افراسيانت - الكاتب: د.ناجي صادق شراب - سبعون عاما على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي ولد من رحم حربين عالميتين راح ضحيتهما ملايين من البشر الأبرياء، ولم يراع فيهما اي كرامة وحقوق للإنسان، وتزامن هذا الإعلان مع نشوء نكبة الشعب الفلسطيني وتشرده في الفيافي والمخيمات، وما زال يعاني من وطأة الاحتلال وغياب أي كرامة له.
هذا الإعلان الذي نص في مادته الأولى: يولد جميع الناس أحرارا ومتساويين في الكرامه والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء. ولقد حثت الأمم المتحده الدول الأعضاء أن يضعوا نصب أعينهم هذا الإعلان، وأن يعملوا على توطيد الحقوق والكرامة الإنسانية بالتعليم والتربية، والمقصود هنا نبذ كل مناهج التعليم التي تحرض على العنف والقتل والتمايز العنصري.
وأهمية الإعلان أن له قيمة رمزية ومعنوية كبيرة، رغم أنه ليس إتفاقا ملزما، لكن الإلزام الأخلاقي هو الذي يحكم على سلوك الدول والشعوب. وقيمته الرمزية في ان كل الدول والشعوب أيدته ووقعت عليه، وانبثقت عنه مجموعة من العهود الدولية الملزمة مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية. ومن العهدين ظهرت العديد من الإتفاقات التي تحمي حقوق الفئات المهمشة، والتي تعاني من الظلم والعنصرية والتمايز وإهانة الكرامة، وضحايا الإعتقال والغياب القسري والأطفال والنساء وذوي الإعاقة، هذا يلتزم الدول في تشريعاتها ودساتيرها بإحترام المبادئ التي نص عليها الإعلان.
هذا وقد إكتملت ملامح النظام العالمي لحقوق الإنسان بإنشاء مجلس حقوق الإنسان ولعل ما يجعل لهذا الإعلان من مكانة كبيرة لدى شعوب العالم والإحتفال به كل عام تضمينه وتأكيده على الكرامة الإنسانية، والتي تعني إحترام المرء ذاته، وهو شعور بالشرف والقيمة الشخصية يجعله يتأثر ويتألم إذا ما إنتقص قدره. والإنسان خلق بالفطرة حرا، كامل الحقوق، والخالق لم يميز بين إنسان وآخر وما لحق بالإنسان من ظلم وإنتهاك لحقوقه وكرامته هو بفعل بشري إما نظام حكم إستبدادي إقطاعي كما راينا على مدار تاريخ الشعوب، وإما بفعل إستعمار أجنبي فرض السيطرة والعبودية على الشعوب الأخرى كما راينا في أفريقيا وآسيا ودول أمريكا اللاتينية، التي خضعت لسيطرة إستعمارية عمياء جاءت على حساب إهانة كرامة الشعوب المستعمرة وما نرى تجسيدا لذلك في الاحتلال الإسرائيلي الدائم للشعب الفلسطيني وإهانة كرامته الإنسانية. ولعل الثورات الإنسانية الكبرى التي شهدتها العديد من دول العالم كان هدفها الكرامة الإنسانية. الثورة الفرنسية وشعارها الحرية والإخاء والمساواة. وغيرها كلها ناضلت من اجل الحقوق الإنسانية، لذلك جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليجسد هذه الكرامة ويدافع عنها. هذا الإعلان وصمة العار الإنسانية على جبينه هي إستمرار الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، فمنذ التاريخ نفسه الذي صدر فيه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية تدوسها قوات الاحتلال الإسرائيلي، واعلى درجات الإهانة ان يخضع شعب لإحتلال شعب آخر والفلسطينيون يعانون من عقود من الاحتلال الإسرائيلي الذى يمارس كل أشكال الإهانة الإنسانية من إعتقال وقتل وتعذيب وتجويع وتخويف، ولم ينج احد من أبناء الشعب الفلسطينى من سياسات الاحتلال: الأطفال اعتقلوا وقتلوا، النساء أعتقلن وقتلن، المسنيين أيضا أعتقلوا وقتلوا، المياه حجبت عنهم، منازلهم تدمر يوميا، وبيوتهم تنهك حرماتها يومياـ وتدمر أمانم أعين أطفالهم الذين ينامون في الشوارع دون غطاء، الأرض تلتهمها عمليات الإستيطان، ناهيك التعامل مع الشعب الفلسطيني أنه مجرد أفراد وليسوا آدميين، ليست لهم حقوق إنسانية مثل غيرهم من الشعوب المتحضره، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل صدور العديد من القوانين التي تحمل في طابعها العنصري، والنظر للفلسطينيين نظرة دونيه.
هذه الصورة من إنتهاك الكرامة الإنسانية هي الأكثر إنتهاكا في تاريخ الشعوب، والتي لم تعرف الشعوب الأخرى لها مثيلا، ما أريد أن أركز عليه هنا وبمناسبة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الفلسطينيين مراجعة كل خياراتهم، والتركيز على خيار الحقوق والكرامة، ولديهم الكثير من وقائع الحياه والنماذج التي يمكن أن يقدمونها للعالم الذي يتنادى بالديمقراطيه والحقوق، وان يقيموا المعارض، وان يحكوا قصص معاناتهم، هذا الخيار هو الأكثر فعالية، والكفيل ان يجعل العالم أن يستيقظ من غيبوبته، وتذكيره دائما انه ما زال هناك شعب وحيد في العالم محروم من كرامته وحقوقه المشروعة التي كفلتها له كل المواثيق الدولية، المطلوب رؤيه إستراتيجيه شاملة في هذا الشأن والعمل عليها ومخاطبة كل العالم والذهاب لكل بيت نحكى للطفل معاناة الطفل الفلسطيني، وللمرأة معاناة المرأة الفلسطينية والمسن والكبار معاناة المسنيين والكبار من الفلسطينيين، ولنغير من وظيفة سفارتنا في الخارج.