افراسيانت - بقلم: المحامي زياد أبو زياد - قرأت واستمعت الى الكثير من التعليقات والتحليلات بشأن قانون الدولة اليهودية وكانت معظم هذه التحليلات هي في الإطار السياسي وحول تأكيد هوية دولة إسرائيل كدولة عنصرية على الطريق الى بلورة نظام تمييز عنصري (أبرتهايد) على غرار ما كان قائما في جنوب أفريقيا لفترة ما ثم سقط بفضل صمود ومقاومة الأكثرية السوداء وحلفائها من البيض والعقوبات الدولية التي فرضها المجتمع الدولي على نظام الفصل العنصري إضافة الى عوامل داخلية بين الأقلية البيضاء جعلتها تتجه نحو التنازل السلمي عن الحكم لصالح الأكثرية السوداء.
ومع وجود بعض التشابه بين النظام الذي يتبلور تدريجيا ً في إسرائيل لإعادة استنساخ النموذج المندحر في جنوب أفريقيا ، إلا أن هناك بعدا ً آخر لما يجري في إسرائيل لا بد من التفكير به جليا ً من قبل قادة الحركة الوطنية الفلسطينية بشقيها الوطني والديني وأخذه بعين الإعتبار لدى الإستعداد للمعركة القادمة معه.
وأقصد أنه في مواجهة النزعة التشريعية التي اتسمت بها الكنيست الحالية ، والتي توشك فترتها على الإنتهاء قبل الأوان بعام واحد والتوجه لانتخابات جديدة قد تأني بكنيست أكثر يمينية وتطرفا ً من الكنيست الحالي ، والتي أسفرت عن سن عشرات القوانين ذات الطابع العنصري والموجهة بوضوح تام نحو تأكيد هيمنة العنصر اليهودي وتأكيد فوقيته على غير اليهودي لتمكينه من الإستيلاء على أملاك الغير وهم الفلسطينيون.
ولكن أبرز ما أفرزته هذه النزعة التشريعية العنصرية هو قانون الدولة اليهودية والذي سوف أركز هنا على بندين مما ورد فيه لأن الكثيرين أشبعوا البنود الأخرى بحثا وتدقيقا سواء ما يتعلق باللغة أو رموز الدولة أو ثقافتها وكل ذلك في الإطار العنصري الذي يؤكد الوجود اليهودي وينكر وينفي الطرف غير اليهودي.
وفي هذا السياق أود أن أشير الى البندين الأول الذي أكد بأن حق تقرير المصير هو حق حصري ومقتصر على اليهود حيثما كانوا يمارسونه في دولة إسرائيل والبند الثاني الذي يعتبر الإستيطان اليهودي واجبا ومصلحة وطنية وقومية عليا يجب على الدولة دعمه وتعزيزه وتشجيعه. وهنا لا بد من القول بأن قراءة هذين البندين لا بد أن تتم في إطار البحث عن مردودها المقابل على الشعب الفلسطيني.
فإذا أخذنا ما يتعلق بجعل حق تقرير المصير حصريا ً لليهود فإننا نخلص الى الإستنتاج الفوري بأن إنكار حق تقرير المصير لا يقتصر على الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وإنما يشمل أيضا ً إنكار ذلك على الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. أي أن هناك الآن عامل مشترك بين الفلسطينيين في الداخل وبين إخوتهم في الأراضي المحتلة وهو أن كلا الطرفين شركاء في كون إسرائيل تنكر حقهم في تقرير المصير.
وإذا نظرنا الى البعد الثاني وهو موضوع الإستيطان فإننا نجد أن الإستيطان كمصلحة قومية يهودية من الدرجة الأولى لا يقتصر على الإستيطان داخل الخط الأخضر وإنما هو يتمركز أصلا ً حول الإستيطان في الضفة الغربية كأولوية قصوى للحركة الصهيونية والدولة اليهودية التي تنكر وجود وحق غير اليهود فيها.
ولذا فإن الإستنتاج الثاني الذي يبرز أمامنا في موضوع الإستيطان اليهودي هو أن قانون يهودية الدولة أو دولة اليهود أراد من خلال إعطاء الأولوية القصوى للإستيطان التأكيد على وحدة الجغرافيا التي تشمل الأراضي التي احتلت عام 1967 مع الأراضي التي احتلت عام 1948.
أي أن موضوع الإستيطان بدأ مع قيام إسرائيل واستمر مع استمرارها والآن يجب أن يتعمق ويتجذر في تثبيت سيطرتها وهيمنتها على أرض فلسطين التاريخية الممتدة من النهر الى البحر.
أي أن قانون يهودية الدولة قد حقق بقصد أو بغير قصد أمرين ثابتين لا تستطيع إسرائيل إنكارهما. الأول هو وحدة الشعب الفلسطيني قي داخل الأراضي التي احتلت عام 1948 وأقيمت عليها دولة إسرائيل والشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967. أي أننا شعب واحد يمتد وجودنا من بلدات الجليل والمثلث وحيفا والناصرة ويافا واللد والرملة الى القدس ونابلس والخليل وأريحا والأغوار.
وهكذا فإن قانون الدولة اليهودية قد أعاد الصراع الى بداياته إذ أكد وحدانية الشعب الفلسطيني على كافة أرض فلسطين التاريخية بإنكار حق شطريه في تقرير المصير، كما أثبت وحدة الأرض الفلسطينية من النهر الى البحر من خلال تأكيد أن برنامج الحركة الصهيونية لا يميز بين ما تم احتلاله في 1948 أو ما تم احتلاله لاحقا ً في عام 1967، وأثبت أن الصراع على هذه الأرض هو عليها جميعا ُ وليس على جزء منها دون الآخر. وقد ساعد في تجسيد ذلك العمل الإسرائيلي المكثف والدؤوب لإلغاء وطمس وجود الخط الأخضر وتوحيد الأرض الفلسطينية جغرافيا ً لأهداف الإستيطان اليهودي فيها.
فما العمل إزاء هذا التوجه اليهودي المتطرف؟
الجواب سهل وبسيط. فطالما أننا شعب واحد في كل أرجاء فلسطين المحتلة سابقا ً ولاحقا ً ، وطالما أن الطرف الآحر ينكر حقنا في تقرير المصير في شتى أماكن تواجدنا داخل الخط الأخضر وخارجه فإن علينا أن نوحد صفوفنا عرب الداخل وعرب الضفة في النضال المشترك للحصول على حقنا في المساواة باليهود في أرض فلسطين التاريخية وتفكيك نظام الفصل العنصري الذي يسعى اليهود المتطرفون الى تثبيت دعائمه.
ولا شك بأن النضال المشترك ضد العنصرية والتطرف لا يقتصر على الفلسطينيين العرب وإنما يشمل كل أنصار الحق والعدل والديمقراطية. ويقينا ً أننا سنجد من بين الإسرائيليين اليهود من سيكون على استعداد للنضال معنا ضد التمييز العنصري تماما ً كما كان هناك بيض في جنوب أفريقيا ناضلوا جنبا الى جنب مع السود ضد نظام الفصل العنصري ونجحوا معا ً في إسقاطه وإقامة نظام ديمقراطي يفتح ذراعيه للجميع على قدم المساواة والعدل الإجتماعي. هذه هي معركتنا القادمة...