لقاء بوسان الصيني الأميركي: الهدنة الخادعة !!

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - يصف بعض المراقبين انه على الرغم من أن العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم ما زالت تواجه تحديات كثيرة، إلا أن الحقيقة الثابتة هي أن الجانبين لا يمكنهما تحقيق الازدهار إلا من خلال الحوار الندّي والتعاون القائم على الاحترام المتبادل.


في الـ30 من تشرين الأول/أكتوبر، وبعد ست سنوات، التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ بنظيره الأميركي دونالد ترامب مجددًا في مدينة بوسان بكوريا الجنوبية، وهو أول لقاء بين الرئيسين خلال الولاية الثانية لترامب. وباعتبار الصين والولايات المتحدة أكبر اقتصادين في العالم، فإن العلاقات بينهما تمس شريان الاقتصاد العالمي، ولا سيما في ظل حرب الرسوم الجمركية الحالية.


وفي وقت سابق، عقدت الفرق التجارية والاقتصادية للبلدين الجولة الخامسة من المشاورات في كوالالمبور، ماليزيا في الفترة من 25 إلى 26 تشرين الأول/أكتوبر.


وبعد انتهاء الاجتماع، أعلن وزير الخزانة الأميركي أن الولايات المتحدة قررت التخلي عن خطة فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على السلع الصينية التي اقترحها ترامب في العاشر من الشهر ذاته. كما توصل الجانبان إلى إجماع أساسي حول تمديد التعليق المتبادل للرسوم الجمركية، وتجارة المنتجات الزراعية، والتعاون حول مادة الفنتانيل، وضوابط التصدير، وغيرها من القضايا، ما مهّد الطريق لقمة القادة خلال قمة الأبيك المقامة في بوسان بكوريا الجنوبية، ووضع أيضًا زر التوقف المؤقت للحرب الجمركية بين الصين والولايات المتحدة.


وخلال اللقاء، أشار الرئيس الصيني شي إلى أن التفاعلات الاقتصادية والتجارية يجب أن تظل دعامة ومحركاً للعلاقات، وليس عقبات أو مصادر للصراع، مؤكدًا أن البلدين ينبغي ألّا ينزلقا إلى "دوامة من الانتقام المتبادل".


ومن جانبه، قال ترامب إن الصين هي أكبر شريك للولايات المتحدة، وإن التعاون بين البلدين يمكن أن يحقق إنجازات عظيمة على مستوى العالم، مؤكدًا أن التعاون الأميركي الصيني سيحقق مستقبلًا مزيدًا من النجاحات.


والواقع انه منذ أن أشعلت الولايات المتحدة بشكل أحادي شرارة حرب الرسوم الجمركية في مطلع نيسان/أبريل هذا العام، والعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة تواجه تحديات وضغوطًا كبيرة. ففي أقل من عشرة أيام، تبادل الطرفان فرض رسوم جمركية بلغت 145% و125% على التوالي. ومن أيار/مايو إلى تشرين الأول/أكتوبر، أجرى الجانبان خمس جولات من المشاورات الاقتصادية والتجارية في سويسرا، بريطانيا، السويد، إسبانيا وماليزيا لتهدئة حرب التجارة المتصاعدة واستعادة استقرار العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية.


خلال هذه الفترة، توصّل الجانبان إلى بعض نقاط الإجماع حول قضايا مثل تعليق الرسوم الجمركية، لكن العلاقات كانت كثيرًا ما تتعثر بسبب تناقض الأقوال والأفعال الأميركية. من ناحية، قال الجانب الأميركي إنه "يسعى إلى الحوار"، ومن ناحية أخرى، واصل زيادة الضغط على الصين: لطالما أساءت الولايات المتحدة استخدام ضوابط التصدير، وفرضت عقوبات على العديد من الكيانات الصينية في مجالات أشباه الموصلات، والتكنولوجيا الحيوية، والفضاء، والتجارة والخدمات اللوجستية، وغيرها.


وفي أيلول/سبتمبر، أصدرت وزارة التجارة الأميركية "قواعد الاختراق للضوابط على الصادرات"، بحيث تُخضع الشركات التابعة بنسبة تزيد عن 50% من الكيانات المدرجة في "قائمة الكيانات" للعقوبات نفسها، ما وسّع نطاق العقوبات ليشمل آلاف الشركات الصينية، في محاولة أميركية للحد من تطور الشركات الصينية في المجالات التكنولوجية الرئيسية، وكبح التقدم التكنولوجي والقدرة التنافسية الدولية للصين.


وفي أكتوبر، أطلقت الولايات المتحدة تحقيقًا بموجب المادة 301 يستهدف قطاعات الملاحة واللوجستيات وبناء السفن الصينية، وفرضت رسوم خدمات الموانئ على السفن الصينية الداخلة إلى الموانئ الأميركية، سواء كانت مملوكة أو مُشغَّلة من قبل الصين، على أن ترتفع هذه الرسوم سنويًا. وتهدف واشنطن من ذلك إلى تشجيع استخدام السفن الأميركية وإنعاش صناعة بناء السفن المحلية، ما أدى إلى زيادة رسوم دخول الموانئ للسفن الصينية حوالى عشر مرات، في انتهاك صارخ لمبادئ التجارة الدولية واتفاقية النقل البحري بين الصين والولايات المتحدة. 


المعروف انه عندما يتحدث قادة القوى الكبرى علنًا، يكون حتى للتصريحات الموجزة صدى خاصًا. وهذا بالضبط ما حدث مع منشور للرئيس الأمريكي دونالد ترامب على منصته "تروث سوشيال". فقبل لقائه بالرئيس الصيني شي جين بينغ في كوريا الجنوبية، أعلن ترامب عن عقد قمة "مجموعة الدولتين"، ملمحًا إلى أن الولايات المتحدة والصين ستنسقان إجراءاتهما وتشجعان الدول الأخرى على اتباع نهجهما.


ردت الصين مباشرة على منشور ترامب، معلنةً أن الصين والولايات المتحدة يمكنهما معًا الوفاء بالمسؤوليات الدولية، مكررةً العبارة التقليدية حول الحاجة إلى بناء عالم متعدد الأقطاب. ولم يتردد المدونون الصينيون في التعبير عن ارتياحهم. فكتب خوشا يوغانغ: "قمة مجموعة الدولتين التي أعلنها ترامب تعني إقرارًا من الولايات المتحدة باستحالة الحفاظ على نظام عالمي تكون فيه أمريكا القوة المهيمنة الوحيدة. لقد أقروا بالواقع ويريدون بناء عالم ثنائي القطب مع الصين. وبالتالي بأوروبا، ناهيكم باليابان والهند، ليست بتلك الأهمية".


لكن الخبير الصيني في العلاقات الأمريكية، تشاو مينغهاو، يرى أن مجموعة الدولتين الجديدة لن تؤدي إلى حكم مشترك للعالم بين الصين وأمريكا. فالتنافس سيعوق التعاون، ولن يتوقف أبدًا.


وفي الصدد، قال مدير الأبحاث في معهد الصين وآسيا الحديثة التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ألكسندر لوكين، لـ "نيزافيسيمايا غازيتا": "ينبغي أخذ كلام ترامب على محمل الجد، ولكن ليس حرفيًا. هدفه هو التفاوض على صفقات تجارية مع بكين. لكنه لا ينوي حكم العالم بالاشتراك مع الصين. ستحتفظ أمريكا بهذه الوظيفة. أظن أن على روسيا مراقبة هذا النقاش وعدم الرد عليه بأي شكل من الأشكال".


الحرب التجارية مع الصين التي اشعلها ترامب , ما أبرز الحقائق


نفّذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعيده بزيادة الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية بعدما اتهم بكين بممارسات تجارية غير عادلة وبعدم اتخاذ إجراءات في ما يتعلّق بتهريب الفنتانيل (مادة مخدرة) إلى الولايات المتحدة.


وفرض الجمهوري ضرائب إضافية بنسبة 10% على السلع الصينية، لتُضاف إلى تلك التي كانت مفروضة في السابق.


في المقابل، أعربت بكين عن اعتراضها الأحد متعهّدة بالرد عبر إجراءات مناسبة، ومجددة التأكيد أنه "لن يكون هناك فائز" في الحرب التجارية.


التوترات والتطوّرات في العلاقات بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.


بلغ إجمالي عمليات التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة أكثر من 530 مليار دولار خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام 2024، وفقا لواشنطن.


وفي هذه الفترة، بلغت قيمة الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة أكثر من 400 مليار دولار، بحسب أرقام أميركية، ما يجعل الصين ثاني أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، بعد المكسيك.


والصين من المورّدين الرئيسيين لسلع مثل الإلكترونيات والملابس والمنسوجات إلى الولايات المتحدة، وفقا لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي.


لكن الخلل الكبير في الميزان التجاري شكّل لفترة طويلة مصدر قلق في واشنطن، مع بلوغ العجز التجاري مع العملاق الآسيوي 270 مليار دولار خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام 2024، وفقا لأرقام أميركية أيضا.


ويساعد الدعم الهائل الذي تقدّمه الدولة الصينية لصناعتها، فضلا عن المعاملة غير المتوازنة التي تحظى بها الشركات الأميركية الموجودة على الأراضي الصينية، في تغذية اتهامات واشنطن لبكين بالإغراق، أي بالتصدير بسعر أقل من الأسعار المحلية، ويتطلب إثبات الإغراق أدلة أكبر من مجرد الزيادة في الواردات، الأمر الذي يأخذ وقتا، وفق تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.


ومع ذلك، يبقى الاقتصاد الصيني معتمدا بشكل كبير على الصادرات، الأمر الذي يفسّر إحجام قادتها عن تغيير الوضع الراهن.


ماذا حدث خلال ولاية ترامب الأولى؟


خلال ولايته الرئاسية الأولى، فرض قطب العقارات رسوما جمركية على واردات صينية بقيمة مئات المليارات من الدولارات. 


وتمثّلت المطالب الرئيسة للولايات المتحدة، في إتاحة الوصول بشكل أفضل إلى السوق الصينية التي تقيّدها سيطرة صارمة من جانب الدولة، بينما تحصل الشركات الوطنية على الأفضلية فيها.


وفي ذلك الوقت، ردّت بكين بفرض ضرائب على الواردات من الولايات المتحدة، الأمر الذي أضرّ خصوصا بالزراعة الأميركية.


وبعد مفاوضات طويلة وشاقة، توصّل البلدان إلى ما سُمّي بـ"المرحلة الأولى" من اتفاق تجاري عام 2019، ما أدى إلى هدنة في الحرب التجارية بينهما.


وبموجب الاتفاق، تعهدت الصين باستيراد منتجات أميركية بقيمة 200 مليار دولار، من بينها منتجات زراعية ومأكولات بحرية بقيمة 32 مليار دولار.


ما الذي تغيّر خلال عهد بايدن؟


بعد انتخابه عام 2020، لم يلغِ جو بايدن الرسوم الجمركية التي فرضها سلفه، لكنّه اعتمد نهجا أكثر تحديدا للأهداف.


وكثّفت واشنطن جهودها لتقييد صادرات الرقائق الإلكترونية إلى بكين، في إطار إستراتيجية تهدف إلى منع وصول التكنولوجيا الأميركية إلى الجيش الصيني.


كما زادت إدارة بايدن بعض التعريفات الجمركية ردا على ما وصفته بـ"الفائض الصناعي" في الصين، في محاولة لمواجهة تأثير الإعانات الحكومية المقدّمة للمصنّعين الصينيين، والتي من شأنها أن تؤدي إلى إغراق الأسواق بالسلع الرخيصة.


كما ضاعفت الرسوم على المركبات الكهربائية 4 مرات، لتصل إلى 100%، في حين رفعت التعريفات الجمركية على أشباه الموصلات من 25 إلى 50%.


واستُهدفت أيضا البطاريات والمعادن الأساسية والمعدّات الطبية بهذا الإجراء.


ما الذي يمكن توقّعه خلال ولاية ترامب الثانية؟


أثبت الرئيس الجمهوري أنّه كان جادّا في تهديداته التي أطلقها خلال حملته الانتخابية.


لكنه ربط الرسوم الجمركية بمصير ملكية تطبيق تيك توك، وهدّد باتخاذ إجراءات إذا لم تتنازل الشركة الصينية الأم بايت دانس عن الشبكة الاجتماعية.


تعهّدت وزارة التجارة الصينية بالرد و"إجراءات خاصة بها.. لحماية حقوق ومصالح الصين بشكل حازم".


من جانبها، جدّدت الخارجية الصينية التأكيد أنّه "لا يوجد فائز في حرب تجارية أو في حرب جمركية"، معتبرة أنّ هذه المعركة الجديدة "ستؤثر حتما وتضر بالتعاون المستقبلي في مجال مكافحة المخدرات".


خمس أوراق رابحة قد تستخدمها الصين في حربها التجارية مع الولايات المتحدة


جايهت الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة رسوماً جمركية تصل إلى 245 في المئة، وردّت بكين بفرض رسوم جمركية بنسبة 125 في المئة على الواردات الأمريكية. ويستعد المستهلكون والشركات والأسواق لمزيد من حالة عدم اليقين مع تزايد المخاوف من ركود عالمي.


وعلى الرغم من ذلك، أكدت حكومة الرئيس الصيني، شي جين بينغ مراراً وتكراراً انفتاحها على الحوار، لكنها حذرت من أنها ستقاتل حتى النهاية إذا لزم الأمر.


دعونا نُلقِ نظرة على ما تمتلكه بكين من ترسانة لمواجهة رسوم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الجمركية.


الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مما يعني أنها قادرة على استيعاب آثار الرسوم الجمركية بشكل أفضل من الدول الأصغر الأخرى.


وتتمتع الصين، التي يتجاوز عدد سكانها المليار نسمة، أيضاً بسوق محلية ضخمة يمكن أن تخفف بعض الضغط عن المصدرين الذين يعانون من الرسوم الجمركية. ولا تزال بكين تتخبط في اتخاذ القرارات لأن الشعب الصيني لا ينفق ما يكفي. لكن مع مجموعة من الحوافز، من دعم الأجهزة المنزلية إلى تذاكر السفر المدعومة للمتقاعدين على "القطارات الفضية"، قد يتغير هذا الوضع.


وقد منحت رسوم ترامب الجمركية الحزب الشيوعي الصيني زخماً أقوى لإطلاق العنان لإمكانات البلاد الاستهلاكية.


قالت ماري لوفلي، خبيرة التجارة الأمريكية الصينية في معهد بيترسون في العاصمة الأمريكية واشنطن، لبرنامج "نيوز آور" على بي بي سي في وقت سابق من هذا الشهر، بأن القيادة الصينية قد "تكون مستعدة تماماً لتحمل الألم لتجنب الاستسلام لما تعتقد أنه عدوان أمريكي".


وعلى الرغم من أن العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم ما زالت تواجه تحديات كثيرة، إلا أن الحقيقة الثابتة هي أن الجانبين لا يمكنهما تحقيق الازدهار إلا من خلال الحوار الندّي والتعاون القائم على الاحترام المتبادل.


لكن هذا الحوار في عصر ترامب المتقلب لن يدوم طويلا بحسب مراقبين فالهدنة التجارية تخفي الكثير من خلافات المستقبل التي لا تلبث وتطفو على سطح العلاقات.

 

©2025 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology