افراسيانت - الكاتب: عوني المشني - يكاد الفيلسوف الألماني نيتشة بقوله "احيانا لا يرغب الناس في سماع الحقيقة لأنهم لا يريدون ان تتحطم أوهامهم" ان يلخص الموقف الفلسطيني الرسمي من الاستراتيجية الفلسطينية التي حكمت مسيرتنا ربع قرن من الزمن، فقد صمّت النخبة الفلسطينية اذنيها عن كل محاولة نقد او تقييم للمرحلة واعتقدت انها هي النخبة التي تمتلك الحقيقة دون غيرها وبذلك يصبح اي كلام غير كلامها مجرد ترهات لا يستحق حتى مجرد تضييع الوقت في سماعه، وحتى عندما تحطمت أوهامهم على صخرة الموقف الاسرائيلي والانحياز الامريكي الفاضح فانهم يواصلون ذات المنهجية وبدون اي تغيير، وقبل البحث في سبب هذا الموقف فاننا ملتزمين بمنهجية التفكير والبدء من السؤال: ما الذي فشل، ولماذا فشل ؟؟؟!!!
قامت الاستراتيجية الفلسطينية في التعاطي مع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي خلال الربع قرن الاخير على ثلاثة مرتكزات: استراتيجية الولد الطيب، استراتيجية المزاحمة في المكان، استراتيجية المزاحمة على الدور.
الولد الطيب بمعنى إثبات اننا جديرون بدولة فلسطينية من خلال إثبات حسن مسلكنا مع اسرائيل وقدرتنا على الحفاظ على الامن وقناعتنا بالسلام كاستراتيجية، وفِي هذه الاستراتجية تفاصيل كثيرة، ما لم يتحقق بالمفاوضات يتحقق بمزيد من المفاوضات، نبذ العنف بكل اشكاله ومحاربته، اعادة بناء البنى السياسية والأمنية والتنظيمية على هذا الاساس، الالتزام الكامل والامين بمتطلبات اوسلو، ....... الخ من تلك التفاصيل...
وعبر تلك الاستراتيجية استغلت اسرائيل الوقت لتخلق حقائق على الارض تعرقل ان لم تمنع تحقيق الأهداف الفلسطينية المتمثّلة في اقامة دولة فلسطينية مستقلة، وعندما أزفت لحظة الحقيقة تبين بما لا يدع مجالا للشك ان "الولد الطيب" لن يحصل على جائزته ويكفيه جائزة انه كان ولدا طيبا.
اما المزاحمة في المكان فتلك حكاية كان ياسر عرفات عرفات يقف خلفها وهي انك لست بحاجة الا ان تاخذ مكانا لقدمك على الارض لتبدأ بعدها بالتوسع يميناً وشمالا لتستحوذ على المكان بكامله، كان ياسر عرفات يعتقد انه بوضع قدمه في غزة وأريحا يعتبر كافيا ليفرض عبر سلوك سياسي وتنظيمي وربما عسكري مظاهر الدولة الفلسطينية لتصبح في نهاية المطاف امرا واقعا، انهارت تلك الاستراتيجية بالاجتياحات التي حصلت إبان الانتفاضة الثانية وبدل ان نمدد صلاحياتنا تقلصت تلك الصلاحيات وفقدنا جزءا ليس يسيرا مما كان معنا حسب اتفاق اوسلو وربما ان الشهيد القائد ياسر عرفات دفع حياته ثمنا لتلك السياسة حيث كان اغتياله نهاية لها، الاستراتيجية الثالثة المزاحمة على الدور، وتلك السياسة التي تتلخص تقديم أنفسنا لامريكيا كشركاء لها في تحقيق مصالحها لأخذ مكان لنا على الارض "دولة" تساعد في تحقيق المصالح الامريكية، انطلقت هذه السياسة من قناعة لدى النخب الفلسطينية ان امريكيا تستطع فرض حل سياسي واذا ما أقنعنا امريكيا بدورنا في سياق الرؤية الامريكية فان امريكيا ستفرض على اسرائيل الانصياع لفكرة الدولة الفلسطينية، لكن تلك السياسة فشلت ايضا، ولاسباب ومعطيات إقليمية ودولية انحازت امريكيا ليس لاسرائيل فحسب بل لرؤية اليمين الاسرائيلي، وأصبح همنا الان هو الهروب من هذا الانحياز بتقليل الخسائر ما امكن.
اذن لا استطعنا ان نحصل على جائزة الولد الطيب ولا ان نزاحم في المكان ولا في الدور، وها نحن نعود للمربع الاول لنسأل : ما الذي يجب ان نفعله ؟؟ او ماذا بوسعنا ان نفعل ؟؟!!!!
النخبة السياسية الفلسطينية ما زالت تواصل الرهانات الخاسرة، مرة تنتظر تغييرا في الادارة الامريكية، ومرة تنتظر تغييرا على موقف الادارة الامريكية، وفِي كلا الحالات هي في موقع الانتظار السلبي، ولم تدرك بعد ان اي تغيير على المدى المنظور لن يصل الى مستوى تقبل الادارة الامريكية للحد الأدنى الفلسطيني ، لانه ببساطة لا اسباب كافية عند الادارة الامريكية لأحداث ذلك التغيير.
ولكن جيم رون يضع اشتراطات اخرى لتجاوز الفشل "لديك خياران: اما ان تستبدل أحلامك او تستبدل مهاراتك"، بمعنى ان الشعب الفلسطيني مطلوب منه بالضرورة استبدال مهاراته لان ما لا يستبدل تحت كل الظروف هو الحق في الحياة في وطن وهذا الحلم هو خبز الحياة لاي شعب. استبدال المهارات يبدأ بالحقيقة القائلة ان اجراء تغيير منهجي على الاستراتيجية الفلسطينية هو المطلوب الان ، وعندما نقول تغيير جوهري هذا يشمل القائمين على الاستراتيجية الفاشلة لأنهم استنفذوا عبر ربع قرن كل ما لديهم ولم يعد لديهم ما يقدمونه ، وتغيير عميق في مفاهيم ادارة الصراع والأدوات المستخدمة بما فيها البنى السياسية والتنظيمية . تغيير نصل فيه الى ما يرمي اليه ليو تولستوي بقوله " لا يوجد انسان ضعيف ولكن يوجد انسان يجهل مواطن قوته " وهذا ينطبق على الشعب اذ لا يوجد شعب ضعيف بل توجد قيادة تجهل مواطن قوة هذا الشعب وتجهل كيفية استخدامها وتوظيفها لتحقيق اهداف هذا الشعب...