إسرائيل: حين تكونُ الديمقراطية قناعاً للفاشية..!

طباعة
تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - جمال محمد تقي - أصبح مفهوم الديمقراطية كمفهوم الارهاب ، مطاطاً ومبتذلاً ، ومهلهلاً ، إضافة الى نسبيته الطاغية ، وذلك أولاً لعدم وجود تعريف معياري ثابت لقياسه، وثانياً لإتساع الفجوة بين ماهو نظري وعملي في محاولات تطبيقه على إحداثيات الواقع السائد، فالديمقراطية تُترجم على أنها حكم الشعب، بواسطة ممثلين يختارهم عبرآليات مباشرة أوغير مباشرة، لكن ممارسة هذا الحكم من خلال نظام الأكثرية الملفقة، وعبر تحالفات سياسية وحزبية متوافقة جزئياً على بعض أهداف البرامج الانتخابية المعلنة، ولغرض وحيد هو تحقيق نسبة 50 +1 من نصاب البرلمان لتمرير التشكيل الحكومي وبرنامجه، ومن دون أخذ رأي الناخب بهذا التشكيل الكوكتيلي ولا بالتنازلات المتبادلة بين مكوناته، يجعله مؤهلاً للتحور والنكوص الى مايشبه الدوران في حلقة مشفوطة من الدسم الديمقراطي الحقيقي لمصلحة البيروقراطية السياسية ومؤثرات وسائل التضليل والمال السياسي، هذا ناهيك عن أنها تبعث على العزوف الشعبي والاقبال النخبوي البرغماتي، لاسيما وأن أغلب نسب المشاركة الفعلية في الاقتراع لا تُعبّر بالضرورة عن الأكثرية الانتخابية، وهي أصلا تعاني من التدني، وهذا ما جعل من الديمقراطية شعاراً فاقداً لجوهرمحتواه في التطبيق، وعليه يمكن أن يكون رئيس وزراء دولة ديمقراطية راسخة مثل السويد أو النرويج قد حصل فعلياً على أقل من 10 في المئة من أصوات الذين يحق لهم التصويت ، وعن حوالي 20 في المئة من المشاركين الفعليين في التصويت.

 


امكانية التفاعل الايجابي مع هذا الحال وعلى علّاته متحققة لسبب أساسي مازال قائماً وهو مساواة الجميع أمام القانون وانعدام كل اشكال التمييز العنصري بين أفراد الحاضنة الانتخابية وبنسب مقبولة هناك حالة من تكافوء الفرص لجميع السكان بمعزل عن اللون والجنس والدين والثروة والمنحدر القومي ، لكننا إذا أجرينا نوعاً من التطبيقات على مايسمى بالديمقراطية في اسرائيل ، سنجد أنّ التمييز وانعدام تكافؤ الفرص هو جوهر النظام السياسي والانتخابي القائم ، وهذا ما يعاني منه أكثر من مليوني فلسطيني من مواطني إسرائيل ، ليس في الممارسة الانتخابية فقط ، وإنما في شرعية وجودهم على أرضهم.


فقانون يهودية الدولة ، وحصر حق تقرير المصير لليهود فقط ، وممارسة سياسة العزل السياسي تجاه ممثلي الفلسطينيين في إسرائيل ، والملاحقات الأمنية بجعل كل فلسطيني متهم حتى يثبت العكس ، كلها تعكس المنطلقات العنصرية والانعزالية والاقصائية ضد مكون أساسي في المجتمع الاسرائيلي ، إنه واقع لانبعاث فاشي داخلي ، جيناته مغروسة في الفكر والممارسة الصهيونية حتى قبل قيام الكيان الاسرائيلي !


الديمقراطية وحقوق الانسان وجهان لعملة واحدة:


لجنة حقوق الانسان في الأمم المتحدة كانت قد صاغت جملة من العناصر لتعزيز فهم مشترك لمباديء الديمقراطية وقيمها ، استناداً الى الصكوك الدولية لحقوق الانسان ، وسنذكرها جميعا للقياس عليها ، في الحكم على ما تدّعيه إسرائيل من ديمقراطية ، تقول اللجنة إنه بمقدار تحقق هذه التدابيريكون المسعى الديمقراطي قد انطلق الى شروطه الأولية ومن أهمها، أولاً : احترام حقوق الانسان والحريات الأساسية . ثانياً : حرية تكوين الجمعيات . ثالثاً : حرية التعبير والرأي . رابعاً : الوصول للسلطة وممارستها وفقاً لسيادة القانون . خامساً : اجراء انتخابات دورية حرة ونزيهة بالاقتراع العام والتصويت السري تعبيراً عن إرادة الشعب . سادساً: نظام تعددي للأحزاب والمنظمات السياسية . سابعاً: فصل السلطات . ثامناً : استقلال القضاء . تاسعاً : الشفافية والمساءلة في الادارة العامة . عاشراً: وسائل إعلام حرة ومستقلة ومتعددة .


لننطلق من أولوية حقوق الانسان واحترام الحريات الاساسية ، فهل تحترم إسرائيلُ حقاً الحقوق الأساسية للفلسطينيين من حَمَلة الجنسية الاسرائيلية وعددهم بحسب الاحصاء الأخير للسلطات الاسرائيلية 2 مليون و118 ألف فلسطيني ؟ الاضطهاد والملاحقة تشمل من يخالف ويعترض على النهج الفاشي للحكم الصهيوني حتى بين اليهود أنفسهم ، وتعمّد الصهاينة منع وإسكات الإعلام الحر داخل إسرائيل وخارجها وخاصة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتحديداً غزة لتعتّم على حقيقة أفعال حكومتها الاجرامية ، حتى القضاء والمحاكم والهيئات المستقلة التي صورها الصهاينة على أنها قلاع لحماية الديمقراطية وسلطة القانون أثبتت هشاشتها أمام التغّول الفاشي في الدولة والمجتمع !


إذا أجرينا نوعاً من التطبيقات على ما يسمى بالديمقراطية في اسرائيل ، سنجد أنّ التمييز وانعدام تكافؤ الفرص هو جوهر النظام السياسي والانتخابي القائم ، وهذا ما يعاني منه أكثر من مليوني فلسطيني من مواطني إسرائيل.


القناع الديمقراطي لا يستر الاحتلال والإبادة:


«لا يمكن أن تكون انساناً حراً وديمقراطياً في الداخل ،ومحتلاً وغاصباً وقاتلاً في الخارج ، فالقيم والأخلاقيات والمباديء الانسانية واحدة لا تتجزأ ، وإنْ حصل العكس ، معناه هناك خلل في انسانيتك».


تقدّم إسرائيل نفسها كواحة للديمقراطية في الشرق الأوسط ، وهي تعتبر قيامها امتداداً لديمقراطية الغرب بكل مواصفاته السطحية والعميقة وتذهب أبعد من ذلك في تصنيف ذاتها كجزء من كينونة الحضارة الغربية ، ولا تشطح إسرائيل بنسبها هذا ، فهي ربيبة الغرب الاستعماري بوجهه الاستيطاني ، ومرجعيتها هي مرجعيته ، منذ أيام الانحسار الكاثوليكي والتحول نحوالبروتستانية التي دقّت ناقوس الانطلاقة لتهويد المسيحية وبالتالي تهويد بنية مجتمعاتها الاقتصادية أثناء الانتقال من الرأسمالية التجارية الى الصناعية والى حيث البنوك معابد لديانة الغرب الجديدة.


ومع كل هذا الاندماج العضوي بقيت بقايا العقدة الاوروبية من العزلة المتعالية لليهودية طافحة ، فكان الحل بتبني مشروع بديل يريح الأوروبيين ويدفع باليهود للتصهين بعيداً عنهم، يصارعون فكرةَ الأرض الموعودة ، التي وجد فريق منهم ، بأنها أمريكا، ولكنهم وجدوها قارة يصعب بلعها وهضمها وكل العيون الزائغة عليها لاسيما علّية القوم من بني الانكلوسكسون، حتى لاحت فكرة تتخادم فيها كل العناصر المصلحية للامبريالية البيضاء والرأسمالية اليهودية المتصهينة، فكانت البلورة عند النخبة الصهيونية بقيادة هرتزل ومشروع الدولة اليهودية في فلسطين، وجاء وعد بلفور قريناً لسايكس بيكو، وحيث كان النزوح اليهودي لفلسطين متقطعاً، ولم يكن كافياً، حتى جاء هتلر بانتخابات قيل عنها ديمقراطية تناسب زمانها، وتخادم مع الصهيونية في إرهاب اليهود وحملِهم على الهجرة شبه القسرية أو الموت، وفعلا قدّم خدمة العمر للصهاينة عندما فتك بمن وقع بين يديه منهم، وما أنْ انتهت الحرب حتى قامت دولة اسرائيل في فلسطين تعويضاً وتعاطفاً مجزياً ليهود أوروبا الناجين، فأعطى من لا يملك لمن لا يستحق، وكأنّ فلسطين أرض بلا شعب.


وعندما تواصلت ثورات أهلها كان الصهاينة قد استعدّوا بالعدة والعدد وبدعم وتدريب وتسليح أوروبي بقيادة بريطانيا وجيشها المنتدب، فكان التقسيم والنكبة ، ثم احتلال كل فلسطين من البحر إلى النهر واحتلال ما تيسّر من أراض سوريةٍ ولبنانية، ومازال الحبل على الجرّار، بين كيان يريد جمع ما لا يُجمع – حق سماوي مطلق وعصمة ديمقراطية دنيوية تؤمن بأن البشر جميعاً متساوون بالحقوق والواجبات – وبين من يتصدى له من أحرار فلسطين والعالم !.