى وقف إطلاق النار والبدء في مفاوضات لتحقيق سلام دائم بناءً على القرار 242. التزمت إسرائيل جزئيًا ببنود وقف إطلاق النار، لكن المفاوضات لم تؤد إلى حل شامل.
4. القرار 446 (1979) - عدم شرعية المستوطنات: ينص القرار على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة ويطالب بوقف النشاط الاستيطاني. لم تلتزم إسرائيل بهذا القرار واستمرت في توسيع المستوطنات.
5. القرار 478 (1980) - القدس: يدين هذا القرار قرار إسرائيل بضم القدس الشرقية واعتبارها عاصمة لها، ويطالب الدول الأعضاء بعدم نقل سفاراتها إلى القدس. إسرائيل رفضت القرار، واستمرت باعتبار القدس عاصمتها الموحدة.
6. القرار 497 (1981) - مرتفعات الجولان: صدر بعد إعلان إسرائيل ضم الجولان، ويطالب القرار بعدم الاعتراف بهذا الضم. إسرائيل لم تلتزم وتعتبر الجولان جزءًا من أراضيها.
7. القرارات 1397 و1515 و2334 - حل الدولتين والمستوطنات: تؤكد هذه القرارات دعم حل الدولتين وتدين النشاط الاستيطاني باعتباره عقبة أمام السلام. لم تلتزم إسرائيل بوقف بناء المستوطنات.
8. قرار مجلس الأمن رقم 2728 - الذي دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، والإفراج عن الرهائن، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية دون عوائق.
9. قرار رقم 2735- تم تبنيه لدعم اتفاق وقف إطلاق النار مع "حماس" لكن إسرائيل لم توافق عليه علنا، مشيرة إلى تعقيدات سياسية داخلية تعوق قبول هذا النوع من الاتفاقات.
10. تأييد مسعى فلسطين
وأعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الجمعة، تأييدها لمسعى الفلسطينيين لنيل العضوية الكاملة في المنظمة الدولية بعد أن أقرت بأنهم باتوا مؤهلين للانضمام إليها، وأصدرت توصية لمجلس الأمن الدولي "بإعادة النظر في الأمر بصورة إيجابية".
واعتمدت الجمعية العامة القرار اليوم الجمعة بأغلبية 143 صوتاً مؤيداً، مقابل تسعة أصوات معارضة، منها الولايات المتحدة وإسرائيل، بينما امتنعت 25 دولة عن التصويت.
ويعد تصويت الجمعية العامة المؤلفة من 193 دولة عضواً استطلاعاً عالمياً، لمدى التأييد الذي يحظى به المسعى الفلسطيني للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وهي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى الاعتراف فعلياً بدولة فلسطينية بعد أن استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (فيتو) ضد هذا المسعى في مجلس الأمن الشهر الماضي.
ولا ينص القرار على منح الفلسطينيين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، لكنه يقر بأنهم مؤهلون للانضمام إليها.
وينص قرار الجمعية العامة على "أن دولة فلسطين... ينبغي بالتالي قبول عضويتها" و"يوصي مجلس الأمن بإعادة النظر في الأمر بصورة إيجابية".
ومن شأن قرار الجمعية العامة أن يمنح الفلسطينيين بعض الحقوق الإضافية والميزات اعتباراً من سبتمبر 2024 مثل مقعد مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في قاعة الجمعية، لكن دون أن يكون لهم الحق في التصويت بها.
وللفلسطينيين حالياً وضع دولة غير عضو لها صفة مراقب، وهو اعتراف فعلي بدولة أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2012.
خلصت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة اليوم إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة وأن كبار المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حرضوا على هذه الأفعال.
واستشهدت اللجنة بأمثلة منها حجم عمليات القتل، وعرقلة المساعدات، والنزوح القسري، وتدمير مركز للخصوبة لدعم النتائج التي خلصت إليها بشأن الإبادة الجماعية، لتضيف صوتها إلى جماعات حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات التي توصلت إلى نفس النتيجة.
تدعم الولايات المتحدة الامريكية اسرائيل بشكل تام حتى بمعرفة العديد من المشرعين الامريكيين والذين يجاهرون بارائهم بشكل علني ’ وتساعد اسرائيل في حملتها ضدالامم المتحدة ولو انها لا تعلن ذلك بشكل مباشر , فما قصة السياج الذي تضربه واشنطن على مقر الأمم المتحدة ؟
من امثلة هذا الدعم , سُجّلت عشرات حالات رفض التأشيرات لممثلي دول وكيانات معترف بها أمميا على مدى العقود المنصرمة من قبل الولايات المتحدة، والتي عُهد لها باستضافة مقر الأمم المتحدة في نيويورك عام 1947، مما منحها نوعا من التحكم المباشر في وصول ممثلي الدول إلى المنصة الدبلوماسية الأهم عالميا.
وكان آخر حالات رفض التأشيرة وأوسعها في أغسطس/آب 2025، حين أعلنت واشنطن إلغاء تأشيرات الوفد الفلسطيني قبيل الدورة الجديدة للجمعية العامة.
ورغم وضوح النصوص الملزمة في اتفاقية مقر الأمم المتحدة والتي تُؤكد حق الدول في حرية دخول الأراضي الأميركية لأغراض أممية، فإن الولايات المتحدة تستند إلى ثغرات قانونية في تشريعاتها الفدرالية لحجب تأشيرات الدخول، متذرّعة بـ"مخاوف أمن قومي" واتهامات بـ"التحريض" و"دعم الإرهاب" و"انتهاك حقوق الإنسان".
ويثير هذا المسلك الأميركي تساؤلات مستحقة عن الدوافع في ظل انتقادات دولية تتهم واشنطن بالانتقائية في تطبيق المعايير المتبناة رسميا لديها.
فما الخلفيات التاريخية والقانونية لسياسة الحرمان من التأشيرات؟ وماذا يمثل القادة الذين يحرمون فعليا من حضور أكبر المنابر الأممية؟ وكيف تتداخل السياسة بالقانون في هذا المشهد الذي يمثل اختبارا للبنى الدولية كفواعل مستقلة أو مُستغلة؟
الجذور التاريخية ودور الدولة المضيفة
برزت أمثلة عديدة عبر تاريخ الأمم المتحدة تُظهر توظيف الولايات المتحدة ميزة استضافة المقر لديها كنقطة نفوذ جيوسياسي.
ولم تتسم ردود الفعل بغض الطرف دائما، فقد قاطع الاتحاد السوفياتي في منتصف القرن الماضي -على سبيل المثال- جلسات مجلس الأمن لفترة وجيزة احتجاجا على قضية تمثيل الصين، حيث منح التمثيل للصين في الأمم المتحدة لجمهورية الصين بقيادة "كاي شيك" في تايوان، على حساب جمهورية الصين الشعبية بقيادة "ماو تسي تونغ".
ولا تتوقف الولايات المتحدة في إجراءات التحكم عند منع دخول أراضيها، بل تفرض إجراءات أخرى تحد من تحركات بعض القادة حتى وإن سمح لهم بالمكوث. فقد فرضت واشنطن في ستينيات القرن الماضي قيودا على تحركات فيدل كاسترو ضمن أميال محدودة.
استمرت واشنطن خلال الحرب الباردة في تبني هذا النهج ضد خصومها الأيديولوجيين، فقد واجه ممثلو الاتحاد السوفياتي ودول الكتلة الشرقية وحركات التحرر الوطني من أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية قيودا متكررة.
أما في الثمانينيات، فقد سلكت الدول سلوكا عُدّ احتجاجا غير مسبوق عندما رفضت الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس رونالد ريغان منح التأشيرة لياسر عرفات عام 1988، حيث حزم دبلوماسيو الدول وقادتها حقائبهم لعقد اجتماع الجمعية العامة في جلستها التاريخية في جنيف كحل بديل.
ومع أن هذا عُدّ سابقة كان من المفترض أن تحد من سلوك الولايات المتحدة، فقد تكرّرت سيناريوهات منع للمشاركة لاحقا ضد قيادات دولية مختلفة.
من الناحية النظرية، يحاول المجتمع الدولي الحفاظ على استقلالية الأمم المتحدة عن القيود القانونية أو الأمنيّة للدول المضيفة. لكن في الواقع، يعتمد النظام الأممي بشكل كبير على توازنات القوى الكبرى في مجلس الأمن، وتحديدا حين تتقاطع المصالح الأميركية مع اعتبارات سياسية ومصلحية.
وفي الوقت الذي تتعالى فيه تساؤلات حول مدى توافق هذه القيود مع نصوص الاتفاقيات ومعايير القانون الدولي، تبدو واشنطن عازمة على الاستمرار في سياسة "الاصطفاء" التي تبررها تشريعات محلية وأجندة سياسية مختلفة.
القادة المحرومون
يمثل القادة المحرومون من التأشيرات الأميركية طيفا واسعا من التوجهات السياسية والأيديولوجية والذين يجمعهم قواسم مشتركة متمثلة في معارضتهم السياسات الأميركية وتحديهم للهيمنة الغربية.
واجهت إيران بشكل خاص حملة ممنهجة من الرفض والتقييد شملت قياداتها على مختلف المستويات. فقد حُرم وزير الخارجية محمد جواد ظريف في يناير/كانون الثاني 2020 من دخول الولايات المتحدة.
وقد سبق ظريف ولحقه عشرات المسؤولين الإيرانيين الذين واجهوا المصير ذاته. وكان السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة مجيد تخت روانجي قد اشتكى مرارا من حرمان وفود بلاده بشكل روتيني ومنتظم من التأشيرات.
لا يقتصر الأمر على إيران وحدها، فقد واجه الدبلوماسيون الكوبيون قيودا مستمرة منذ الثورة الكوبية عام 1959 على خلفية استمرار العداء الأيديولوجي الذي يعود إلى الحرب الباردة.
وتمثل فنزويلا تحت حكم نيكولاس مادورو مثالا آخر، حيث واجه المسؤولون الفنزويليون قيودا متزايدة منذ الأزمة السياسية الفنزويلية عام 2019، عندما اعترفت واشنطن بخوان غوايدو رئيسا شرعيا بدلا من مادورو، حيث أخضعت واشنطن أكثر من 140 مسؤولا فنزويليا لعقوبات أميركية، وحُدد ما يقارب الألفين فنزويلي كأهداف محتملة لقيود التأشيرة.
وأخيرا، أعتبر حرمان الوفد الفلسطيني من المشاركة في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة الحالة الأكثر شمولية وإثارة للجدل. ففي أغسطس/آب 2025، لم تكتف واشنطن برفض تأشيرة الرئيس محمود عباس، بل ألغت تأشيرات 80 مسؤولا فلسطينيا، كخطوة استباقية للتأثير على توجهات الدول وثنيها عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
اتفاقية المقر وثغرة التشريعات الأميركية
ترتكز حجج الرفض الأميركي أساسا على خليط من القوانين والتعديلات الفدرالية، أبرزها قانون الهجرة والجنسية "آي إن إيه" (INA) بتعديلاته المتعاقبة، وقوانين العقوبات المختلفة مثل قانون قيصر ضد سوريا، وقانون الامتثال لالتزامات منظمة التحرير الفلسطينية "بلوكا" (PLOCCA) الصادر عام 1989، وقانون التزامات السلام في الشرق الأوسط "ميبكا" (MEPCA) لعام 2002.
تمنح هذه المنظومة التشريعية الإدارات الأميركية مساحات واسعة لتصنيف الأفراد والمنظمات تحت بند "نشاط إرهابي" أو دعم الإرهاب.
ورغم أن هذه القوانين تأتي في سياق محاولة واشنطن فرض سياساتها على الدول المناهضة أو دفعها لتغيير سلوكها وتبني سياسات أكثر انسجاما -سواء كان ذلك ضمن جملة السياسات الضاغطة للتخلي عن البرنامج النووي الإيراني على سبيل المثال، أو دفع منظمة التحرير لنبذ العنف- فإنها أثارت عددا من الأسئلة.
فكيف يمكن التوفيق بين هذه النصوص من جهة، واتفاقية مقر الأمم المتحدة لعام 1947 من جهة أخرى، والتي تفرض التزاما مطلقا على الدولة المضيفة بمنح تسهيلات الوصول للممثلين الرسميين؟ فالمادة الحادية عشرة من الاتفاقية تشترط ألا تفرض السلطات المُضيفة أي قيود على عبور وحضور الوفود المعتمدة. كما تؤكد المادة الثالثة عشرة ضرورة منح التأشيرات المطلوبة.
من زاوية القانون الدولي، يؤكد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية عام 1988 أن الدولة المضيفة "ملزمة" أساسا بضمان وصول الوفود والمسؤولين، وأنه في حال تعارض القانون المحلي مع التزامات المعاهدات الدولية، فإن أولوية القانون الدولي تسري.
لكن الولايات المتحدة أدرجت في قانونها العام (80-357) حقها في "حماية أمنها ومصالحها القومية"، مما يشكل فعليا ثغرة قانونية تتيح تبرير حالات الرفض أو تقييد الحركة.
ازدواجية المعايير
تثير قرارات رفض التأشيرات لمسؤولين من دول -سواء فلسطينيين أو إيرانيين أو كوبيين- مقارنة بقادة آخرين جدلا واسعا بشأن الانتقائية في تطبيق المعايير الأميركية. فدول عديدة يُتهم قادتها بجرائم أو انتهاكات واسعة النطاق وصل بعضها حد إصدار مذكرات اعتقال أممية، ومع ذلك لا تمارس في حقهم قيود مماثلة.
صدرت، على سبيل المثال، في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت كمدانين بجرائم حرب في قطاع غزة، لكن واشنطن لم تواجههما بالحظر.
وعلى النقيض، بادرت الولايات المتحدة إلى حماية المسؤولين الإسرائيليين من القضاء الدولي، حتى إنها فرضت عقوبات على مدّعين دوليين سعوا إلى ملاحقة هؤلاء المسؤولين. في المقابل، مُنع عمر البشير عام 2013 من دخول الولايات المتحدة على خلفية الاتهامات ذاتها.
هذا التفاوت يطرح تساؤلا هاما وملحا حول تعزز استخدام القانون الدولي أداة في خدمة القوى الكبرى ضد الخصوم فقط، وكيف تستقيم فكرة "مواجهة الإرهاب" أو "حماية حقوق الإنسان" إذا كانت القرارات تُصدَر وفق اعتبارات التحالفات الجيوسياسية بدلا من معايير قانونية ثابتة؟
تساند دول كروسيا والصين حقوق الوفود بموجب المواثيق الدولية، لكنّ مجلس الأمن ذاته منقسم، ولا تبدو التوازنات الحالية مائلة لغير صالح التفسيرات الأميركية لاتفاقية المقر.
الداخل الأميركي والاعتبارات الداخلية
لا تقتصر الدوافع وراء رفض التأشيرات الفلسطينية على المخاوف الأمنية كما يبرر القادة الأميركيون فحسب، بل تتداخل معها حزمة معقدة من الاعتبارات السياسية المحلية في الولايات المتحدة. فالرئيس دونالد ترامب بَنى تحالفا متينا مع القاعدة المسيحية الإنجيلية، التي يهمها دعم إسرائيل في أي خلاف يتعلق بالأراضي الفلسطينية لأسباب دينية وسياسية.
بالإضافة إلى ذلك، سعيه لإرضاء النسبة المؤثرة من أصوات الناخبين الإنجيليين الأميركيين التي تؤيد سياسة تشديد القبضة على أي مُمارسات تُعد معادية لإسرائيل.
وتلعب مجموعات الضغط الإسرائيلية دورا محوريا في الكونغرس، حيث تشجّع على سنّ تشريعات تقوض بنية النشاط الدبلوماسي الفلسطيني في المنابر الأممية. كما يتم تصوير أي خطوة فلسطينية في سبيل انتزاع اعتراف دولي أو التوجه للمحاكم الدولية على أنها "حرب قانونية" تستوجب الرد الفوري عبر الضغط والعقوبات.
ومع اقتراب استحقاقات انتخابية، عادةً يضطر صناع القرار في البيت الأبيض ووزارة الخارجية لإظهار مزيد من التشدد في الملف الفلسطيني لضمان دعم هذه المجموعات.
أصوات معارضة
وبرزت أصوات أميركية، مثل المسؤول السابق في مجال حقوق الإنسان بالأمم المتحدة كريغ موكيبر، تحذر من خطورة تسييس اتفاقية مقر الأمم المتحدة وإضعاف مصداقية واشنطن دوليا إذا ما واصلت عرقلة حضور وفود معترف بها أمميا.
لكن تيارا آخر يعتبر أن السلطة الفلسطينية، وبخاصة بعد 2015، تقترب من الخط "الأحمر" عبر مبادرات مثل الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، وترى ضرورة معاقبة هذه التحركات كتحذير لدول أخرى قد تستخدم القضاء الدولي ضد حلفاء الولايات المتحدة.
في المحصلة، يعكس رفض التأشيرات لقادة فلسطينيين لحضور اجتماعات الجمعية العامة حالة من التوتر بين مقتضيات الشرعية الدولية ومتطلبات الدولة المضيفة المصلحية والأمنية.
لا يقتصر أثر استمرار هذا الوضع على القضية الفلسطينية وحدها، فهو يعكس اتجاها متناميا نحو "تسييس القانون الدولي"، مما قد يضع مصداقية النظام الأممي برمّته على المحكّ.
رفض التأشيرات الفلسطينية
بالنسبة للقيادات الفلسطينية فقد بدأت تواجه تحدي التأشيرات مبكرا منذ الفترة التي مُنحت فيها منظمة التحرير عام 1974 صفة مراقب في الأمم المتحدة، فرغم الاعتراف الأممي الجديد آنذاك، فإن ممثّلي المنظمة واجهوا قيودا أميركية.
أما في الثمانينيات، فقد رفضت الولايات المتحدة تحت إدارة ريغان منح التأشيرة لياسر عرفات عام 1988، وتكرّرت سيناريوهات منع المشاركة لاحقا ضد قيادات دولية مختلفة.
ولم يشارك أي من القادة الرسميين الفلسطينيين المحسوبين على حركة حماس كرئيس الحكومة الفلسطينية الراحل إسماعيل هنية في أي من القمم الدولية هناك. ولا يعود ذلك إلى إجراءات مثل رفض التأشيرة، بل يعود إلى تجريم الحركة ووصفها بالإرهاب، لكن النتيجة واحدة.
تراكمت حالات الرفض باضطراد بالتوازي مع تمسك الفلسطينيين بإستراتيجيات دولية، أبرزها اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية للمطالبة بملاحقة مسؤولين إسرائيليين متهمين بجرائم حرب.
ومع تصاعد الجهود الفلسطينية في الحقل الدبلوماسي والقانوني منذ 2017، واجهت السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير قيودًا أكبر، تبعها ما حصل في أغسطس/آب 2025 من "أكبر حملة رفض تأشيرات في التاريخ".
رسمت هذه الخطوة تصعيدا صريحا غير مسبوق، إذ إنها لم تقتصر على منع شخصيات محددة تتهمها واشنطن بالإرهاب، بل شملت فريقا واسعا يمثل البنية السياسية والإدارية العليا للسلطة الفلسطينية. ولم تكتفِ السلطات الأميركية بهذا الإجراء، بل عممت قرارا داخليا على سفاراتها يقضي برفض أي تأشيرة لأي مواطن يحمل جواز سفر فلسطيني.
في المحصلة , لا يبدو ان اسرائيل ستوقف حملتها ضد الامم المتحدة وايضا لا يبدو ان امريكا ستتوقف عن دعم ما تقوم به اسرائيل , اما وقد اصبحت المنظمات الدولية التابعة للامم المتحدة غير ذا تاثير فان منظمة الامم المتحدة لن تستطيع ان تكون كما اريد من تنشائها وهي التي اصبحت اسيرة لتاثيرات الدول ذات المصالح الذاتية المتطلعة للهيمنة على العالم كالولايات المتحدة وقاعدتها المتقدمة اسرائيل خاصة في مناطق الثروات , فهل يمكن ان نرى رفضا للمشاريع الامريكية والاسرائيلية من دول العالم ام اننا امام وضع لا يمكن التنبؤ به ؟

