افراسيانت - حسين محمد - بعد توقف لعدة مرات، أنجزت أخيرا المرحلة الثانية من اتفاق (الزبداني، مضايا - كفريا الفوعة)، الذي تم التوافق عليه نهاية أيلول/سبتمبر الماضي.
بحسب مضمون المرحلة الثانية من الاتفاق، تم نقل المصابين والمسلحين وعائلاتهم(123) من الزبداني - مضايا إلى الشمال السوري عبر لبنان وتركيا، على أن ينقل المصابون مع بعض عوائلهم (337) من كفريا والفوعة نحو منطقة السيدة زينب جنوب دمشق، عبر تركيا ولبنان أيضا.
يشكل تطبيق المرحلة الثانية من الاتفاق تطورا مهما ليس على الصعيد الإنساني فحسب، بل على الصعيدين العسكري والسياسي، ولم يكن بالإمكان أن يجد الاتفاق طريقه إلى النور لولا تضافر جهود دول إقليمية، حيث بدت كل الأطراف متعاونة في ذلك، كل لأسبابه.
كما لم يكن ممكنا إنجاز هذا الاتفاق بالقوة العسكرية، فكفريا والفوعة محاصرتان في إدلب من قبل "جيش الفتح" منذ نهاية مارس/آذار الماضي، في حين يحاصر الجيش السوري مدينتي الزبداني ومضايا، وأي هجوم على إحدى المدن سيقابله هجوم آخر على المدينة الأخرى، ولذلك حصل "ستاتيكو" أو جمود ميداني بين الأطراف، لم تعكره سوى حالات معينة عندما كانت تفشل المفاوضات، كما حدث في آب/أغسطس الماضي.
وبدا واضحا مع اشتداد المعارك في الشمال الغربي السوري بعيد العملية العسكرية الروسية، حاجة الطرفين إلى الإسراع في تنفيذ الاتفاق، إذ تفضل فصائل عقد اتفاق إخراج المسلحين من الزبداني ومضايا قبيل حدوث تغيرات عسكرية مفاجئة في الشمال الغربي لسوريا، من شأنها أن تغير قواعد التفاوض.
بكل الأحوال، لا يمكن عزل تطبيق الاتفاق عما جرى خلال الأيام الماضية في محيط العاصمة دمشق، التي تشهد عملية تغيير الواقع الميداني المستقر منذ سنوات، ففي جنوب دمشق تم التوصل لاتفاق يقضي بخروج مؤيدي تنظيم "داعش" وعائلاتهم من أحياء جنوب دمشق بما فيها مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين وحي التضامن والحجر الاسود للانتقال إلى بئر القصيب بريف دمشق الجنوبي الشرقي أو ريف حمص الشرقي أو الرقة معقل التنظيم.
ويسيطر "داعش" على كامل الحجر الأسود منذ أكثر من سنتين بعدما طرد تنظيمات المعارضة المسلحة إلى مناطق مخيم اليرموك ويلدا وببيلا وحيي القدم والعسالي، اللذين يسيطر عليهما ما يعرف بـ"الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام".
وفي مدينة قدسيا غرب دمشق، تم عقد اتفاق خرج بموجبه عشرات المسلحين إلى إدلب شمالي البلاد، مقابل رفع الحصار عن المدينة، على أن توكل مهمة حفظ الأمن داخل المدينة، وفق مصادر إعلامية، إلى لجان من أهالي قدسيا وصل عددهم إلى 145 عنصرا، وهم الوحيدون المخولون بحمل السلاح ونصب الحواجز داخل المدينة.
وينتظر أن تشهد بلدة الهامة القريبة وبلدات وادي بردى وضعا مماثلا، يتم بموجبه إخراج المسلحين إلى الشمال مقابل فك الحصار، الذي يفرضه الجيش السوري.
كما قام الجيش السوري بإيقاف العمل بالهدنة مع مدينة المعضمية جنوب غربي دمشق المبرمة منذ مطلع 2013، وحشد الجيش تعزيزات عسكرية على تخوم المعضمية ليس من أجل اقتحامها، وإنما على ما يبدو لفرض اتفاق مشابه لاتفاقات الزبداني ومخيم اليرموك وقدسيا.
ويحاول الجيش السوري فصل المعضمية عن داريا لعدم مؤازرة مسلحي داريا للمعضمية، التي تضم (ألوية الفجر، سيف الشام، الفتح التابع لـ" الاتحاد الاسلامي لأجناد الشام").
تثير هذه المتغيرات في محيط دمشق، التي تزامنت مع مقتل زهران علوش في الغوطة أسئلة حول إسراع الحكومة السورية في إخراج هذه المناطق من دائرة الصراع، وثمة ثلاثة أسباب رئيسية لذلك:
1ـ اقتراب إطلاق مفاوضات التسوية السياسية بين الحكومة السورية والمعارضة الشهر المقبل في جنيف، كإنجاز عسكري يضاف إلى إنجازات أخرى، يمكن استثمارها كورقة ضغط سياسية.
2ـ إخراج محيط دمشق من معادلة وقف إطلاق النار، التي أقرها المجتمع الدولي في القرار الأممي 2254، وبالتالي إلغاء خطوط الاشتباك الضيقة ونقلها إلى مناطق بعيدة، حيث عدد القوى العسكرية على الأرض كثيرة ويصعب رصد تطبيق الهدن العسكرية، على عكس محيط دمشق.
3ـ الترويج لمعادلة الهدن، التي تقوم بها الحكومة السورية منذ سنتين، وتحاول فرضها في المفاوضات المقبلة، كأساس للحل العسكري.