القوة الدولية.. تقويضٌ أم احتلال؟

طباعة
تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - أحمد عويدات - لم يعهد التاريخ السياسي للعلاقات بين دولة الكيان والولايات المتحدة، دعماً بل شراكةً فعلية، كما هو الحال في عهدي الرئيس ترامب الأول والحالي في المجالات العسكرية والسياسية والدبلوماسية واللوجستية كافة. ولم يعرف التاريخ السياسي أيضا، «دولةً» حليفة بهذا المستوى للولايات المتحدة كما هي «إسرائيل»،

وكأنها الولاية الأولى بين الـ51 ولاية أمريكية في الرعاية والاهتمام والحماية والشراكة. وكأن الإسرائيليين هم «شعب ترامب المختار»، إذ فضلهم على أبناء جلدته الأمريكيين، وباتت كل مقدرات أمريكا وإمكاناتها ورجالاتها وسياسييها ودبلوماسييها تحت أُمرة قادة الكيان، كما تشير الوقائع كل يوم وكل ساعة.


من هذا المنطلق، ما زالت إدارة ترامب تحاول تحقيق إنجاز تاريخي في الشرق الأوسط. وتصب المحاولات أولاً في إنقاذ «خطة ترامب» لإنهاء الحرب في غزة من الانهيار، بعد سلسلة لا متناهية من الخروقات والاستفزازات والاعتداءات الإسرائيلية ضد الغزيين، في مختلف أنحاء القطاع، تحت ذرائع وحجج واهية أُقنعت بها إدارة ترامب. ولكن هذه المرة عبر مجلس الأمن، إذ تحاول الولايات المتحدة الحصول على تفويضٍ أممي من خلال تشكيل قوة استقرار دولية متعددة الجنسيات تتمتع بشرعية دولية لحكم غزة لمدة عامين على الأقل، تحت قيادة ما سمي «مجلس السلام»، الذي يرأسه الرئيس ترامب، وتوني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، ويعتبر هذا المجلس من حيث الجوهر، سلطة الوصاية والحاكم الفعلي لقطاع غزة.

ويُذكر أن هذه الخطوة تذكّرنا بما حاولت الولايات المتحدة القيام به قبل غزو العراق، بإضفاء شرعية دولية على تحركها، الأمر الذي رفضه مجلس الأمن آنذاك، ليكشف حقيقة ما كانت تخفيه ضد العراق، عندما شنت الحرب مع التحالف الذي أنشأته دون غطاء دولي، حيث تم تدمير الجيش العراقي، ومقدرات العراق، وزرع الشقاق المذهبي والطائفي إلى يومنا هذا.


مشروع ترامب يهدف لنزع سلاح المقاومة بكل فصائلها، وتدمير الأنفاق، شريان المقاومة وعمود صمودها، لحرمان الشعب الفلسطيني من حقه في مقاومة المحتل.


وفق ما سُرّب عن هذا المشروع من المفترض أن تكون هذه القوة قوة إنفاذٍ، وليس قوة حفظ سلام، كما هو الحال مع اليونيفيل في لبنان؛ أي أن مهمتها لا تنحصر فقط بحفظ الأمن وحماية المدنيين، وتأمين حدود مصر و»إسرائيل»، وضمان أمن المعابر والممرات الإنسانية، بل نزع سلاح المقاومة، وهذا هو الشغل الشاغل لنتنياهو، كما جاء بأهداف حربه المعلنة، وكما قيل على لسان أحد المسؤولين الإسرائيليين لوكالة «سي إن إن» الأمريكية، «إن إسرائيل شاركت بصياغة الكثير من بنود هذا المشروع»، حتى أنها تدخلت بتشكيل قوام هذه القوة،

ورفضت مشاركة بعض الدول، مثل تركيا، كما أشار لذلك مندوب الكيان في الأمم المتحدة، ما يدفع إلى طرح السؤال التالي: هل هذا مشروع إسرائيلي أم أمريكي؟ أم أنه أمريكي ناطق باسم «إسرائيل»؟ وسُرّب أيضا أن المشروع يقر بوجود تعاون بين الجيش الإسرائيلي والقوة الدولية لنزع السلاح في غزة، ما يعني أن هناك تعاونا بين الكيان والدول المشاركة في القوة في نزع سلاح المقاومة،

دون الحاجة لوضع ذلك تحت البند السابع، لتجنب التعرض «لإسرائيل» في حال عدم امتثالها لقرارات وتعليمات القوة الدولية. من ناحية أخرى، وكما نقل موقع أكسيوس، تشترط الدول العربية والإسلامية المشاركة في هذه القوة، عدم استخدام القوة ضد الفلسطينيين في عملية نزع السلاح، وأن يكون ذلك تحت مظلة الأمم المتحدة ومرجعيتها مجلس الأمن، وليس «مجلس السلام»، وأن لا يقتصر هذا المشروع على الأوضاع في غزة، بل يتعدى ذلك لحل القضية الفلسطينية وفق حل الدولتين.


من الواضح تماما، ومن خلال مراجعة بنود المشروع، أن الولايات المتحدة وإسرائيل تريدان من هذه القوة الدولية، القيام بالمهمة نيابة عنهما، دون أن تتكلفا عبء ذلك عسكريا وتعريضهما لخسارة جنودهما في حال فشلهما. وهنا نستذكر ما اعتاد على تكراره نتنياهو بأنه «إذا فشلت المساعي الدبلوماسية بنزع سلاح حماس، فإنه سيتكفل ذلك بالوسائل العسكرية». وما يُخشى منه أن تتعمد «إسرائيل» والولايات المتحدة توريط الدول الإسلامية والعربية المشاركة في هذه القوة بالقتال ضد الفلسطينيين، تحت البند السابع.


رغم كل ما يحمله المشروع من نقاط سلبية، ليست في صالح السلطة والمقاومة في غزة، فإن المشروع في حال إقراره، سيفرض على الجيش الإسرائيلي الانسحاب من الخطوط والمناطق العازلة، التي اشترط إنشاءها في المرحلة الأولى من خطة ترامب المتهاوية. وما يقلق «إسرائيل» أكثر هو مرحلة ما بعد العامين؛ أي بعد انتهاء أعمال هذه القوة الدولية ومجلس السلام، هل ستؤول الأمور في القطاع إلى السلطة الفلسطينية أم المقاومة، أم حكومة التكنوقراط؟

وهذا ما لا يسعد ولا يرضي نتنياهو، ولا اليمين المتطرف وقادة حربه، لأنه يعني عودة الضفة وغزة معاً تحت حكم السلطة الفلسطينية، التي لا تثق بها الولايات المتحدة، ولا ترى فيها «إسرائيل» عامل أمن وأمان على مستوطناتها، بل ترى فيها عودة للمقاومة من جديد، الأمر الذي حذر الكثير من القادة الإسرائيليين منه، إذ يقول مئير بن شبات رئيس الأمن القومي الإسرائيلي السابق: «إن مسألتي نزع سلاح حماس، وجعل غزة منطقة منزوعة السلاح، هما الشرطان الأوليان لإعادة تشكيل الحياة في غزة، قبل أية شروط أخرى».

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيتم إقرار المشروع الأمريكي في مجلس الأمن، وفق التفسير الإسرائيلي؟ وما هو موقف باقي الدول التي طالما أيدت حل الدولتين مثل، روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا؟ وهل هناك موقف عربي إسلامي مضاد لهذا المشروع، في حال إصرار ترامب على ما جاء في بنوده المجحفة لصالح «إسرائيل»؟ وفي حال عدم إقراره من قبل مجلس الأمن، هل ستتمكن إدارة ترامب من العمل على تنفيذه خارج إطار الشرعية الدولية، كما حدث سابقا في العراق؟


هذا المشروع في ظاهره يسعى إلى تقويض حركة ودور «إسرائيل» بما يتعارض مع المصالح الأمريكية، ورؤية ترامب للوضع الجيوسياسي، ومحاولة لإعادة «إسرائيل» للأسرة الدولية بعد العزلة الواسعة التي منيت بها، وإحباط محاولات الدول الداعية إلى حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية،

وضمان أمن «إسرائيل» بتوسيع عملية التطبيع والاتفاقات الإبراهيمية، لتشمل المحيط العربي القريب، ودولا إقليمية وأخرى إسلامية، وكذلك إظهار ترامب نفسه كداعمٍ وراعٍ للسلام في مواجهة خطر المساءلة القانونية من قبل محكمة العدل الدولية؛ لدعمه لمرتكبي جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، لاسيما أن هناك أصواتا صحافية وقانونية تتعالى في الولايات المتحدة لتطبيق «قانون ليهي»، الذي يحظر تقديم الأسلحة لأي جهة تنتهك حقوق الإنسان؛ ما سيشكل عامل ضغط قوي على الإدارة في تعاملها مع «إسرائيل». في السياق ذاته، وفي تصريح له في معرض انتقاده لمواقف إدارة ترامب،

إضافة لما عبّرت عنه مجموعة من الكتاب والصحافيين ورجال القانون الأمريكيين، قال ريتشارد فالك مقرر الأمم المتحدة الخاص السابق لانتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة: «إن استمرار الدعم الدبلوماسي والعسكري لإسرائيل يرقى إلى مستوى التواطؤ الذي يجب أن يحاسب عليه القانون الدولي».


أما في جوهره، فإن هذا المشروع يهدف إلى نزع سلاح المقاومة بكل فصائلها، وتدمير الأنفاق، التي باتت تُعرف بشريان المقاومة وعمود صمودها الفقري، لحرمان الشعب الفلسطيني من حقه في مقاومة المحتل، هذا الحق الذي ضمنته الشرائع الدولية، والقانون الدولي الإنساني، وميثاق الأمم المتحدة في المادة 51، ما يعني تكريس الاحتلال، ومن ثم إقامة هيئة حكم تحت الوصاية الأمريكية تضمن مصالح إدارة ترامب بإقامة «ريفيرا الشرق» و»غزة الجديدة»، وتتماهى مع مصالح الكيان.


كاتب فلسطيني