افراسيانت - اشرف صالح - هناك علاقة قوية تربطني بوعد بلفور كوني مواطن فلسطيني بدرجة إمتياز , ورغم أن وعد بلفور أخذ على عاتقه أن يجردني من هويتي الكنعانية تاريخيا والإسلامية عقائديا والفلسطينية قوميا , إلا أنني لا زلت أتذكر معه كل سنة كي لا أنسى شخصية عدوي اللدود , وبما أنني أعتبره من أشد الأعداء فيجب أن لا تقتصر علاقتي به بمجرد ذكرى تمر كل سنة , أعبر فيها عن غضبي بالويلات والبكاء , ومن ثم أنشر قصتي للعالم لأحصرها في زاوية التاريخ , فلا بد أن تخرج علاقتي بوعد بلفور من علاقة الذكريات في كل سنة الى علاقة تصدي ومجابهة لهذا الوعد المشئوم , ولكن كيف وأنا وحيدا في أفكاري , منشق عن الجماعة كوني أعتقد أنني الأفضل .
في هذه الأيام يتزامن ذكرى وعد بلفور المشئوم , مع أخطر المراحل التي تمر بها القضية الفلسطينية , من حيث صراعنا مع الإحتلال وصراعنا مع أنفسنا أيضا , فصراعنا مع الإحتلال أمر بديهي وحتمي فلا يختلف عليه إثنان , فهو نتاج الوعد الذي هو محل موضوعنا هذا , أما صراعنا مع أنفسنا فهوا منشق من كلمة "أنا" ولهذه الكلمة تفسيرات كثيرة وتداعيات خطيرة , فلوا فسرناها على نحوا الأنانية لوجدنا أن كل شخص فينا أو حزب أو حاكم , يعتقد أنه المناسب لمجابهة وعد بلفور وما نتج عنه من إحتلال , ولهذا نجد كل منا في واد آخر , ولو فسرنا "أنا" على نحوا الصراحة مع النفس ومحاسبتها وجلد الذات , فلم نجد أحد يفعل ذلك وللأسف الشديد , وحتى من قدموا تضحيات ولا زالوا يقدمون في سبيل الوطن , فهناك قناعات راسخة في عقولهم بأن طريقتهم في النضال هي الأفضل من الغير , ولهذا نجد ضرباتهم للعدوا تحول دون تحقيق اهداف أو تقدم ملموس أو نتائج محققة , لأنهم خارج الصف الواحد , وأصبحوا كمن يضرب الحديد بعصا خشبية .
المسافة بين وعد بلفور وتأسيس دولة إسرائيل "النكبة" ثلاثون عاما , ثلاثون عاما من التخطيط والتكتيك لكيفية وضع حجر الأساس لدولة نووية , بمواصفات الحركة الصهيونية العالمية , والتي كانت تجمع يهود العالم على هدف واحد وقرار واحد وكلمة واحدة رغم بعد المسافات الجغرافية بينهم , فكلنا نعلم أنهم جائوا من الشتات .
أما نحن كفلسطينيين فكل منا لا زال يعمل في معسكر مستقل , سواء أحزاب أو تيارات أو حكومات أو أشخاص , فهناك أحداث ومحطات مرت بنا قد نحتاج أياما لكتابتها , ولكن المشهد الأخير في مسلسل دراما الصراع لا زال قائما , ففي هذه الأيام تشهد البلاد صراعا حقيقيا بين الأحزاب الفلسطينية على إختيار الطريق المناسب لسلوك القضية والتي أصبحت في المزاد العلني , فالهدنة التي تسعى اليها حماس مع إسرائيل ليس على مزاج باقي الأحزاب , وسقف المطالب أيضا لا يتعدى طموحات أي حزب صغير , وأيضا طموحات قطر في المنطقة قد تتناغم مع البعض وتزعج البعض الآخر , وأيضا علاقة مصر بصفتها الراعي لقضيتنا قد ترفع البعض وتقصي الآخر , فهناك حالة خليط معقدة من الصراعات السياسية والحزبية بين جميع الأطراف , تتزامن مع خروج كل طرف منددا ومستنكرا بوعد بلفور ومتوعدا بالتصدي له , ولكن , هل التصدي سيكون من خلال الصف الوطني الواحد , أم من خلال كلمة "أنا" , فهذا هو جوهر الموضوع .
اشرف صالح
كاتب صحفي ومحلل سياسي