
افراسيانت - د. هشام عوكل - ليس جديدًا على إسرائيل أن تبحث للفلسطينيين عن وطنٍ بديل ولا جديدًا على العالم أن يتعامل مع هذه الفكرة وكأنها “زلة لسان” عابرة. الجديد فقط هو الخرائط التي تتغيّر فيما تبقى الفكرة ذاتها:
الفلسطيني زائد عن الحاجة… فلنبحث له عن مكان بعيد.
آخر فصول هذه الكوميديا السياسية السوداء جاء مع إعلان حكومة بنيامين نتنياهو اعترافها الأحادي بما يسمى “جمهورية أرض الصومال” خطوة قُدّمت إعلاميًا على أنها شأن دبلوماسي سيادي لكنها في العمق ليست سوى حلقة جديدة في مسلسل البحث عن مكبّ جغرافي للفلسطينيين.
هذا الاعتراف ليس بريئًا بل يأتي في سياق محاولات يائسة لتهجير الفلسطينيين. وهو توصيف دقيق وإن جاء بلغة دبلوماسية مهذبة لا تليق بحجم الوقاحة السياسية المطروحة.
التهجير: فكرة قديمة بأقنعة جديدة
من يظن أن الحديث عن تهجير الفلسطينيين إلى الصومال وليد حرب غزة.
الأخيرة يقرأ التاريخ بالمقلوب
.
فكرة “التفريغ الديمغرافي” رافقت المشروع الصهيوني منذ نشأته:
مرة إلى أوغندا في مطلع القرن العشرين.
مرة إلى سيناء تحت مسمى مشاريع تنمية.
مرة إلى الأردن باعتباره “الوطن البديل”.
مرة إلى أمريكا اللاتينية عبر خطط توطين ناعمة.
ومرة إلى الدول العربية المجاورة بحجج إنسانية.
الفكرة لم تتغير، فقط الخرائط تتبدل حسب ميزان القوى.
واليوم في ذروة حرب الإبادة على غزة تعود إسرائيل إلى درجها القديم وتخرج منه خريطة إفريقية بعيدة، هشّة، تعاني أصلًا من أزمات سيادية وتقول للعالم: “وجدنا الحل”.
لماذا الآن؟ ولماذا أرض الصومال؟
السؤال الأهم ليس: لماذا تعترف إسرائيل بأرض الصومال؟
بل: لماذا الآن تحديدًا؟
الجواب بسيط لمن يقرأ اللحظة جيدًا:
حرب طويلة بلا نصر واضح.
فشل في كسر ارادة الشعب الفلسطيني .
ضغط دولي متصاعد.
مأزق أخلاقي غير مسبوق.
في مثل هذه اللحظات تلجأ الدول إلى الهروب الجيوسياسي. وإسرائيل بارعة في ذلك. تعترف بكيان غير معترف به دوليًا، لتكسب:
ورقة تفاوض جديدة.
موطئ قدم في القرن الإفريقي
والأهم: فتح نافذة خيالية لفكرة التهجير دون إعلانها رسميًا.
أما “أرض الصومال” نفسها، فهي بالنسبة لإسرائيل فراغ قانوني قابل للتوظيف كيان يبحث عن اعتراف، وإسرائيل تبحث عن وظيفة لهذا الاعتراف.
السخرية القاتلة
المفارقة الساخرة أن إسرائيل التي ترفض حتى اليوم الاعتراف بدولة فلسطين المعترف بها دوليًا قررت فجأة أن تصبح حامية حق تقرير المصير… لكن فقط عندما يكون هذا الحق بعيدًا آلاف الكيلومترات عن فلسطين.
إنها نسخة حديثة من العقلية الاستعمارية القديمة:
نحن نقرر وأنتم تتحركون.
لكن التاريخ – وللأسف على إسرائيل – ليس صفحة بيضاء كل مشاريع التهجير السابقة سقطت ليس لأنها غير “عملية” بل لأنها تصطدم بحقيقة واحدة:
الفلسطيني ليس مشكلة جغرافية… بل قضية سياسية وأخلاقية.
زاوية حادة تسال ٫٫٫؟
الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال ليس دعمًا لاستقلال بل استثمار في الفوضى.
وليس خطوة دبلوماسية بل رسالة تهديد مبطّنة.
وليس بحثًا عن حل، بل هروبًا من استحقاق: الاعتراف بحق الفلسطيني في أرضه.
من أوغندا إلى الصومال ومن أمريكا اللاتينية إلى سيناء ستبقى كل الخرائط المؤقتة فاشلة لأن هناك شعبًا واحدًا يرفض أن يتحوّل إلى شحنة سياسية تُصدَّر وقت الأزمات.
وهنا، بالضبط تفشل كل “الزوايا الميتة” في حسابات القوة… وتبقى فلسطين..!
أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولية
