
افراسيانت - ستارمر وهيرتسوغ - نشر موقع “ديكلاسيفايد يو كي” مقالا لكل من مارك كيرتيس ولورا بيدكوك المحررين في الموقع، قالا فيه إن حرب الإبادة الإسرائيلية ضد غزة عرّت النظام الأوليغاريشي الحاكم في بريطانيا وضرورة تغييره. وأضاف الكاتبان أن الحرب الإبادية على غزة يجب أن تكون لحظة محورية في التاريخ البريطاني، ذلك أن النظام السياسي فشل فشلا ذريعا في مواجهة إبادة جماعية. بل وجعل المؤسسة البريطانية تتواطأ في واحدة من أسوأ فظائع عصرنا: الهجوم الإسرائيلي المستمر منذ عامين على الفلسطينيين، بما في ذلك التطهير العرقي، والهجمات الممنهجة على المدارس والمستشفيات، والجرائم ضد الإنسانية.
وقال الكاتبان إن قادة بريطانيا تعاونوا عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا مع إسرائيل طوال الهجمات على الفلسطينيين في غزة. ومع ذلك، فإن فرض عقوبات كبيرة على إسرائيل أصبح الآن خارج أجندة الحكومة تماما، في تناقض صارخ مع روسيا، لأن المؤسسة البريطانية تختار دعم إسرائيل حتى في جرائمها.
وعلق الكاتبان أنه لا توجد أي ذرة أخلاق في عملية صنع القرار السياسي والاقتصادي في بريطانيا. لكن هذا لا يعني أن النظام “معطل”، فهو يعمل كما هو مخطط له.
وقالا إن ما نشهده هو ذروة إفلات الوزراء من العقاب على التواطؤ في جرائم خارج البلاد، وعدم أهمية حقوق الإنسان والقانون الدولي في صنع السياسات البريطانية.
ذلك أن همّ المؤسسة الحاكمة الأساسي كان حماية إسرائيل وصناعة الأسلحة البريطانية والإسرائيلية. وعليه، تبرز غزة العديد من المشاكل العميقة في الحكم البريطاني، وتكشف عن وهم الديمقراطية في المملكة المتحدة، وهناك حاجة إلى حركة جماهيرية لمعالجة عشر قضايا رئيسية.
وأهم قضية كشفت عنها إبادة غزة، هي أن الحكومة وصناع القرار السياسي لا يولون أهمية لحياة الإنسان ولا يتعاملون معها، حتى بجدية.
فمنذ حرب 7 أكتوبر 2023، وضع وزراء بريطانيا تحالفهم الاستراتيجي مع إسرائيل فوق حياة الفلسطينيين المجردين من إنسانيتهم، حتى مع ارتفاع عدد القتلى إلى عشرات الآلاف. واعتذر وزراء في كل من حكومتي المحافظين والعمال صراحة عن الانتهاكات الإسرائيلية الواضحة للقانون الدولي وحقوق الإنسان.
كما أن وصف الحكومة للهجوم الإسرائيلي على غزة بأنه مجرد حرب على حماس، وتغطية وسائل الإعلام للإبادة الجماعية من خلال هذا الإطار، أعطى مصداقية لاستراتيجية إسرائيل في إلحاق العقاب الجماعي بالفلسطينيين.
وكما حدث عندما قال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ -الذي رحب به كير ستارمر لاحقا في داونينغ ستريت- إن “شعبا بأكمله” من الفلسطينيين “مسؤول” عن الهجمات في تشرين الأول/ أكتوبر. وبعيدا عن غزة، فإن الواقع هو أن بريطانيا ساهمت في العديد من عمليات الإبادة الجماعية في العالم، وتدعم معظم الأنظمة القمعية في العالم، حيث تسهم الأسلحة البريطانية والدعم الدبلوماسي في دعم العديد منها. ولا حاجة هنا للمقارنة بين الموقف الصقوري للحكومة من روسيا وحربها ضد أوكرانيا، والحرب الإسرائيلية على غزة. ومن هنا، فنحن بحاجة لسياسة خارجية تحترم وتلتزم بحقوق الإنسان.
القضية الثانية، هي الالتزام بالقانون الدولي، حيث تدعي جميع الحكومات البريطانية أنها ملتزمة به، لكن هذا غير صحيح تماما. فغزة كشفت عن اعتقاد أن بإمكانهم التصرف كالمجرمين، ويدعمون القوانين التي تعجبهم ويتجاهلون تلك التي لا تعجبهم. وقد رفضت الحكومة البريطانية مرارا الاعتراف بجرائم الحرب الإسرائيلية، ومنحت “حصانة خاصة” للقادة العسكريين الإسرائيليين لزيارة بريطانيا. كما بذلت بريطانيا جهدها لحماية إسرائيل من اللوم القانوني، في تناقض صارخ مع موقفها من روسيا. والحقيقة التي لا يمكن ذكرها في الإعلام السائد، هي أن بريطانيا دولة مارقة في سياساتها الخارجية.
النقطة الثالثة، تتعلق بتجاهل الحكومة الضغوط الشعبية، فقد عارضت غالبية الشعب البريطاني هجوم إسرائيل على غزة، وتتعاطف مع الفلسطينيين. وقد أجبر الضغط الشعبي، بما في ذلك عشرات المسيرات الوطنية الحاشدة، الحكومة في النهاية على التراجع عن دعمها العلني الصريح في البداية للهجمات الجماعية الإسرائيلية. لكن الحكومة البريطانية لم تحسن من دعمها لإسرائيل إلا في خضم إبادة جماعية، وفرضت عقوبات مختارة على وزيرين إسرائيليين، ولم تفرض حظرا شاملا على الأسلحة، واستمرت في العلاقات التجارية ولا تزال حليفا استراتيجيا لها، وتعارض بشدة فرض عقوبات كبيرة عليها.
وعندما واجهت الحكومة ضغوطا من حركة “فلسطين أكشن” فلسطين التي استهدفت بشكل مباشر أكبر شركة أسلحة إسرائيلية في بريطانيا “إلبيت سيستمز” قامت الحكومة البريطانية ببساطة بحظر الحركة. وبدون إصلاح الحكومة البريطانية لسياستها، لن يكون هناك سوى طرق قليلة يمكن للجمهور من خلالها التأثير عليها، وبالتأكيد ليس من خلال آليات رسمية.
ولا بد من محاسبة حقيقية، فما هي فائدة البرلمان إن لم يتمكن النواب المنتخبون من ضمان عدم تواطؤ المؤسسة في الإبادة الجماعية، وهي أبشع جريمة دولية، أو التزام الحكومات بالقانون الدولي، وهو واجب أساسي آخر، فإن السلطة التي يتمتعون بها، بصراحة، وهمية، وقد فقدوا حقهم في تمثيل الشعب البريطاني.
فهم لا يحاسبون الوزراء بشكل روتيني، وقد فشلوا تماما في القيام بذلك بشأن غزة. وأشار الكاتبان إلى جماعات الضغط التي تؤثر على النواب، فقد موّل لوبي إسرائيل، ربع أعضاء البرلمان ونصف حكومة كير ستارمر. ومع ذلك، فإن منظمات مثل حزب العمال وأصدقاء إسرائيل المحافظين، التي تمول أعضاء البرلمان للذهاب في رحلات إلى إسرائيل، غير ملزمة حتى بالإعلان عن مموليها. ماذا يفعل الناخب عندما لا يرد نائبه على رسائله الإلكترونية، أو عندما يرفض طلبه لمقابلته في مواعيد “العيادات”، أو عندما يخالف رغبات غالبية ناخبيه في التصويت البرلماني؟
وليس لدى الناخب أي آلية سوى الانتخابات لمحاسبة النواب والوزراء. ويجب على الناخبين إقالة النواب الذين يفشلون في تحدي الدعم البريطاني للإبادة الجماعية الإسرائيلية.
وتحتاج عملية تغيير النظام السياسي إلى وقف السرية الحكومية المفرطة، ذلك أن النظام البريطاني يزدهر بالسرية الرسمية، وهي العملة الرئيسية للحكومة البريطانية، والتي وصفت بـ”الداء الإنكليزي”. وقد تحمل الناخب البريطاني حالة السرية الرسمية المفرطة فقط لأنه مضطر لذلك ولعدم وجود أي محاولة جادة من أي حزب سياسي لفتح النظام وتقليل سريته. ولا يسمح له بمعرفة أي شيء عن تعاون أجهزة المخابرات البريطانية ، سواء “جي سي أتش كيو” أو “أم أي6” مع إسرائيل. وترفض الحكومة حتى نشر اتفاقيتها العسكرية السرية لعام 2020 مع إسرائيل، أو الاستشارات القانونية الرسمية التي تلقتها بشأن انتهاكات إسرائيل للقانون الإنساني الدولي.
وقال الكاتبان إن هناك حاجة لدعم الإعلام المستقل، فقد كشفت غزة بوضوح أن وسائل الإعلام تعمل بشكل روتيني كأدوات فعلية للدولة، حيث تضخم مواقفها وتفشل في نقل الروايات المستقلة أو المتناقضة بشكل كاف. كما أن الغضب العام من الطريقة التي غطت بها وسائل الإعلام التقليدية الإبادة الجماعية أمر ملموس. لكن المساءلة الإعلامية الحقيقية في بريطانيا محدودة، وتنشر وسائل الإعلام بانتظام معلومات كاذبة دون أي رد. وفي المقام الأول، يجب أن يدفن الإعلام التقليدي على يد الجمهور.
وعلى جميع الهيئات المستقلة، مثل النقابات والمنظمات غير الحكومية، التوقف عن التعاون مع وسائل الإعلام “الرئيسية” ودعم وسائل الإعلام المستقلة التي تعنى بالمصلحة العامة والاستثمار فيها.
وتحتاج عملية الإصلاح إلى كبح نفوذ اللوبي الإسرائيلي، ذلك أن نفوذا مفرطا لقوة أجنبية في السياسة البريطانية ليس ديمقراطيا ولا مقبولا، ولهذا السبب صوّت الكثيرون لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فالحكومة، عن حق، حريصة على منع نفوذ دول مثل روسيا أو الصين، لكنها ترحب به بشدة من إسرائيل. وربما شعر الكثيرون بالصدمة من طريقة دفاع الحكومة البريطانية عن إسرائيل خلال إبادة جماعية. ومع ذلك، لا يزال الكشف عن مدى نفوذ اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا وتأثيره على صنع السياسات موضوعا محظورا في وسائل الإعلام الوطنية. وقد ثبت أن شخصيات ومجموعات اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا تمول عددا هائلا من أعضاء البرلمان، وتعقد اجتماعات سرية مع الوزراء، وتضغط على الحكومة لتأمين تغييرات في السياسات، وتمارس نفوذا كبيرا على وسائل الإعلام والأجندة السياسية.
وهناك قضية أخرى تتعلق باستقلالية بريطانيا عن الولايات المتحدة. فخضوع بريطانيا لإسرائيل، مرتبط بشكل أساسي بعدم رغبة الحكومة البريطانية في إزعاج واشنطن. وهذا يظهر مجددا أن بريطانيا ليست دولة مستقلة حقا. وكان هذا الخضوع واضحا عندما تحدى توني بلير الجماهير وانضم إلى أمريكا في غزو العراق عام 2003. وواصل ستارمر التقليد البريطاني المتمثل في دعم كل عمل غير قانوني تقريبا في الخارج قامت به الولايات المتحدة، مثل هجماتها العسكرية على إيران في حزيران/ يونيو.
وتحتاج عملية الإصلاح حماية للحريات المدنية، فاستعداد الحكومة التخلي عن بعض حقوق المواطنين الديمقراطية على مذبح دعم دولة أجنبية، متورطة في إبادة جماعية، يعد مؤشرا مقلقا على أولويات المؤسسة. وفي مواجهة معارضة شديدة لسياساتها، لجأت الحكومة إلى مراقبة المعارضة وتقييد الحريات المدنية. وأخيرا يجب بناء حركة ضد الحرب والعسكرة والإفلات من العقاب. ولن تقبل المؤسسة الحاكمة بأي من هذه التغييرات طواعية. من البديهي قول ذلك، لكن بريطانيا بحاجة إلى حركة منظمة ضد الحرب والعسكرة والإفلات من العقاب. وقد شهد العامان الماضيان تفجرا في النشاط الداعم لتحرير فلسطين وضد الإبادة الجماعية. وشهدت المظاهرات المتكررة أحيانا خروج مئات الآلاف إلى الشوارع، ولكن حتى هذا لم يكن سوى غيض من فيض.

