من أجمل الروايات التي قرأتها.. في رواية المسافات الباردة، عودة الطائر الرمادي مع تحليق الشاهين !!

طباعة
تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - انس هجرس - أتعلمون ما الشعور حين تتواجدون في مسرح لحضور أمسية لشاعر ثوري حر صادق.. ومع البيت الأخير من قصيدته الوطنية .. تقفون مصفقين تصرخون الله أكبر ما أجملك!


هذه كانت ردة فعلي وأنا أقرأ الصفحات الأخيرة إلى أن وصلت السطر الأخير!


الغريب أنها جاءت في وقتها.. جاءت ورأسي مليء بمصطلحات استخدمها كنت قد سطرتها قبل يومين ولم أنشرها!


زكريا شاهين.. شكراً لك!


والعودة قادمة والبندقية هي عصا الحكمة التي دونها لن تكون عودة! من أجمل ما ورد في الرواية:


إذ تطلع نحو الجبل، رأى شابا طويلا مشرق الوجه، يصعد من سفح الجبل، في طريق مرسوم نحو القمة وعندما جاور منتصف الجبل في صعوده، إذ به يواجه كهفاً ممعناً في القدم، توقف هناك، وإذ بامرأة ممشوقة القوام، مضيئة الوجه والعينين، تبرز إليه من فوهة الكهف... فوجئ الشاب بالمرأة، لكنه تمالك نفسه وانحنى ليتكئ على ركبته اليسرى، بينما ظلت ركبته اليمنى منتصبة، أما جسده فقد انثنى أمام المرأة، قال الشاب:


أي ‫عناة‬ ... لم أكن أتوقعك هنا..


لمست المرأة شعره المنسدل على كتفيه وقالت بصوت ملائكي:


أي ‫‏كنعان‬ .. ولدي، (انهض ولا تتعبك المسيرة..)


أريد ‫‏القمة‬ ..


ستنالها، وبعد ذلك إليك بالسهل والوادي والجموع..


وكيف لي أن أحقق ذلك..


التقطت عناة قطعة من الحديد، كانت ملقاة على الأرض وقالت:


(عليك أن تصنع سيفك بيديك)..


علميني!


خذ هذه القطعة، وعندما تصل القمة، ضعها في مواجهة ‫الشمس‬ ، وعندما يصيبها التوهج أطرقها بصخر الجبل، وعندها تملك سيفك..


كان يتطلع إلى قطعة الحديد حين رفع رأسه فلم يجد المرأة، لقد توارت داخل الكهف، بينما انساب نبع بالقرب من الفوهة، غسل كنعان وجهه بالماء، ثم عاود ‫‏الصعود‬ ، كان يصعد كأنما يسير فوق سهل منبسط، رغم العوائق والنتوءات الجبلية، إلا أنه كان يجتازها بسرعة، وعندما وصل القمة، أدار رأسه نحو ‫الشرق‬، رفع بيديه قطعة الحديد، أخذت من الشمس وهجها حتى أصيبت بالاحمرار، حلق شاهين بالقرب منه، دار دورتين، ثم حط بقربه على صخرة بارزة فوق نتوء ضخم، تناول صخرة وبدأ بالطرق على قطعة الحديد، ظل يطرق فوقها حتى استحالت إلى سيف مصقول، أدار القطعة من أسفلها، ثم رفعها مجدداً باتجاه الشمس، استعاد الخيوط الذهبية، وعندما احمر أسفل القطعة، أدخلها بتجويف بالصخر، وأمالها عدة مرات حتى تشكلت مقبضاً لسيف حقيقي، نظر إلى ما صنع، انتابته الفرحة.. قال:


يا له من ‫سيف‬ ..


هبط مجدداً نحو السفح، وعندما جاور الكهف، برزت له المرأة مرة أخرى، ركع على ركبتيه وهو يحمل ‫السيف‬ ، قالت عناة:


أي كنعان، اذهب بسيفك إلى الوادي حيث تسكن الوصيفات، اسق سيفك بـ‏زيت_الزيتون‬ وبحليب أمك، وعندها، يصبح سيفاً يقودك في أول الخطر نحو تاريخك القادم..
ثم اختفت مجدداً..


نزل الجبل مجدداً، ثمة كوخ كان بالجوار، كانت أمه تمشط جدائلها على الجدول كأنما تقطف النجوم، قال:


أي أمي، أريد حليباً لأسقي به سيفي...


أي كنعان، إنه ‫‏العرق‬ الذي يتصبب منك، و‏العنفوان‬ الذي تحمل، وصلابة العقيدة‬ في صدرك، اذهب إلى الوصيفات..


وهل كنت تعلمين؟


كنت أنتظر، لا تنسَ أن تعود إلي...


تحرك كنعان باتجاه الفتيات اللواتي برزن فجأة على أطراف الوادي، كن يحملن جرار زيت الزيتون، يصببنها في وعاء بدأ يغلي بفعل النار التي أوقدت تحته، وصل كنعان إلى هناك، رفع سيفه واستعاد خيوط الشمس، وعندما سكن الاحمرار في السيف، أسقطه في زيت الزيتون، كان الشاهين يراقب المكان، وعندما لامس السيف زيت الزيتون، خرج بخار رمادي، تشكل على هيئة ‫‏طائر_العنقاء‬ ثم اتجه نحو الشرق يتبعه الشاهين، الذي كان يطلق صيحات ‫‏الفرح‬، كانت قطرات العرق تسقط على السيف من جبين كنعان، وعندما انتهى، انحنى نحو الوصيفات ثم غادر المكان متجهاً نحو أمه، كانت تحمل بيديها غمداً للسيف مصنوعاً من ‫جدائل‬ .. قالت:


إنه من جدائل أمك...


وضع السيف في الغمد، رآه وكأنه صنع له تماماً، قبل أمه في جبينها، رأى دمعة تنحدر على خدها.. مسحها بيديه، قالت:


أي كنعان: امضِ ولا تتعبك المسيرة، لن يفنى نسلك أبداً حتى تفنى الخليقة، نظر إليها مرة أخرى، رفعت رأسها باتجاه كهف الجبل، نظر إلى حيث رفعت أمه رأسها، كانت عناة تقف هناك، بينما حط الصقر على ذراعها..


فرك راجع عينيه، فتحهما مجدداً، لقد اختفى كل شيء، توكأ على عصاه، راقب آثار أقدام الراحلين، مضى وراء الرتل، وعندما تجاوز الخطوات قليلاً، رأى غباراً يرتفع عن بعد، كان الغبار يتقدم باتجاهه، حث الخطى، وعندما وصل إلى حيث الغبار، رأى وليداً، الشافي، عبد الرحمن، وشبان الواحة، كان الرشيدي هناك أيضاً، الأسعد كذلك، وهم يحملون بنادق على أكتافهم وخلفهم جموع كبيرة تنشد ‫الأرض‬ و ‫‏الوطن‬ ...


صهل حصان متقدم، فاندفعت الخيول تحاوره، وصل أحد الشبان إلى حيث يقف راجح، كان يحمل ‫بندقية‬ في يد، بينما كانت اليد الأخرى تسحب حصاناً شامخاً يسير بكبرياء، ناول مقود الحصان إلى راجح، ناوله البندقية‬ ، تطلع راجح إلى ما يحمل، صرخ في بكاء!


إنها ‫‏عصا_الحكمة‬ ...


وأنهى زكريا شاهين روايته بهذا السطر :


ربما اكتملت هذه الصفحات، لكن المسافات الباردة لم تنتهي بعد !!! ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬


المسافات الباردة : رواية للكاتب زكريا شاهين صدرت عن دار فضاءات للنشر والتوزيع – عمان -الاردن.