
افراسيانت - علي تمي - منذ عام 2001 وحتى عام 2021، حين كانت الولايات المتحدة غارقة في حروبها البعيدة، كان التنين الصيني منشغلاببناء نفسه في صمت.
أغلقت بكين على نفسها باب التورط في النزاعات الخارجية، وبدأت سباقًا هادئًا للتسلح والتصنيع، بينما كانت واشنطن تُستنزف في جبال أفغانستان وصحارى العراق، أما موسكو، فبعد فوضى التسعينيات، لم تهتم كثيرًا بالتدخل الأمريكي في أفغانستان أو العراق، بل ركّزت على إعادة ترميم جيشها واقتصادها، وطوّرت ترسانتها النووية والصاروخية، لتعود لاعبًا يصعب تجاوزه، وهي اليوم تحارب في جبهات القوقاز منذ عام 2022 رغم التدخل الأوروبي المباشر لصالح كييف..
الصين… التسلح بالهدوء والاقتصاد بالأرقام بين عامي 2001 و2021 تضاعف الاقتصاد الصيني أكثر من 13 مرة:
من 1.3 تريليون دولار إلى نحو 17.8 تريليون دولار، لتصبح الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة.
كما ارتفع الإنفاق العسكري الصيني من 30 مليار دولار إلى نحو 290 مليار دولار سنويًا، وهو نمو يفوق 900 في المئة، لتتحول بكين إلى قوة عسكرية متكاملة تمتلك اليوم أكثر من مليوني جندي، وحاملتي طائرات، وصواريخ باليستية متوسطة وبعيدة المدى، وقدرات فضائية متقدمة.
ورغم هذا الصعود الهائل، فضّلت الصين أن تترك واشنطن تنزلق في «المستنقعات الشرق أوسطية»، بينما كانت هي تحكم قبضتها على الاقتصاد والتكنولوجيا والطاقة.
روسيا… عودة الدب النووي من جهتها، استعادت روسيا عافيتها العسكرية.
فارتفع إنفاقها الدفاعي من نحو 30 مليار دولار عام 2001 إلى أكثر من 65 مليار دولار عام 2021، أي أكثر من الضعف، وامتلكت أكبر ترسانة نووية في العالم بما يقارب 6,000 رأس نووي، وطوّرت أسلحة فرط صوتية ودفاعات جوية متقدمة جعلتها قادرة على تحدي أي قوة في العالم.
اقتصاديًا، بقيت روسيا متوسطة الحجم بناتج محلي يقارب 1.8 تريليون دولار فقط، لكنها عوّضت ضعفها المالي بتفوّقها العسكري والطاقوي، فاعتمدت على صادرات النفط والغاز كورقة نفوذ في وجه الغرب.
أمريكا… من زعامة الحرب إلى إرهاق الإمبراطورية في عام 2021، اكتشف الأمريكيون أنهم استنزفوا مواردهم في حروب لا تنتهي.
المعركة الحقيقية لم تعد في كابول أو بغداد، أو حتى داخل سوريا أو في غزة، بل في صراع النفوذ مع بكين وموسكو على قيادة القرن الحادي والعشرين.
انهزموا في أفغانستان بعد أطول حرب في تاريخهم، وانسحبوا منها تاركين البلاد تحت سيطرة طالبان وفي العراق، أنفقوا أكثر من 2 تريليون دولار خلال عقدين، ثم سلّموا البلاد عمليًا لنفوذ الميليشيات ، والتي تشير التقارير الأمريكية إلى أن عددها تجاوز 14 ميليشيا مسلحة تسيطر على القرار الأمني والسياسي هناك.
هذه الإخفاقات المتتالية دفعت واشنطن إلى إعادة رسم أولوياتها الاستراتيجية
فبدل الانشغال بملفات الشرق الأوسط المتشابكة، بدأت تتبنى مبدأ «صفر مشاكل» في المنطقة، لتتفرغ لما تسميه «اللعبة الكبرى» في مواجهة التنين الصيني والدب الروسي.
ملامح التحول الجديد من المؤشرات البارزة لهذا التحول:
– خفض الانخراط العسكري المباشر في سوريا والعراق، مع نية لتسليم مناطق شرق الفرات تدريجيًا للحكومة السورية بحلول نهاية هذا العام.
– السعي لتطبيع الملفات الإقليمية، مثل تسريع حل القضية الفلسطينية والاعتراف الدولي بها، وحل ملف غزة ضمن ما يعرف بـ «خطة ترامب».
– إعادة بناء تحالفات سنية قوية في الشرق الأوسط، والتي تتضمن (المملكة العربية السعودية، باكستان، تركيا، قطر، مصر، سوريا والعراق لاحقًا) لموازنة النفوذ الإيراني في المنطقة، ولضمان جبهة موحدة تحت المظلة الأمريكية.
وحسب المؤشرات الميدانية فإن الحرب على إيران ما هي إلا مسألة وقت، وهذه الفرضية مبنية على التحركات الديناميكية الأمريكية الأخيرة في الشرق الأوسط.
بعبارة أخرى، تدرك الولايات المتحدة أن زمن التفوق الأحادي يقترب شيئًا فشيئًا من نهايته، لقد خسرت عقدين في حروب جانبية، بينما صعد خصومها في صمت.
واليوم، تحاول واشنطن أن تستعيد توازنها، قبل أن يستيقظ التنين الصيني تمامًا، وقبل أن يفرض العالم الجديد قواعده دونها.
خلاصة القول:
بين عامي 2001 و2021 تغيّر ميزان القوى العالمي:
– الصين تحوّلت إلى عملاق اقتصادي وعسكري.
– روسيا استعادت قدرتها النووية والردعية.
بالمحصلة، الولايات المتحدة بدأت تدرك، متأخرة، أن المعركة الحقيقية لم تعد في كابول أو بغداد، أو حتى داخل سوريا أو في غزة، بل في صراع النفوذ مع بكين وموسكو على قيادة القرن الحادي والعشرين.
والحرب ستبدأ على الأرجح بضرب المفاعل النووي الإيراني ، ومن بعدها ستنشغل واشنطن بملفات كبرى وداخل ملاعب عملاقة، ومن أهمها الحرب في الخطوط الأمامية في القوقاز، والتفرغ لحماية تايوان من أي غزو صيني محتمل.
لننتظر ونرى.
كاتب وباحث سياسي سوري

