القدس - افراسيانت - ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية "مريم" للكاتبة فتحية طه، الرواية التي تقع في ٢٥٥ صفحة من القطع المتوسط صدرت عام ٢٠١٨ عن دار الألفية للتوزيع والنشر في العاصمة الأردنية عمان.. وصمم غلافها رنا حتاملة.
افتتحت النقاش ديمة جمعة السّمان وأشادت بالرواية.
وقالت رفيقة عثمان:
وجدت أثناء قراءة الرواية متعة وتشويقا لمعرفة أحداث السرد الجميل، الذي نسجته الكاتبة بأسلوب ممتع، بواسطة الحوار الذي دار بين الكاتبة والوالدة مريم؛ وكيفية التحايل على الوالدة، لحثها على الإدلاء بمعلومات حساسة، ووقائع حقيقية حدثت في حياتها وغيرت مجراها ومصيرها.
الأسلوب الذي استخدمته الكاتبة بالسرد - flesh back أسلوب استرجاع الذاكرة.
استخدمت الروائية فتحية حسين عنوان الرواية، على اسم "مريم" والتي لعبت دور الشخصية المحورية فيها، وهو اسم أمّ الروائية حقيقة؛ حيث سردت سيرتها الذاتية على لسانها، وعلى الشخصيات الأخرى؛ دون التطرق للسرد المباشر أو الأسلوب التقريري.
في معظم صفحات الرواية لغاية القسم الثامن، تناولت الروائية فتحية، سيرة مريم الذاتية، كراوية أساسية في سرد الراوية، ممّا أضفى على الرواية مصداقية كاملة، فيها الكثير من الصراحة والبوح بأحداث خاصّة جدا، بكل ما عاشته في حياتها من أحزان وآلام، وأفراح، وبطولات، عكست مريم حياة وعادات وتقاليد الشعب الفلسطيني في الحقبة الزمنية ما بين سنوات 1927- 2011، في قرية "مزارع النوباني" القريبة من مدينة رام الله.
نجحت الروائية في نقل وسرد الأحداث المكثفة بصوت الراوية مريم، بلغة سهلة وجميلة سلسة، ذات البلاغة الجميلة، التي تجذب القارئ بالتشوق للقراءة حتى النهاية؛ لا شك بأن وقائع الرواية هي لأحداث واقعية، واجهتها الأم مريم خلال حياتها منذ طفولتها؛ ربما لأن الراوية سكينة، استنطقت والدتها، وجعلتها تبوح بمكنونات أسرارها؛ نظرا لكونها ابنتها. هذا العمل يُحسب للروائية، في نقل الأحداث بمصداقية بالغة.
ابتداء من الجزء التاسع، ولغاية القسم الخامس عشر، احتلت الروائية مكان والدتها، وتناوبت عنها كراوية ثانية؛ لسيرتها الذاتية أيضا. في هذا الجزء وجدت فرقا بين السرد الأول والثاني.
عندما تبدّلت الراوية وصارت الكاتبة نفسها هي الراوية، والتي سردت أحداث حياتها. هنا وجدت بأن نهج الكاتبة بتغيير السيرة الذاتية من الأمّ الراوية للسيرة الذاتية للإبنة، أحدث تغييرا في نهج الرواية الذي استمر فترة طويلة، برأيي لو استمرت الكاتبة في السرد على لسان الأمّ مريم، لكان أفضل من ناحية الإخراج الفني للرواية، والتشويق بنفس النمط. كان من الممكن سرد روايتين للشخصيتين، لكل شخصية رواية خاصة على حدة، حيث تأخذ كل شخصية حقها من السرد في روايتين منفصلتين.
تكاد العاطفة الحزينة تطغى على معظم أحداث الرواية، وعاطفة الفرح كانت شحيحة؛ نظرا للبؤس والحياة الصعبة التي عاشتها الراوية مريم.
تناولت الروائية بعض العادات والتقاليد الشعبية الموروثة، كاليمان بالسحر والشعوذة والمتبعة في القرية؛ مثل: النّذر، كما أنذرت مريم، عند لادة ابنها عبدالرحمن ولفّه بكيس تنفيذا للنذر، والأذان في اذنيه، كذلك بقص شعره، وما يزن منه، تقوم الأمّ بتوزيع المال بمقدار الشعر المقصوص، على الفقراء.
ومن العادات، الإيمان بالغيبيات كما ورد صفحة 49، " إنني محجوبة ولي قرينة تغار مني، وتقتل حملي قبل أن يخرج إلى الدنيا، لذا لا بدّ من فك الربط وحل الحجاب "، بواسطة سبيكة (أحد الموروثات الفلاحية التي تطرد القرينة)"؛ كما شرحت الراوية بأنها عبارة عن عدد من القطع الفضية، تُحول إلى سبيكة واحدة عند الحداد؛ ويقوم الشيخ بالقراءة عليها آيات قرآنية، وتلبس المحجوبة قلادة السبيكة.
كذلك بالنسبة للإيمان بالرجل المبارك الذي نام في قناة الماء ولم يتبلل كما ورد صفحة 162.
تطرّقت الروائية للأغاني الشعبية المعروفة في قريتها كما ورد صفحة 179-181." احنا كبار البلد والشور النا – ويا نيالك رضية اللي صرتي منا
واحنا كبار البلد واحنا بسمة عالي – ويا نيالك رضية بطولت الغالي
واحنا كبار البلد واحنا مش عبيد – ويا نيالك رضية والبكا ما يفيد.".
من الممكن اعتبار الرواية من النصوص الأدبية لسرد السيرة الغيرية والذاتية معا في آن واحد، لحياة واقعية من حياة الماضي حتى الزمن الحاضر؛ تخلو من الخيال، افلحت الروائية في تشويق القارئ، والتضامن مع الشخصية البطولية.
وكتب عبدالله دعيس:
تحكي الكاتبة فتحيّة طه حسين في روايتها (مريم) سيرة أربعة أجيال عاشت في إحدى القرى الواقعة بين رام الله ونابلس، وتتطرّق فيها إلى حياتهم اليوميّة، عاداتهم وتقاليدهم، أفراحهم، أحزانهم، نظرتهم للمرأة ونظرتهم إلى التّعليم والعمل والغربة خارج البلاد، وعلاقة أهل القرية بالمدينة، وتسرد خلال هذه الأحداث الاجتماعيّة بعض الأحداث العامّة والتقلّبات السياسيّة التي مرّت على فلسطين خلال سنوات القرن العشرين. فهذه الرّواية تزخر بالمعلومات، وقد تكون مرجعا لمن يريد دراسة الحياة الاجتماعيّة في تلك الحقبة الزمنيّة، وفي المنطقة الجغرافيّة تلك.
تقسّم الكاتبة روايتها إلى قسمين: القسم الأول عبارة عن حوار بين أمّ وابنتها، تأخذ فيه الأمّ دور الرّاوي وتحدّث ابنتها عن أحداث حياتها، وعلاقتها مع أهلها، وأهالي بلدتها، وزواجها، ووفاة زوجها ثمّ زواجها مرّة أخرى، وما صاحب ذلك من معاناة، وما دار حولها من أحداث وأحاديث، وهي مشابهة جدا لما يحدث في العائلات القرويّة، ونسمعها عادة في حكايات الجدّات عمّا قاسينه أثناء حياتهنّ، خاصة عند فقد الأبناء. ثمّ في القسم الثاني تصبح الأبنة هي الرّاوي للأحداث، وتتكلّم بشكل أساسيّ عن نضالها وتضحياتها من أجل التّعليم الابتدائي، ثمّ الإعدادي والثانوي والجامعي، رغم كل الصّعوبات والمعيقات التي كانت تواجه الفتيات في تلك المرحلة، وكذلك تتحدّث عن موقفها من الزّواج وتبرّر عزوفها عنه. ففي القسم الأول تعطي أنموذجا للمرأة القويّة التي استطاعت أن تتخطّى جميع الصعاب، وتربّي أبنها وبناتها الأيتام، وتتغلّب على العقبات الاجتماعيّة والمكائد التي كانت تحيط بها، وفي القسم الثاني تعطي أنموذجا آخر لفتاة اختارت طريق العلم والتّعلم، واستطاعت أن تهزم المجتمع الذكوري، وتتخطّى الصعاب؛ لتصل إلى ما تصبو إليه. فهذا الكتاب يزخر بالمعلومات، والتي تتكرّر كثيرا في كتب السير وحكايات النسوة، ولكنها قد تكون جديدة أو غريبة لبعض القرّاء من الشّباب، وكذلك تعطي قدوة وحافزا لمن يسلك طرق النّجاح الوعرة الشائكة.
لكن، هل كتبت فتحية طه حسين رواية فعلا؟ أعتقد أنّ ما قرأته ما هو إلا كتاب سيرة: سيرة الأمّ (مريم) ثمّ سيرة الكاتبة نفسها، رغم أنّها أطلقت على شخصيتها اسم سكينة ابنة (أبي طه) في صفحة 114، والذي أصبح (أبو حسين) في صفحة 115، ثمّ طه في صفحة (177). فالكاتبة لم تستطع أن تتحرّر من الأسماء الحقيقيّة لشخصيّاتها، والذين عاشت معهم وتعرفهم معرفة شخصيّة. فحبّذا لو صنّفت الكاتبة الكتاب كسيرة، لكان أفضل وأجدى.
كون الكتاب سيرة ذاتيّة، أفقده عنصر التّشويق والبناء الدّرامي للرواية، وأدخل القارئ في كثير من التّفاصيل المملة التي لا داعي لها، والشّخصيّات الثانوية الكثيرة جدا التي لم تعرّف الكاتبة القارئ بها، وكأنّ القارئ يعيش معها ومن المفترض أن يعلم هؤلاء الشخصيات. ولم يقتصر الخلل على الحبكة الرّوائيّة، بل تعداها إلى عناصر الرّواية الأخرى، فاللغة سرديّة تقريريّة مباشرة، مبسّطة إلى أقصى الحدود، وكأنّ الكاتبة تبثّ ذكرياتها على الورق بطريقة عفويّة، أو تحكي حكاياتها لطفل حتّى ينام.
والكاتبة لا تحسن وصف المكان، ولا تحديده، فالقارئ يستنتج أنّ المكان هو قرية تقع بين رام الله ونابلس، وربما بالقرب من سلفيت، لكنّه لا يعرف أي قرية وما اسمها، وموقعها من رام الله أو من نابلس، ولا يعرف اسمها (مزارع النوباني) إلا بعد أن ينتصف الكتاب، عندما تتشاجر سكينة مع زميلة لها في المدرسة فتذكر اسم بلدتها (مزارع النوباني) وبلدة زميلتها (عارورة) ويبقى القارئ الذي لا يألف تلك الأماكن في حيرة من أمره. ومثال آخر، أن الكاتبة تذكر كثيرا (الدّير) كمكان، يستنتج القارئ الذي يظنّه في البداية ديرا حقيقيّا، مع أنّه اسم قطعة أرض زراعية في تلك البلدة.
أمّا الزّمان فمشكلة أخرى، فالكاتبة لم تستطع أن تربط الأحداث بالزّمان، رغم أنّ سيرتها تتبع سردا زمانيا متتابعا. فزوج مريم الأول، يقتله الإنجليز، عندما يحتّلون فلسطين، وينقسم النّاس بين موالٍ للحكومة العثمانيّة أو الانتداب البريطاني، ويترك ابنه عبد الرحمن صغيرا، يفترض القارئ أنّ هذه الأحداث تدور في عام 1917 أو 1918، ثمّ ينهي عبد الرحمن دراسة الثانويّة العامة ويتزوج عام 1958 أي بعد أربعين عاما! هذا الخلط في الزمان يستمرّ على مدى الرّواية، ولا يستطيع المتلقّي أن يعيش زمانا محدّدا؛ فالكاتبة أغفلت هذا الأمر، واسترسلت في سردها دون أن تراعي عنصر الزمان.
عنصر التّشويق في الرّواية منخفض، كونها سيرة، والصراع في الرّواية مجزّأ لا يرتقي إلى حبكة معقدة أو ذروة تحمل القارئ على أجنحة المتعة والإثارة؛ لتوصله إلى نهاية مفاجئة. كما أنّ الكتاب يزخر بالأخطاء المطبعيّة، وفيه الكثير من الأخطاء اللغويّة، بعضها أخطاء فيسبوكيّة: (الله يعطيكي العافية.) صفحة 110، (الله يهديكي) صفحة 190، أرفع يداي صفحة 190، أن دعائها صفحة 195. وغيرها الكثير. وتنحدر اللغة لدى الكاتبة في بعض الصفحات لتصبح شبيهة باللغة العاميّة المحكية، فمثلا استخدامها كلمة (سقوطي) بدل رسوبي صفحة 206. وكذلك فإنّ التوضيحات بين الأقواس كانت مربكة، ولم يكن لها داع في أغلب الأحيان، وكان يمكن الاستعاضة عنها بملاحظات أسفل الصفحة.
هذا الكتاب فيه جهد مشكور للكاتبة، ويحمل في ثناياه كثيرا من المتعة والفائدة، لكن حبّذا لو تروّت الكاتبة في المراجعة والنّشر؛ لخرج الكتاب في أفضل حلّة، يليق بمكانتها العلميّة الرّفيعة، ويحقّق الأهداف المرجوّة منه.
وقالت هدى عثمان أبو غوش:
روايّة "مريم" تصلح أن يطلق عليها سيرة ذاتيّة وليست روايّة، فهي سيرة مستوحاة من حياة والدة الكاتبة فتحية طه، وفي هذه السيرة تصور لنا الكاتبة حقبتين من الزّمن سنة 1914 في العهد العثماني، وفترة الإحتلال 1967.
تسلط الكاتبة بقلمها على سيرة ومعاناة مريم بطلة السيرة، مدى صبرها وتحملها الأذيّة في سبيل الصمود في تربية أولادها. وتنقسم السيرة إلى قسمين، في القسم الأوّل تسرد مريم لإبنتها مراحل حياتها، زواجها الأوّل والثاني، عملها الشّاق، نكد زوجة الأخ، وزوجة الخال، غيرة النساء، وصفت مشاعرها كأرملة وعاطفتها تجاه زوجها حامد، كما أشارت إلى طمع الميراث من قبل الأقارب، أمّا القسم الثاني، فهو بدايّة لسرد سيرة الأبنة سكينة التي تروي حكايتها، مراحل دراستها، تفوقها، شجاعتها، إرادتها وحُسن خلقِها ومدى صدقها مع النّاس خاصة في المدرسة.
وهنا أتساءل لماذا لم تكتفي الكاتبة بالقسم الأوّل من السّيرة وربما طوّرته بعيدا عن حكايّة سكينة، فماذا أضاف القسم الثاني للأوّل خاصة أنّه يتحدث كثيرا عن مراحل الدّراسة؟
في هذه السّيرة تأخذنا الكاتبة لنتعرف على عادات وتقاليد، فهي من حكايا الجدّات عن الفلاحة في الأرض والعمل الشّاق، كتقليم الأشجار وجمع الثمار والعناية بالأعشاب. وبيّنت ماهيّة الألعاب التّي كانوا يلهون بها.
تبرز الكاتبة حكمة الأجداد ووصاياهم الحكيمة، الدروس والعبّر من الحياة، كما وتبيّن حالة الزواج المبّكر الذّي يجعل من الطفلة زوجة.
إستخدمت الكاتبة كلمات كانت شائعة في الماضي مثل، سبيكة، الدّست، الزّير، الذبيل (التين الذابل)، والجرّة. أشارت الكاتبة إلى الآيات القرآنيّة، الأمثال الشعبيّة وأغاني الأعراس والزّجل الشعبيّ.
جاء سرد السّيرة بتفاصيل دقيقة، بشكل حكاية سهلة مألوفة، شبيهة بقصص الجدّات المتسلسلة، فهي ليست مميّزة إلاّ أنّها جاءت لتشير إلى الأُمّ كنموذج صابرة في تربيّة أولادها الأيتام، ولتشير إلى الصعوبات التّي تواجهها في الحياة.
يمكن القول أن هذه السّيرة بمثابة علاج للأمّ التّي أرادت أن تخرج ما في داخلها المكبوت، كي تتحرر من الأوجاع والتّعب والذكريات المحزنة. فالحديث فضفضة وراحة، وإصغاء الأخر هو الطبيب الرّوحي.
وكتبت نزهة أبو غوش:
تعتبر رواية مريم سيرة ذاتية بطلتها الأمّ، والابنة .
لقد نسجت الكاتبة من أحداث سيرتها الذّاتيّة رواية على النّمط الكلاسيكي، متكامل الأجزاء في الزّمان والمكان، وأدوار الشّخصيّات الّتي كانت تدور في محاور مؤطّرة ضمن حدود الأسرة وعلاقاتها ببعضها البعض.
الرّاوية تعرف كلّ شيء، وتتحدّث بضمير الأنا الخارج من حياة قرويّة فلسطينيّة، يمكننا أن نعمّمها على معظم القرى الفلسطينيّة بعد نهاية الحرب العالميّة الثّانية حتّى الثّمانينيّات من هذا القرن.
عبّرت بنا الكاتبة فتحيّة طه حسين في روايتها مسالك ودروبا وعرة متعرّجة صعبة لتصل هدفها في توصيل فكرتها للقارئ بأسلوب سلس مشوّق، جعلنا نعيش الأحداث خطوة خطوة بأنفاس متقطّعة نلاحق ونتتبّع النّهايات.
في روايتها، أو سيرتها اعتمدت الكاتبة على خلفيّتها وبيئتها المعاشة في قرية" مزارع النّوباني" قضاء مدينة رام الله. فأطلعتنا على الكثير من العادات والقيم والمعايير لهذا المجتمع: إرث النّساء غير المنصف، المصاهرة من أجل المصلحة، حيث تعدّدت النّساء من القرى المحيطة لمختار البلدة؛ من أجل كسب رضاهم ومساندتهم. كذلك فقد انتشرت عادة النذر لله تعالى ص68" لفّيها بكيس هذا نذر نذرته منذ بدأ الحمل" معتقدة الأمّ بأنّ الجنين سيعيش إِذا ما فعلت ذلك، كذلك النّذر بقصّ شعر الذّكر وتوزيع الذّهب مقابل هذا الوزن في المقامات. إِنّ صفة تآلف أهل القرية ووقوفهم مع بعضهم البعض وقت الأزمات، والالتفاف حول بعضهم في المناسبات نحو الأعراس والأفراح والأتراح، وفي شهر رمضان كانت واضحة في الرّواية، كذلك عادة تزويج الفتاة من ابن عمّها فهو الأولى دائما.. عمل الحجاب لفكّ السّحر، زيارة القبور في أوّل صبيحة بعد دفنه، النّواح على القبور، وزيارة المقامات متلمّسين بركاته.... وما الى ذلك الكثير.
جعلت الكاتبة من شخصيّتها النّسائيّة بطلات يملكن القوّة النّفسيّة والجسديّة والعقليّة ويتحلّين بالصّبر والحكمة، البطلة مريم العجوز الّتي حملت كلّ أعباء أسرتها فوق كاهلها منذ أن ولدت حتّى مماتها، عملت بالحقل وبنت ثروة لأبنائها، أنجبت وفقدت، ثمّ أنجبت. إِنّ صبرها واصرارها كانا الدّافع في هذه الحياة، حيث رهنت حياتها من أجل أبنائها. كان السّرد على لسان هذه الشّخصيّة مقنعا متولّدا من رحم المعاناة والألم النّابع من نهر الطّمع والأنانيّة والجهل بشكل عام.
الشّخصيّة الثّانية كانت الابنة سكينة، الّتي وضحت للقارئ بأنّها شخصيّة الكاتبة نفسها، على أثر معرفتنا المسبقة بتاريخها الّذي نشر على ظهر الغلاف. كانت شخصيّة ذكيّة وقويّة الإرادة، وإنسانة إِيجابيّة تملك الإصرار والتّحدي لمجتمع قرويّ مغلق نسبيّا؛ لذلك وصلت إِلى هدفها المنشود.
أمّا بالنّسبة للخيال أرى بانّه يصعب على القارئ أن يفرّق ما بين الخيال والواقع؛ لأنّ الأحداث في معظمها تنعكس من الواقع القريب جدّا من الكاتبة، كما أنّه يعلن عن سيرة ذاتيّة.
أمّا العاطفة فقد نجدها عاطفة ممتدّة على مدار أحداث الرواية، فيها الفرح والحزن والألم والحسرة والقهر.
بالنّسبة للظّواهر الّتي عرفناها في الرّواية: الانقسامات بين الفلسطينيين أنفسهم ما بين الانجليز والأتراك، حيث كان المؤيّد لأي طرف يتعاون معه لمسك الآخر وتعذيبه وقتله. هناك أيضا ظهور الحركات الشّيوعيّة الّتي على أثرها يسجن المتّهم وبالتّالي يبعد عن وظيفته، كم أنّ ظاهرة السّفر للكويت من أجل لقمة العيش قد ازدادت في سنوات السّتينيّات من هذا القرن.
بالنسّبة للزّمان، فقد استخدمت الكاتبة التّعبير عن الزّمان على لسان مريم بما يتناسب وثقافتها في ص 67" كان ذلك في موسم التّفاح العسّيلي والتّوت"
اللغة في الرّواية اللغة النّحوية دخلت بها اللغة العاميّة بما يتناسب مع الشّخصية والموقف.
التّشبيهات والاستعارات أعطت اللغة جمالا في الرّواية.
" كأنّ بيروت بوداعنا تودّع عصرها الذّهبي وتخلع ثوب زفافها لتكتسي بثوب من نار ودخان" ص250؟ " وكأنّني محارة تختبئ في صدفتها" ص 44.
وقالت رائدة أبو الصوي:
رواية مريم رواية تتماهى فيها الكاتبة مع والدتها . بداية الرواية البطلة هي مريم ثم تنتقل الكاتبة للحديث عن فتحية، تلك الرواية التي تحمل تاريخا إنسانيا في مرحلة من مراحل الزمن الجميل. زمن البساطة رغم وجود بعض الصور غير المقبولة في هذا الزمن .
أسلوب الكاتبة في السرد جاذب. والعاطفة قوية جدا، نشعر باعجاب الكاتبة بوالدتها وبالماضي رغم قساوته .
عندما شاهدت صورة الغلاف وزهرة النوارة الصفراء التي تنمو فوق المقابر شعرت بتضارب الصراع الانساني . استطاعت الكاتبة باسلوبها الممتع ان تعيد ساعات الزمن للخلف.
في الرواية حكم مثل ص (4) عندما كتبت عن المال الحرام .لا يدوم وإن دام لا يعمر أكثر من أربعين عاما.ليذهب بعدها ويأخذ معه ما تبقى من المال الحلال .
الأمّ مدرسة ومريم في هذه الرواية مدرسة .بعض نصوص الرواية تستحق ان تدرس في المدارس وأن تترجم لمسلسل تلفزيوني .لقاء الكاتبة مع نزار قباني ووصفها للقاء الحميمي ووصف مشاعرها عندما شربت القهوة مع نزار قباني .
شربت قهوتي التي أصرّت ان تكون مثل قهوته تماما وشربتها لأول مرة في حياتي على غير ما اعتدتها .شربتها نقية ، ناضجة، مبتسمة وساخنة .هكذا وصفت لحظة اللقاء الأخيرة مع نزار . بانقضاء فصل الربيع.
نهاية الرواية مؤثرة جدا. توجز الحياة توجز رسالة الأمّ ،لفظت آخر ما كتبه الله لها من أنفاس. لتختم حياتها بعدما ربّت أيتاما هم حملة مفاتيح الجنات لها ...رحلت ورحل معها تاريخ كان يزدان بها .